هذه أسباب مغايرة للنجاح قد تفيدكم
هذه أسباب مغايرة للنجاح قد تفيدكم
روزيت الفار-عمّان
في كتابه العلمي Barking Up the Wrong Tree ؛ يكشف الكاتب الأمريكي إيرك باركر عن العلم الجديد لأسباب النّجاح الحقيقيّة، ويشرح آليّة تحقيقها.
يتّجه النّاس في سعيهم خلف النّجاح؛ لاختيار أناس ناجحين كي يقتادوا بهم ويتعلّموا منهم ما يجب أن يفعلوه لتحقيق غايتهم. لكنّهم بعد قراءة الكتاب؛ سوف يدركون خطأهم ويتمنّون لو لم يفعلوا ذلك.
أورد الكاتب أمثلة استقاها من تجاربه وأبحاثه ومن خبراء عالمين ودارسين ومن أحداث ووقائع فعليّة؛ تجعلنا نتخلّى عمّا كنّا نعتقد بالنّسبة لمفهوم النّجاح وأسس تحقيقه والّتي تقدّس مسلّمات ومقولات اعتبرت “المال” (أو ما يجمعه الشّخص من ثروة)، المقياس الأمثل والوحيد لنجاحه.
في فصول الكتاب السّتّة؛ يتعمّد باركر شرح نظريّته من خلال منظورين متضادّين: تقليدي وحديث. مُقدِّماً أمثلة من الواقع الحاضر تدعم نظرته الجديدة.
- هل علينا أن نتّخذ لنا قدوة من النّاجحين السّابقين فنسير على خطاهم كي ننجح؟
- هل حقّاً الأشخاص الطّيّبون يخسرون والسّيّئون يفوزون؟ أم أنّ هناك ما يخالف ذلك؟
- هل مقولة “النّاجحون لا يستسلمون أبداً والمُستسلمون لا ينجحون” صحيحة؟
- هل ما تعرف أهمّ مِمَّن تعرف؟ أي اعتبار الدّرجات العلميّة والأكاديميّة أهمّ من شبكة التّواصل الاجتماعي والمعارف؟
- هل الثّقة العالية والإيمان بالنّفس والتّعامل الجدّيّ الحازم مع الآخرين؛ من أسباب النّجاح الرّئيسيّة؟
- ثمّ هل العمل المستمر غير المنقطع هو بالتّأكيد السّبيل الأمثل للنّجاح؟
يبدو أنّ الكاتب كان مُحِقّاً في مخالفته لهذه النّظرة التّقليديّة، ولا يرى فيها صِدقاً مؤكَّداً عنه.
فإن دقّقنا مليّاً في سلوك النّاجحين حاليّاً؛ نجد بأنّهم لا يعتمدون معياراً واحداً لتقييم النّجاح؛ أي “الثّروة”، بل يذهبون إلى ما هو أكثر أهمّيّة منها، اختصرها الكاتب بالأربعة الكبار The Big Four واشترط التّوافق بين جميعها إذ ما أريد للنّجاح أن يكون حقيقيّاً، وهي:
- السّعادة Happiness وهي الشّعور بالمتعة والرّضى في الحياة وما حولها.
أشار باركر لحقيقة أنَّ العمل لا ينتهي وبأنّ العلاقة عكسيّة بينه وبين السّعادة فكلّما زاد العمل قلّت السّعادة. فنجاحك بمكان ما يُغريك لطلب نجاح ثانٍ ثمَّ ثالث وهكذا… إلى أن ينتهي بك الأمر شخصاً بائساً. بالمقابل، بيّن كيف لجوانب الحياة الأخرى كقضاء وقت نوعي مع الأسرة والمحيط الاجتماعي والجانب التّرفيهي، أهميّة وانعكاسات إيجابيّة على تحسين نوعيّة الحياة.
- الإنجاز Achievements هو الّذي ينسجم مع أهدافك الّتي حدّدتها ويتوافق معها.
التّركيز على أهميّة الإنجازات اليوميّة الصّغيرة؛ فهي الّتي تضفي قيمة ليومنا و بتراكمها؛ تتحقّق إنجازاتنا الكبيرة.
- الأهمّيّة Significance وهو تأثيرك الإيجابي على الّذين تتعامل معهم وكيف لتعاطفك الأصيل معهم والناّبع من أخلاقك وثقافتك، أن يضيف لعملك أهمّيّة واعتباراً. فجدّيّتك وحزمك في تعاملك مع الآخرين لم يثبتا أيّة جدوى، بل على العكس قد يهويا بمساعيك نحو أدنى المراتب.
- ترك إرث Leaving a Legacy وهو ما تتركه أعمالك من آثار تجعل الآخرين يتذكّروك كلّما مرّوا بها، أو تغيّر في رسم المستقبل نحو الأفضل وترسّخ فيها قيمك وإنجازاتك. كأن تقوم بعمل مُستدام يساهم في الحفاظ على بيئة خالية من النّفايات، ومناخٍ نقيٍّ دون ملوّثات.
يوضّح الكاتب بأمثلة عن أنّ نسبة كبيرة ممّن يحملون درجات أكاديميّة عالية؛ هم فعلاً يعيشون حياة اقتصاديّة جيّدة، لكنّهم لم يصبحوا من أثرياء العالم المشهورين بالرّغم من التزامهم بعملهم وانضباطهم وتقيّدهم بالأنظمة والقوانين. ويشرح كيف لبعضٍ آخر من العامّة قدرة صنع قوّة من نقاط ضعفهم والوصول لمراتب عالية.
“الطّيّبون يصلون دوماً متأخّرين”. أثبت الكاتب عدم صحّة تلك المقولة، وضرب مثلاً بالشّهيرة أوبرا ويمفري حيث كان لحسن تعاملها ودعمها للآخرين، انعكاساً إيجابيّاً على شهرتها بل ربّما كان أهمَّ أسباب نجاحها.
ليس بالضّرورة أن يكون النّاجحون فقط من المنفتحين بل قد نجد بين مَن يوصفوا بالجماعة المنغلقة أناساً أكثر تركيزاً وانتاجيّة وأبطالاً حقّقوا مراكزَ متقدّمة بمجالاتهم. فأن تكون في عزلة لا يعني أن تكون فاشلاً.
وبعد ظهور ما يُعرف بعلم “المثابرة والمرونة Grit and Resilience Science، الّذي يشرح متى يكون التّوقّف عن العمل أو الانسحاب منه مفيداً ومتى ينصح بالاستمرار. فالانسحاب لا يعني دائماً استسلاماً ولا الاستمرار نجاحاً.
تحدّث الكتاب بأحد فصوله عن الثّقة العالية بالذّات وكيف تأتي بنتائج عكسيّة خصوصاً حين يتمادى الشّخص ويصبح نرجسيّاً. وكيف لها أن تكون مخادعة خصوصاً حين يربطها الشّخص بنجاحه؛ ممّا يعني أنّه عند التّعثّر ستنخفض مستويات ثقته بنفسه؛ ما ينعكس سلباً على نجاحه. فهي بالتّالي “أثر” وليست “سبباً” An effect and not a cause.
ينصحنا الكاتب بالنّهاية؛ بألاّ نطلب نجاحاً كاملاً ومثاليّاً كالّذي نراه ونسمع عنه؛ بل نجاحاً يبدأ أوّلاً بمعرفتك الحقيقيّة لذاتك وعن كفاءاتك ونقاط قوّتك والعمل الّذي تجيده. ثمّ تحديد هدفك الّذي ترغب في تحقيقه. مثلاً (الشّخص الّذي تريد أن تكونه والمكان الّذي ترغب الوصول إليه). ثمَّ وضع أهدافك ضمن السّياق الصّحيح أي بمجال العمل الذّي ينمّي ويحفّز ما تجيده وتُكافأ عليه.
حيث لا يمكنك الوصول لأيّ نجاح، حتّى وإن امتلكت جميع متطلّباته، إن لم تتوافق تلك المتطلّبات مع طبيعة العمل الّذي اخترته.