آخر خبرافتتاحية

    تعدُّدية الدُروز مفيدة، فلماذا تبادُل التخوين؟

سامي كليب:

” التنوّع في الوحدة”، كان من العناوين البارزة التي كرّس قائد الحركة الوطن كمال جنبلاط قسما كبيرا من فكره الموسوعي لها، وهو رأى ان الديمقراطية الحقيقية تعني حرية الإنسان والمساواة الطبيعية بين البشر، وذلك من منطلق فهمه العميق لهذا الكون وقناعته المُطلقة بأن الناس متساوون بحكم الطبيعة، وبأن روح البشر خالدة ولا يُمكن بالتالي أن تخضع لسلطة بشرية.   

اليوم يمرّ الموحدون الدروز بتجربة، لم يألفوها في تاريخهم، فقد انتقل التنافس التاريخي العامودي بين عدد قليل جدا من العائلات الكُبرى ( قيسي-يمني، يزبكي-جنبلاطي..أرسلاني-جنبلاطي..الخ) ، الى تنافُسٍ عامودي وافقي انتخابي من نوع آخر، تمتزج فيه آراء ومشارب وتيارات وأحزاب وعائلات متنوّعة من الاقطاع التقليدي الى العائلات العادية الى الحَراك المدني الوليد، وهذا قد يحمل كثيرا من الإيجابيات لاحقا، ولعلّه يدخل تماما في جوهر ما أراده كمال جُنبلاط.

يتمايز الموحدون الدروز عن الكثير غيرهم، بذلك الفصل الطبيعي والنسبي بين الدين والمُجتمع، فقلّما يتدخل رجال الدين (المشايخ والأجاويد) في حياة الأفراد، وهو ما شكّل استعدادا طبيعيا للقبول بفكرة مدنيةِ الدولة، وما فتح أبوابا كثيرة لأفكار يسارية وليبرالية متنوّعة عبر تاريخهم الحديث. وقد لمس المؤرخ وعالم الاجتماعي الألماني تيودور هانف بدقّة هذه الخاصية، حين درس المُجتمع اللبناني لمدة 16 عاما ونشّر أحد أهم الكتب عن التركيبة السياسية والاجتماعية والمالية والطائفية في لبنان بعنوان ” لُبنان تعايش في زمن الحرب”، فأكد عبر إحصاءات دقيقة أن الدروز هم في طليعة من ينشد الدولة المدنية العَلمانية.

ما هي إيجابيات التنافس الحالي؟

  • هو أولا يدفع الأحزاب والعائلات التقليدية التي حكمت الدروز طويلا الى تجديد دمائها، فالقلق من فقدِ دورها أو إضعافه، يُشجّعها على تغيير أسلوبها ونهجها، ومخاطبة أجيال جديدة كفرت بكل ما هو قديم بسبب تدهور أوضاع البلاد، كما يحثّها على انتاج أفكار جديدة جاذبة، والعودة الى قلب المُجتمع والاقتراب أكثر من ناسه.
  • هو ثانيا يُعزّز الديمقراطية في مجتمع صغير، من خلال بروز شخصيات وأفكار وتيارات وأحزاب جديدة، ما قد يُشكّل نموذجا ممتازا لكامل الوطن، لو تمت إدارة هذا ” التنوّع” على نحو صحيح، بحيث يبقى تحت سقف وحدة الدروز والجبل، ولا يتحوّل الى سبب للصدام والفتن.
  • هو ثالثا، يُعيد طرح مشروعٍ وطني أوسع من المذهب أو الطائفة، خصوصا أن الكثير مما طرحه الذين انتفضوا في 17 تشرين 2019 في ساحات لُبنان من الشمال وبيروت الى الجنوب والبقاع والجبل، نجدُه في ” البرنامج المرحلي للحركة الوطنية” وأيضا في كتب كمال جنبلاط. فقد ثبُت أن تقوقع أي مذهب أو طائفة على نفسه تحت ذرائع الخوف، إنما يُضعف موقعه ويهمّش دوره. وهذا بالضبط ما جعل قائد الحركة الوطنية يطرح مشروعا وطنيا عربيا قبل اغتياله.

حاليا يبرز في التنافس: أولا   تيمور جنبلاط المقتنع ضمنيا بمشروع تجديدي شبابي رغم اضطراره في الوقت الراهن للبقاء في شيء من الاطار التقليدي خشية تضاعف حضور حزب الله وحلفائه على حساب المختارة كما يقول أهلها، وهو في جميع الأحوال سيحافظ على مقعده النيابي، وثانيا وئام وهّاب الذي  يُعتبر في الشوف الأكثر تهديدا في حال نجح في احتلال مقعد مروان حماده في المجلس أو لم يفز، ذلك أنه فرض نفسه كتيارٍ سياسي جديد في الجبل من خارج العائلات التقليدية، وثالثا طلال أرسلان الذي يعتبر أن اصطفافه الى جانب حزب الله وسوريا على مدى السنوات الماضية يسمح له بالطموح بأكثر من مقعد عادة ما يتركه له جنبلاط، ورابعا الحراك المدني الذي كان يُمكن أن يشكل رافعة حقيقية لتيار جديد، لولا انقسام وتآمر أهله على بعضهم، ومع ذلك فهو أسس لمشروع قد ينضج أكثر في السنوات المُقبلة لو اشتغل أكثر وأعمق على أفكارٍ نهضوية حقيقية.

لا شك أن رياح المنطقة ستفرض نفسها في السنوات المُقبلة على القوى اللبنانية، وقد يشعر أحد الأطراف أنه قادر على الإفادة مثلا من المفاوضات الإيرانية الأميركية والتقارب الإيراني السعودية وانتعاش الوضع السياسي في سورية لتقوية مواقعه الداخلية، لكن تجارب التاريخ علّمت اللُبنانيين أن المُراهنة على الخارج لم ولن تغيّر الكثير، فالرئيس الراحل حافظ الأسد مثلا كان داعماً للحركة الوطنية، ثم وقف ضدّها وأوقف كل مشروعها الذي كاد يسيطر على كامل لُبنان، وانطلق في ذلك من أمرين، أولهما قوله أنه يخشى أن يرتمي اليمين اللبناني المسيحي في أحضان إسرائيل، وثانيهما التفاهم الضمني الذي نسجه مع الولايات المتحدة الأميركية وتحديدا مع الرئيس نيكسون ووزير خارجيته كيسنجر.

كل مؤشرات الصفقات توحي هذه الفترة، بأن أي تسوية مُقبلة في لُبنان سوف تعتمد على مجموعة من الركائز، أبرزها أميركا وإيران والسعودية وفرنسا وربما سورية لاحقا، ما يعني أن كل الأطراف اللبنانية مضطرة للتخفيف من طموحاتها، ذلك أنه كما هو معلوم ففي السياسة، لا توجد مبادئ وانما مصالح.

بناء على ما تقدّم، ينبغي على المتنافسين بعد أن تهدأ همروجة الانتخابات، أن يعرفوا طريق العودة الى الحوار، وتوظيف هذه الحيوية المجتمعية والسياسية لصالح الجبل بكل طوائفه، ومن خلاله الوطن، وعدم الانزلاق الى فخاخ الفتن والتباغض من أجل مقعد نيابي أو منصب زائل، خصوصا أن ثمة أطرافاً داخلية وخارجية ترغب في دق أسافين كثيرة في جسد الجبل.

ولذلك وبدلاً من تبادل التخوين العلني أو الضمني بين المتنافسين، ربما من الأفضل العودة الى الواقعية، والإفادة من كل هذه الحيوية والتنوّع في مجتمع الموحّدين الدروز، وهذا يتطلب قبل كل شيء، التخفيف من دور الرؤوس الحامية والفارغة عند كل الأطراف والتي ” تناضل” بسطحية تحت شعار كسر الطرف الآخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button