المقص الجيني،هل يخلّصنا من السرطانات والألزهايمر والأيدز ؟

روزيت الفار- عمّان
اسمها :تقنيّة المقص الجيني “كريسبر كاس 9” CRISPR CAS9، وهي تُحدث ثورة هائلة في مجالات الطب الانساني
- فهل حقّاً أصبحنا بعيدين قيد أنملة عن إيجاد علاج شاف لمرضى الزهايمر وتبعاته وبعض أنواع السّرطانات وأمراض نقص المناعة (الإيدز) والكثير من الأمراض الجينيّة الّتي عجز الطّب عن علاجها؟
- وهل أصبحنا بفضل تقنيّة هندسة الوراثة الحديثة أجساماً غير مرئيّة لبعوض الإيديس المصريّة الّتي تشلّ وتقتل الآلاف من سكّان أفريقيا والبرازيل سنويّاً؟
- وهل اقتربنا بفضل تلك التّقنيّة من “تصميم أطفالنا حسب الطّلب”؟
- وكيف ساعدت هذه التّقنيّة العلماء زمن جائحة كوفيد 19؟
تخبرنا الإكتشافات الحديثة أنّه حقّاً بات باستطاعتنا تحقيق كل ذلك وأكثر عبر ما يُسمّى بنظام المقص الجيني كاسبر كاس 9.
فما هو هذا الابتكار ومن كان خلفه وكيف يعمل؟
في حديث مصوّر لها على قناة يوتيوب؛ قالت جينيفر دودنا الأمريكيّة الحاصلة على جائزة نوبل للكيمياء مناصفة مع زميلتها إمانويل شاربنتيير الفرنسيّة عام 2020 لتطويرهما هذا النّظام. قالت بأنّها وزميلتها قامتا باختراع تقنيّة للتّعديل الوراثي تتيح للعلماء إجراء تغييرات على الحمض النّووي DNA في الخلايا بما يعطي الفرصة لمعالجة الكثير من الأمراض الجينيّة (الوراثيّة) وكان ذلك من خلال مشروع بحثي يهدف أساساً لاكتشاف كيفيّة محاربة البكتيريا للالتهابات الفيروسيّة علماً بأنّه يتوجّب على البكتيريا محاربة الفيروسات في بيئتها ولديها وقت قصير جداً لأن تحاربها وتبطل مفعولها قبل تغلغل هذه الأخيرة وتنتشر في الجسم المضيف؛ الأمر الّذي يضاعف من صعوبة نجاح وظيفتها.
هناك نظام مناعة تكيّفي في خلايا عدد كبير من أنواع البكتيريا يدعى “كريسبر” CRISPR يساعد في رصد الحمض النّووي المصاب بالفيروسات وتدميره أو اقتطاعه (قصّه) أو تنقيحه أو حتّى استبداله؛ مستخدماً أحد مكوّناته وهو البروتين “كاس 9″ الّذي يعمل تماماً كالمقص. من هنا بات بالإمكان فهم نشاط هذا البروتين والاستفادة منه في الهندسة الجينيّة بدقّة متناهية وبسرعة وبتكلفة قليلة. وهذه جميعها أمور لم تكن متاحة بالماضي.
وقالت بأنّ استخدامه بدأ في تغيير الحمض النّووي بالفئران والقرود وأثبت الصّينيّون أنّه بالإمكان استخدامه لتغيير جينات الأجنّة البشريّة؛ وأصبح الإنسان بذلك قادراً على تصميم أطفاله قبل ولادتهم. وبيّن علماء بجامعة فيلادلفيا أنّه يمكن استخدامه في إزالة الحمض النّووي الخاص بفيروس نقص المناعة “الإيدز” من الخلايا البشريّة المصابة.
يسمح هذا النّظام للخلايا بأن تُحدِث تغييراً دقيقاً في موضع القطع (القصّ) وترميمها تلقائيّاً أو القيام بإصلاح القسم المُقتطع وإعادته ثمَّ إلصاق طرفي الشّريط النّووي الّذي تمّ استئصال ذلك الجزء منه؛ أو يمكنها إصلاح القطع عن طريق إدخال أو حقن قطعة جديدة من الحمض النّووي مكان القطع، وبتحفيز الخلايا لتثبيته بذلك المكان.
وبتقرير مُثير نشره موقع “نيويورك تايمز” بتاريخ 17-8-2021 بعنوان: ماذا لو أصبحت غير مرئيٍّ تماماً لدى بعوضة الإيديس المصريّة Aedis Egypti؟ جاء ما خلاصته أنّ تلك البعوضة السّامة القاتلة المنتشرة في دول إفريقيا والبرازيل -والّتي تتسبب سنويّاً بإصابة 400 مليون شخص ووفاة 20 ألفاً منهم- بفيروس الزّيكا وفيروس ال دينغي Zika and Dengue fever اللّذان يتسبّبان بإحداث حمّى وآلام شديدين ثمَّ الوفاة. أشار التّقرير أنّه ومن خلال هذه التّقنيّة؛ تصبح عمليّة جعل البشر غير مرئيين وبشكل فعّال لدى تلك الحشرة الّتي تستخدم إشارات نظر سوداء لإيجاد فريستها. وبتعطيل أو إلغاء إثنين من مستقبلات الاستشعار الضّوئي لديها تنعدم مقدرتها على رؤية الحاضن المُضيف (الإنسان) والّذي باختراق بَشَرته، تستطيع الوصول إلى دمه ووضع بيوضها فيه حيث تتكاثر وتنتشر محدثة ما تحدثه من تلف وتدمير وإيقاف لنشاط خلاياه وموتها وبعد ذلك لجميع خلايا الجسم الأخرى.
أصبح الأمل مع توفّر هذه التّقنيّة كبيراً لمرضى الزهايمر وتبعاته والّذي يطال 44 مليون شخص سنويّاً وسيصل لثلاثة أضعافه عام 2050، والّذي يفقد مرضاه قدرة التّذكّر للأحداث القريبة ويشلّ وظيفة الدّماغ من وعي وإدراك فيصبح المريض عاجزاً عن أخذ أيِّ قرار بنفسه أو تحديد اتّجاهات سيره، خصوصاً إن كان سبب المرض جينيّا ليس للبيئة أو نمط الحياة تأثير فيه. ومن الجدير ذكره أنّه تمّ نجاح هذه التّجربة على الفئران حيث تم إتلاف الجينات المسبّبة للمرض على يد أوّل من استخدم هذا النّموذج الطّبيب مارتن إنجلسون.
كما وساعدت هذه التّقنيّة كثيراً في الإسراع بإيجاد أدوية جديدة أو تطوير القديم منها لأمراض فيروسيّة أخرى كان آخرها كوفيد 19.
هي بالفعل ثورة بعالم الطّب البشري والحيواني والزّراعة والغذاء، فلم تعد بعض العلاجات أحلاماً وتوقّعات، بل واقعاً جعلتنا التّكنولوجيا الحديثة نعيشه ونلمسه.
يبقى أن نقول بأنّ التّعامل معها يجب أن يحاط بأخلاق المهنة والحذر الشّديدين نظراً لحساسيّتها ودقّتها في التّأثير على مستقبل البشريّة كلها.