دبي-نادين الأسمر: خطوات اضافية بين إيران ودول الخليج تُنبيء بالانتقال الى مرحلة أكثر تفاؤلاً رغم استمرار بعض العقبات خصوصا منها حرب اليمن. فقد كثّف وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان اليوم الثلاثاء اتصالاته مع عدد من نظرائه الخليجيين في سياق استعادة حرارات العلاقات السابقة، وذلك بعد أيام على مغادرة الرئيس الاميركي جو بايدن المنطقة وانتهاء القمة الثلاثية في طهران التي جمعت رؤوساء روسيا وايران وتركيا. ويبدو ان استئناف العلاقات الايرانية الإماراتية سيُمهّد قريبا الى أمر مُماثل مع السعودية حيث تتسارع الخطوات لاعادة فتح السفارتين السعودية والايرانية .
شملت اتصالات الوزير الايراني كلا من الامارات والكويت وسلطنة عُمان وقطر وأعقبت اتصالات مماثلة مع العراق ، وقالت الخارجية الايرانية “سنسرع التعاون مع الجيران، وليس باستطاعة الغرباء منع التعاون الإقليمي”.
وقد كان لافتا مستوى الحرارة في الاتصال بين عبد اللهيان ونظيره الامارات الشيخ عبدالله بن زايد، حيث يبدو واضحا ان المصالح تتقدّم على كل ما عدها، خصوصا ان استعادة العلاقات بين الجانبين تأتي رغم تطبيع الإمارات مع اسرائيل.
قال الوزير الايراني في اعقاب اتصاله ببن زايد إن قرارا أبو ظبي القاضي باعادة السفير الاماراتي الى طهران ” خطوة مهمة لتطوير العلاقات الثنائية”، مشددا على اهمية التعاون الاقليمي والامن والازدهار، وذلك بعد قطيعة دبلوماسية استمرت منذ العام 2016 حين سحبت ابو ظبي سفيرها في اعقاب قطع العلاقات السعودية الايرانية.
من جانبه قال وزير الخارجية الاماراتي عبدالله بن زايد ،“أننا لا نشك في قدرتنا على إعادة الدفء إلى العلاقات بين البلدين، ويمكننا فتح آفاق جديدة أمام هذه العلاقات خاصة في ظروف نواجه تحديات متعددة في المنطقة منها ما يرتبط بقضايا البيئة والمناخ، وثمة فرص اقتصادية كبيرة في البلدين للشعبين يمكننا استغلالها بشكل مطلوب والزيارات المتبادلة للمسؤولين والتجار والخبراء لها تأثير كبير في هذا المجال، وإن السلام والاستقرار والخير والعزة لإيران كبلد جار وشقيق يهمنا للغاية لأن ذلك سيعود إيجاباً على بلدنا ونأمل أن نتخذ في المستقبل خطوات أكبر لتطوير العلاقات”.
في مقابل ذلك لم ينس الوزير الايراني الاشارة الى قضية التطبيع مُعتبرا أن “حضور الكيان الصهيوني الاحتلالي في المنطقة يسبب عدم الاستقرار والفوضى، وإن هذا الكيان يسعى إلى تحويل اجتماع جدة الأخير إلى أزمة في المنطقة، لكن حكمة الدول الإقليمية المشاركة فيه حالت دون ذلك”.
وعرّج على المفاوضات النووية مع الغرب، مُشيرا الى أن الاتحاد الأوروبي يواصل جهوده لتتوصل هذه المفاوضات إلى نتيجة وقال “نحن أيضاً جادّون في التوصل إلى نتيجة جيدة ومستدامة”. جاء كلامه هذا متزامنا مع تحذير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي الذي قال : “ليس لدينا أي معرفة بما إذا كانت إيران تطور سلاحاً نووياً. لا نعرف ماذا يحدث وامكانة التوصل الى اتفاق نووي باتت تضيق والبرنامج النووي الايراني يتقدّم بسرعة كبيرة”.داعيا الى استنئاف التفتيش قبل فوات الأوان.
واعرب عبد اللهيان عن أمله في أن “يتحلى الطرف الأميركي بواقعية لتصل المفاوضات إلى محطتها الأخيرة”، مؤكداً أن بلاده “ملتزمة بتعهداتها وتطالب الأميركيين بالواقعي للتوصل إلى اتفاق جيد وقوي ومستدام
أما في ما يتعلّق باتصال عبد اللهيان بنظيره الكويتي الشيخ أحمد ناصر الصباح، والذي تناول أيضا وفق الخارجية الايرانية العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية منها قمة جدة والمفاوضات النووية. فقد رحّب الوزير الايراني بتفعيل اللجان التخصصية بين البلدين، وقال إن هذا :” مؤشر إيجابي على المسار الإيجابي للتعاون الثنائي” متمنيّا “زيادة الزيارات واللقاءات المتبادلة لتوفير الأرضية لتوسيع التعاون الثنائي” وقال إن “إيران تشد على أيدي أصدقائها وجيرانها”،
الايجابية التي تحدّث بها الوزير الايرانية لاقت صداها أيضا عن الشيخ أحمد ناصر الصباح الذي شدّد على “ضرورة توسيع العلاقات الثنائية أكثر من ذي قبل”مشيراً إلى أن القيادة الكويتية تسعى دوماً إلى تعزيز العلاقات مع إيران وتعيين سفير جديد يأتي في هذا السياق، و أن قادة المنطقة أكدوا خلال مؤتمر جدة على ضرورة وجود علاقات جيدة مع إيران” نافياً صحة التكهنات التي سبقت القمة بشأن “أهدافها المعادية لإيران”.
اما وزير خارجيةسلطنة عمان بدر البوسعيدي فقد أكد على ضرورة التوصل إلى اتفاق في المفاوضات النووية، وقال :”إننا نعتقد أن جميع الأطراف تريد التوصل لاتفاق نهائي وهناك فرصة ذهبية للوصول إلى اتفاق”. مشيرا الى استمرار السلطنة في دعم المفاوضات للتوصل الى هذا الاتفاق وكذلك تأييدها لما وصفها ب ” المطالب المشروعة لايران”.
يُشار الى ان هذه الأجواء الايجابية التي تم بثّها من قبل الخارجية الايرانية بعد اتصالات عبد اللهيان مع نظرائه الخليجيين، أعقبت مؤشرات تفاؤلية حول قرب استئناف العلاقات الدبلوماسية الايرانية السعودية. وزير الخارجية الإيراني كان قد أكد قبل يومين أن نظيره العراقي فؤاد حسين أبلغ طهران استعداد السعودية لإرسال وزير خارجيتها فيصل بن فرحان إلى بغداد لعقد لقاء ثنائي سعودي-إيراني. وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي زار في يونيو/حزيران طهران بعد الرياض في مسعى لإحياء المحادثات بين المملكة وخصمها الإقليمي. وتدور أنباء جدّية على الانتهاء من التجهيزات الأمنية واللوجستية لاعادة فتح السفارتين.
كل ما تقدّم يشير بوضوح الى ان جولة بايدن الى المنطقة لم تؤثر مُطلقا في مسار التقارب الايراني الخليجي، بل رُبما على العكس تماما عزّزت قناعة هذه الاطراف بالتقدم خطوات اضافية نحو رفع مستوى الحرارة ضمانا لمصالح الجميع وبحثا عن اخماد بؤر التوتر وتعزيز التعاون وسط عودة النظام العالمي الى شبح الحرب الباردة.
كذلك من المهم الاشارة الى ان إيران تسعى الى تحصين نفسها اقليميا عبر استعادة العلاقات مع دول الخليج وتعزيز التعاون مع تركيا، وذلك استباقا لاي مغامرة اسرائيلية بشأن برنامج إيران النووي، بحيث يسمح لها ذلك بتحييد الدول بما فيها تلك التي اقامت علاقات مع اسرائيل الراغبة باستخدام اراضيها أو اجوائها في أي عملية عسكرية ضد طهران. وكانت دول مجلس التعاون الخليجي قد حرصت على القول انها لا تنوي ابدا الانخراط في أي تحالف باسم ” الناتو الشرق أوسطي” أو غيرها ضد إيران، لا بل ذهب بعضها الى حد القول إنه لم يسمع أصلا بهذا الأمر ولم يبحثه.