كيف يفكر جهاد ازعور
كيف يفكر جهاد ازعور
سامي كليب:
” أنا عروبي، ترعرتُ في بيئة عروبية،نشأتُ على العمق العربي، وعرفتُ في خلال مسيرتي الشخصيّة والمهنيّة كيف أبني علاقاتٍ مع الجميع، ومع كلّ الاضداد في الداخل والخارج، وأعرفُ أنَّ وطننا لُبنان بحاجة إلى تقاطع الجميع وليس فقط إلى من تقاطعوا حولي ولأجلي”.
هذا لسانُ حالِ المُرشّح الرئاسي جهاد أزعور الذي تفوّق على منافسه زعيم تيّار المردة سليمان فرنجيّة بثمانية أصوات (59 مقابل 51)، ويستمرّ في المعركة الانتخابيّة، حيث آفاقُها مفتوحةٌ على كلّ الاحتمالات والمفاجآت، ذلك أنّ تشدّد الثنائي في دعم الزعيم الزغرتاوي، لا يُلغي اعتقادَ البعض بأنّ الثنائي نفسَه يحتاجُ في نهاية الأمر إلى صفقةٍ أو تفاهُمٍ أو اختراقٍ لضمان غطاءٍ مسيحي والإبقاء على الشراكة الوطنيّة، وهذا يطرح احتمالين، أولهما تأمين هذا الغطاء الداخلي أو الخارجي لفرنجيّة، أو القبول بخيارٍ آخر يُرضي الجميع.
ثمّة واقعة تفتحُ مجالاً واسعًا للتفكير، لا بُدّ من التذكير بها، كي نفهم أنَّ جهاد أزعور لم يأت من فراغ أو من قبيل الصُدفة. فحين كنتُ في القاهرة في 24 آيار/ مايو الماضي، لإجراء مقابلة مع أمين عام جامعة الدول العربيّة أحمد أبو الغيط، قال لي نائبُه الدبلوماسي العريق حسام زكي والمُلمّ بكل تفاصيل الملف اللبناني:” أعتقد أن حظوظ سليمان فرنجيّة ضعيفة في إحداثِ اختراقٍ مسيحيّ وسيكون الأمر مُعقدًا جدّا بدون هذا الغطاء، لأنّ العرب لا يريدون اقصاء المسيحييّن ولا دفعَهم إلى التشدّد”. سألتُه:” ومن هي الشخصيّة التي يراها العرب مناسبة؟” قال:” هناك عددٌّ من الشخصيات الجيّدة، لماذا لا تُفكّرون مثلاً بجهاد أزعور، ماذا ينقصه أزعور؟”.
حتّى الآن، ما زال الثنائي يُقدّم خِيار فرنجيّة على أيّ خِيارٍ آخر، وثمّة مَن ينقل عن رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي قوله:” حتّى لو حصل أزعور على 80 صوتًا، لن نُغيّر رأينا”.
لا شكّ في أنَّ مُنافسَ فرنجيّة القادم من عالمِ الاقتصاد والمؤسسات الدوليّة، يُدركُ تمامًا صعوبة تعديل رأيّ الثُنائي، لكنَّ ثمة من يقول بإمكانية أن يُصبح هو نفسُه (تمامًا كزياد بارود) أحد أبرز أسماء التقاطُعات المُقبلة في حال تعقّدت قضيّةُ فرنجيّة داخليًّا وخارجيًّا، وهذا يفترض قبلَ كلّ شيء معرفة ما آلت إليه فعليًّا محادثاتُ وليّ عهد السعودية الأمير محمّد بن سلمان، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في باريس، وما سبقها من محادثاتٍ سعوديّة سورية. فكلّ ما يُقال لا يعدو كونه حتّى الآن تكهُّنات.
سألتُ الرئيس اللُبناني السابق ميشال عون قبل أيامٍ عمّا قاله له مضيفُه الرئيس السوري بشّار الأسد في خلال اللقاء بينهما في دمشق حول الانتخابات الرئاسيّة اللُبنانيّة، فقال:” لم نتحدّث طويلاً عن هذا الموضوع، وقال لي الرئيس الأسد، إنَّ سوريا لا تريد التدخّل في هذا الملف”، وذلك فيما سرت معلوماتٌ تقول إنّ عون حملَ معه اسم زياد بارود. لكن الأكيد أن الأسد يُفضّل صديقَه الشخصي سليمان فرنجيّة على أيّ مُرشّح آخر، تاركًا القرار لحليفه أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله، أمّا علاقتُه بالرئيس برّي فما زالت ضبابيّة خصوصًا بعد رفض إعادة هنيبعل القذافي المعتقل في لبنان الى دمشق منذ خطفه من على أرضها.
كان جهاد أزعور قد التقى برّي وحزب الله، تمامًا كما تواصل مع جميع القوى المؤثّرة. ولعلّه يُدرك أن ثمّة عاطفةً شخصيّة يُكنُّها له رئيس المجلس لأسبابٍ عديدة وبينها العلاقة الحميمة التي طالما ربطت برّي بالسياسيّ العريق والمثقّف الموسوعي والمُرشَّح الدائم للرئاسة سابقًا المرحوم جان عبيد. فهذه العاطفة كانت حاضرةً في اتصال أزعور مع برّي.
لا شكّ أيضًا في أنّ أزعور، وخلافًا لكل الشائعات، لم يعِد أحدًا بشيء لجهة التعيينات، وليس بوارد اتخاذ أي خطوة، أو التعهّد بأيّ أمر، يثير قلقَ أيّ طرفٍ أو الحزب الذي يرى فيه أحد المكوّنات الأساسيّة للمجتمع اللُبنانيّ.
هو يُريد، تمامًا كخاله، أن يكون نقطة التقاء وتقاطع، ويتمتّع بعلاقاتٍ قويّة مع الدول العربيّة والغربيّة المؤثّرة في لُبنان، وبعلاقاتٍ جيّدة مع إيران وسوريا، ذلك أنّه من خلال منصبه كمدير لإدارة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي، يتواصل مع البلدين، وكان آخر الاتصالات تلك التي جمعته بوزير الماليّة السورية في إطار محادثات الصندوق مع دمشق.
هذا بالضبط ما دفع أزعور للقول في بيانه اليتيم قبل الجولة الأولى من الانتخابات:” لا أريد لترشيحي أن يكون تقاطعَ الحدّ الأدنى بين مواقف ومشاريع القوى السياسيّة المختلفة، بل تلاقي الحد الأقصى بين أحلام اللبنانيين واللبنانيات بوطنٍ نستحقّه جميعًا، سيّداً حُرّاً مستقلاًّ مزدهرًا”.
يتجنّب أزعور الاطلالات الإعلامية، حرصًا على حدود وظيفته وفروضِها، فكلّ كلمةٍ منه يجب أن تُقاس بميزان الذهب، لكنّ اتصالاتِه مع أطرافٍ عديدة لم تنقطع، وهو إذ يُدرك أنّ ثمة من انتخبَه قناعةً به، وآخرين انتخبوه لأسباب مرحليّة أو لتصفية حسابات، وإذ يُدرك أيضًا أن الثوابتَ في السياسة اللُبنانيّة قليلة أمام زحمة المصالح الداخليّة والخارجيّة، فإنّه لا يبدو راغبًا بالتراجع عن الترشّح، ويريد أن يكون رئيسًا فعليًّا، وسطيًّا، جامعًا، وقادرًا على طرح مشروع إصلاحيّ مع حكومة منسجمة وفاعلة، وذلك لإدراكه، بأنّ الوصول إلى المنصب ليس هو المهم، بل أنَّ الأهم منه هو ماذا يفعل الرئيس حين يصل الى المنصب وكيف يحفظه التاريخ كمُنقذ لبلاده لا كطرف في محور يُكمل دمار البلاد.
لا شكّ في أنّ أزعور كما الكثير من المُرشّحين يُدرك، أنَّ الولايات المتحدة الأميركية ما عادت مهتمّة كثيرًا بتفاصيل الوضع اللُبناني، وأنّ الرئيسَ الفرنسيّ إيمانويل ماكرون يقود أوركسترا الانتخابات، وانّ باريس دعمت فرنجيّة لاسبابٍ عديدة، فهل تغيّر الموقف الفرنسي بعد نتائج الجولة الأولى؟ لا أحد يستطيع تأكيد ذلك الاّ بن سلمان وماكرون. وهما لن يقولا شيئًا صريحًا قبلَ اكتمالِ المشهد الذي ينقل تفاصيلَه قريبًا المبعوث الرئاسي الفرنسي الى لُبنان جان ايف لودريان.
بانتظارٍ ضوء أخضر خارجيّ لهذا المُرشّح أو ذاك، ما زال الثنائي متمسّكًا بسليمان فرنجيّة، ولا يجد أيَّ منطق، في التخليّ عن هذا المنصب ” الاستراتيجي” كما وصفه السيد نصرالله لخصومه. كيف لا وحزب الله يعتبر أنّه بعد كلّ ” الإنجازات” التي وضعها في رصيده على مستوى المنطقة من بيروت ودمشق حتى اليمن والعراق وفلسطين، لن يتنازل في وقت الذروة عمّا لم يتنازل عنه في أزمنة القلق.
لكن ماذا لو ذهبت الرياح الفرنسية-السعودية-الإيرانية-السورية باتجاه الصفقة، هل ترتفع حظوظ أزعور؟
الاحتمال ممُكن حتّى لو كان صعبًا ومُعقّدًا، فالرجل قد يُصبح مُرشّح التقاطعات والتسويات ( تمامًا كزياد بارود)، وليس من النوع الذي سيتمحوّر مع طرفٍ ضدّ الاخرين. وهو في كلّ الأحوال لديه من الخبرة والكفاءة المحليّة والدوليّة في المجالات الاقتصاديّة والماليّة ما يجعله في صدارة السباق ، هذا اذا كان من يُمسك بخيوط اللعبة في الداخل والخارج، يُريد فعلاً أن يكون للُبنان رئيسٌ يعمل لانقاذ الاقتصاد لا لاغراقه أكثر.