آخر خبرمقال اليوم

     الحربُ جاهزة لكنها بحاجة لصفقة بعدها

التقرير الاستراتيجي الاسبوعي  

باريس-ميراي حدّاد:

ما عادت الحربُ مُستبعدة في الشرق الأوسط، فشروطُها مُكتملة عند كل الأطراف، لا بل قد يكون القرارُ بشأنها مُتّخذٌ من الجانب الإسرائيلي، لكن الذي ينقص لإشعالها هو شكل الصفقة أو التسوية التي يُمكن أن تحصل بعدَها، وهذا بالضبط ما يجري البحث عنه في اتجاهات مُختلفة، قبل أن تصلَ إيران الى قنبلة نووية، وقبل أن يُصبح حزب الله متربّعاً على مخزون عسكري استراتيجي كبير وثروة من الغاز أكبر.

هذا مُختصر رأي (أو على الأرجح معلومات) مسؤولٌ غربيٌ لعبَ أدواراً كبيرة سابقا على خطوط الشرق الأوسط المتقاطعة، وكان يُعلّق على ما تردّد مؤخرا عن ” ناتو شرق أوسطي”، وعن انفراجات مُحتملة في العودة الى التفاوض غير المُباشر بين طهران وواشنطن من جهة، وإعادة فتح سفارتي السعودية وإيراني بعد قطيعة مستمرة منذ العام 2016.

وخلافا لكل الأجواء التي توحي بالتفاؤل والانفراجات، فهو يبدو أكثر تشاؤما انطلاقا من أسئلة واقعية.

ينطلق المسؤول الغربي الذي التقيناه في باريس قبل أيام،  من سؤالين جوهريين؟ أولهما : هل مصلحة إيران الاستراتيجية تُفضّل فعلا انفراج المفاوضات النووية والحصول على الأموال ورفع العقوبات، أم تؤثرُ الوصول الى سلاح نووي يغيّر كل التوازنات في الشرق الأوسط؟ وثانيهُما: هل ستقبل إسرائيل فعلا ومعها دول أخرى في الشرق الأوسط والخليج بترسيخ قوة حزب الله عسكريا واقتصاديا وسياسيا مع مشارفة البحر الأبيض المتوسط على إغراء كل شركات العالم بمخزونه من الغاز فيصبح سيد القرار السياسي والعسكري والاقتصادي؟

في الرد على السؤال الأول، ورغم كل التأكيدات الإيرانية بأن لا رغبة بإنتاج قنبلة نووية تتعارض مع المبادئ الأخلاقية والدينية للثورة الإسلامية، فإن المسؤول الغربي، يؤكد أن ثمة جناحاً وازناً في إيران يفضّل الوصول الى هذا السلاح، على اعتبار أن ذلك يُشكّل حصناً عسكرياً منيعاً، ويفتح الأبواب لاحقا على مصراعيها لمفاوضات أكثر أهمية وأغزر مردودا مالياً وسياسياً واقتصادياً.

وأما السؤال الثاني فهو مُرتبطٌ جذرياً بالأول، ذلك أن حزب الله ليس جزيرة منعزلة عن إيران، وأنه مهما تقدّم الجانب الإيراني بتسويات على مستوى الإقليم أو مع الدول الغربية، فإن مسألة سلاح الحزب ستبقى، بالنسبة للحرس الثوري الإيراني والقيادة الإيرانية خصوصا السيد علي خامنئي، خارج الصفقات، وذلك لأن هذا السلاح هو عمادُ المحور الذي نجحت إيران ببنائه منذ سنوات والذي بات يشمل أطرافاً وازنة في 5 دول على الأقل وهي العراق وسوريا، واليمن، ولُبنان، وفلسطين.

 ولو أضيف الى ما تقدّم، الجانب العقائدي والديني، يُصبحُ الاتجاه نحو الحرب حتميّاً، مهما حاولت الأطراف القول بأن لا مصلحة لأحد بشنّها، وان حجم الدمار المتوقّع في حال اندلعت من جانبي الحدود سيتخطّى كل ما شهده التاريخ الحديث.  فتكاليف الحرب بالنسبة للحسابات الإسرائيلية مهما كانت قاسية وصعبة، تبقى أقل أهمية من وصول إيران الى قنبلة نووية وحزب الله الى مخزون استراتيجي عصيّ على التدمير.

ماذا لو وقعت الحرب؟

يفترض وقوع الحرب ثلاث نتائج: أولها أن يهزم أحد الأطراف الآخر، وهذا سيكون ثمنه باهظاً جدا لأن الهزيمة فيه مصيرية ووجودية، وثانيها أن تنتهي الحرب بلا رابح أو خاسر، وهذا سيكون مُهدّدا استراتيجيا لفكرة إسرائيل برمّتها، وثالثها أن يحصل تدخّل دولي وإقليمي كبيرين يضعان حدّا للقتال بعد تدمير واسع، ويبدأ التفاوض على صفقة.

الاحتمال الثالث حصل سابقا على نحو كبير، قبل كامب دافيد، وحصل أيضا بعد الاجتياح الإسرائيلي للُبنان، وحصل ثالثا على نحو أصغر في صفقات عقدها الجانبان الأميركي والسوري بعد غزو صدّام حسين للكويت، وكانت نتيجتها عودة سورية الى لُبنان بغطاء أميركي ودعم عربي.

ما هي الصفقة المُحتملة لو وقعت الحرب؟

لا أحد يستطيع اليوم أن يُعطي جواباً شافياً. ذلك أنه من الصعب توقّع نتائج تلك الحرب الضروس من الآن. لذلك تتعدّد اتجاهات البحث. فالبعض يقول إن فكرة ” الناتو الشرق أوسطي” هي في الأصل لمواجهة الاحتمال النووي الإيراني وتفرّعات المحور وخصوصا حزب الله، ذلك أن كل الدول التي يُمكن ان تنضوي تحت هذا الناتو هي بالأصل تعتبر الحزب ” إرهابيا”. والبعض الآخر يرى أن العودة الى ” الخيار السوري” مُمكنة حتى ولو تورّطت سوريا في جزء من تلك الحرب كما حصل في العام 1982 أثناء الاشتباك السوري الإسرائيلي فوق الأراضي اللبنانية. والبعض الثالث يتحدث عن توسيع وتعزيز قوات الفصل الدولية ومنع أي سلاح استراتيجي في عمق لُبناني يتخطى 40 كيلومتراً. والبعض الرابع لا يستبعد صفقة بلا حرب توسع قاعدة المشاركة الشيعية في حُكم لُبنان وفي مناصب حساسة في السلطتين السياسية والعسكرية وتسمع باستخراج الغاز، مقابل تخلي الحزب فقط عن مخزون الصواريخ الاستراتيجية. ذلك ان القبول الغربي بتوسيع المُشاركة الشيعية طُرح أكثر من مرّة في لُبنان، وهو حصل فعلا في العراق بعد الغزو الأميركي-البريطاني.

اللافت أن المسؤول الغربي الآنف الذكر، لا يستبعد أولوية الخيار السوري إذا ما تحقّقت المصالحة السعودية السورية وتسوية تركية سورية خصوصا ان قمة الجزائر المُقبلة ستُعيد على الأرجح سوريا الى مقعدها في جامعة الدول العربية، كما أن الامارات لن تتردّد في نقل رسائل على خط دمشق تل أبيب إذا مالت الأمور صوب استئناف المفاوضات. فسوريا، من منظور المسؤول نفسه، قادرة على ضبط أي تصدير للسلاح عبر الحدود، وهي مقبولة عربياً وبنسبة أكبر بكثير من الحزب في لُبنان.   

 السيناريوهات كثيرة، بعضُها واقعي، وبعضُها الاخر، كما نُلاحظ، خيالي، وقد تعطّل عددٌ من الخيارات بسبب الحرب الأوكرانية وتعديل الحسابات الروسية، ذلك ان الرئيس فلاديمير بوتين الذي كان يسعى للعب دور الوسيط بين دمشق وتل أبيب وتشجيع الدول العربية على الانفتاح أكثر على سورية، بات ينظر بعين الريبة الى إسرائيل بسبب جنوحها صوب أوكرانيا، وصار بحاجة وأكثر من أي وقت مضى الى جناحيه الإيراني والتركي في مواجهة الأطلسي أو على الأقل الضغط عليه.

وهنا سيكون السؤال المركزي المُقبل هو التالي: هل أن روسيا التي كانت ضمنيا تُمانع كما الدول الغربية أي اتجاه إيراني لإنتاج قُنبلة نووية، تستطيع أن تُشجّع الآن ذلك وتتجه أكثر لتعزيز تحالف إيران-صيني-روسي وتفيدُ من تعطّل البرنامج النووي؟

ليس الأمر واضحاً تماما بعد، لكن الأكيد ان المجابهة الأطلسية المُباشرة مع موسكو، وغير المباشرة مع الصين، تجعل إيران كما دول الخليج في وضع أفضل من السابق.

وما لم يتم التوقيع على الاتفاق النووي قبل الانتخابات التشريعية النصفية الأميركية بعد 5 أشهر، فلا شك أن عودة الجمهوريين المحتملة بقوة الى مجلس النواب، قد تُعيد غلق الباب النووي، وتفتح الشهية الإيرانية مُجدّدا على رفع مستوى التخصيب، وهو ما يعني حتماً رفع مستوى احتمالات الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي لا شك انها مشتعلة أصلا، ولكن بمعارك دقيقة بين الحروب … حتى الآن.

ما تقدّم يؤكد أمرين، أولهما ان خيار الحرب قائم، لكن ما بعد تلك الحرب ليس واضحاً، وهذا على الأرجح فقط ما يؤخر اندلاعَها.

      

 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button