ثقافة ومنوعات

كيف نتخلّص من التفكير السلبي، فتُصبح حياتُنا أجمل؟

كيف نتخلّص من التفكير السلبي، فتُصبح حياتُنا أجمل؟

روزيت الفار-عمّان

هل تأخَّرت عزيزي القاريء يوماً في العودة إلى البيت وظنّ أهلك بأنّ سبب ذلك هو تعرّضك لحادثٍ ما؟ 

هل توقّف الحبيب عن مراسلتك لفترة واعتقدت بأنَّ ذلك مؤشّر على إنهاء العلاقة بينكما، أو فتورها؟

هل امتنع مديرُك يومًا عن الاجابة على تحيّتك، وتوقّعت أن يكون ذلك نتيجة وشاية أحد الزّملاء؟

كلُّ ذلك وسواه يُوضحه التّحيّز السّلبي المرتبط بالغموض أو بنقص المعلومات؛ وهو ما يأخذنا عادة إلى حالة عدم اليقين الّتي تحكم تفكيرنا وتجعلنا نميل لتفسير الغيب بشكل سلبي. 

التـّحيّز السّلبي وتأثير الغموض  Negativity Bias and Ambiguity Effect

صاحب هذه التّسمية هو Roy Baumeister، استاذ علم النّفس الاجتماعي بجامعة فلوريدا، الّتي شرحها بالتفصيل في كتابه The Power of Bad قوّة السّيّء. وهو عرّفها بأنَّها محاولة حلِّ المعلومات الغامضة بطريقة سلبيّة باستمرار. إذ غالباً ما تحظى المحفّزات السّلبيّة بردِّ فعل سلوكي غير عادي عند معظم النّاس باعتبارها تهديداً غير مرئيّ يتربّص بسلامتهم.

“إنّ ميلنا للانتباه للأمور السّلبيّة أكثر من الإيجابيّة يعطينا صورة مشوّهة عن العالم”. فكيف يحكمنا التّأثير السّلبي وكيف نحكمه؟

مع اختلاف الآراء حول تحديد بداية هذا السّلوك لدى الإنسان، إلّا أنّ ثمّة إجماعًا حول اعتبار الأشهر الأولى من حياة الرّضّع زمناً لذلك ويستمرّ معهم حتّى النّهاية. ويعتبره علماء النّفس منحىً يأخذه الدّماغ في تنفيذه لأهمِّ وظائِفه؛ ألا وهي تأمين السّلامة والحفاظ على البقاء.

أسباب الحالة عديدة منها:

  1. نظريّة التّطوّر. حيث كان أسلافنا يعيشون حالة تأهّب قصوى تحسّباً لوقوع مخاطر تهدّد أمنهم وحياتهم. فكان الّذين يركّزون انتباههم على الأخطار والتّهديدات هم الأكثر احتماليّة على البقاء وتسليم جيناتهم الّتي تجعلهم كذلك؛ إلى الأجيال الّتي تلتهم.
  2. تأثير الغموض Ambiguity Effect وهو حالة تحيّز معرفي يصف كيف نميل إلى تجنّب الخيارات الغامضة الّتي تفتقر إلى معلومات فنحن بطبيعتنا البشريّة لا نحبّ عدم اليقين وبالتّالي نميل أكثر للخيار الّذي فيه احتمال تحقيق نتيجة إيجابيّة.
  3. استجابة الدّماغ. حيث أظهرت الأدلّة العلميّة أنّ هناك معالجة عصبيّة أكبر في الدّماغ للمحفّزات السّلبيّة من تلك الإيجابيّة. سُجّلت زيادة ملحوظة في مستوى النّشاط الكهربائي في القشرة الدّماغيّة -وهي الجزء المسؤول عن معالجة المعلومات المهمّة في الدّماغ- حين تمّ تعريض الأشخاص لمواقف وأحداث غامضة.
  4. التّجارب السّابقة. فحين يكون الشّخص قد مرّ بتجربة كانت نتيجتها سيّئة؛ فهو يفترض أنّ أيّ تكرار لتلك التّجربة يجب أن يحمل ذات النّتيجة. فمثلاً كان تأخّرك عن البيت بأحد المرّات نتيجة وقوع حادث، فأيّ تأخير مماثل سوف يُفسّر بالطّريقة ذاتها.
  5. أحد التّفسيرات الفلسفيّة الّتي تقول بأنّ الإنسان خُلق شرّيراً بشعاً وهمجيّاً –ما جاء به توماس هوبز– فهو بطبعه يميل لربط كلّ ما لا يعرفه بالشّر. غير أن جان جاك روسوعارضه الرّأي إذ رأى الإنسان خيّراً وبأنّ انعدام العدل والجشع والظّلم وسيادة الفساد هي ما جعله سيّئاً. أمّا فرويد فوصفه حين ولادته بالصّفحة البيضاء وبأنّ أساليب التّنشأة والبيئة والمحيط هي ما شكّل ما هو عليه من خير أو شر.
  6. بعض الاضطّرابات النّفسيّة كالقلق والاكتئاب. إذ ثبت علميّاً بأنّ مَن يعانون من تلك الحالات هم أكثر عرضة لهذا السّلوك وبأنّه أحد شروط حدوثها. وعلى الطّرف الآخر؛ هناك من يرى بأنّه يكوّن أحد نتائجها فالمبالغة بالتّهيّؤات السّلبيّة لا بدَّ أن تنعكس على صحّة صاحبها بشقّيها؛ النّفسيّ والجسدي.
  7. انتقال الأمور السّلبيّة وتخزينها في الذّاكرة طويلة الأمد في الدّماغ؛ أسرع ممّا هي عليه في الأحداث الإيجابيّة.

أمّا تداعيات الحالة، فبالإضافة لتأثيرها السّلبي المباشر على صحّة الشّخص، فإنّ الذّهاب بعيداً فيها؛ يؤثّر على مجمل سلوكيّاته وعلاقاته الاجتماعيّة وإنجازاته وأدائه في العمل وعلى نوعيّة قراراته وعلى جميع مظاهر حياته.

فكيف يمكننا التّصدّي للحالة ومعالجتها؟

  1. إيقاف أو تجنّب الإفراط بالتّفكير بالأمور الّتي لا يمكن السّيطرة عليها قدر المستطاع.
  2. تحمّل المخاطر والمشاركة في التّحدّيات وتخيّل الأحداث مسبقاً والاستعداد لها.
  3. تصوّر الموقف بشكل مختلف. فحين تعتقد بأنّ الموقف معقّد جداً ولا يمكنك التّعامل معه، حاول تغيير الطّريقة الّتي تنظر بها إليه، ولا تدع الموقف يوجّه تصرّفاتك.
  4. تعزيز التّجارب الإيجابيّة؛ يمنحها قوّة إضافيّة ويعطيها تأثيراً أكبر ويساعد على تطوير قدرتك على التّحكّم بجميع السّيناريوهات والأوهام السّلبيّة.
  5. استخلاص القوّة من التّجارب السّلبيّة. أشارت شيلي تيلور، المؤلِّفة لعدّة كتب واستاذة علم النّفس بجامعة هارفرد ثمّ كاليفورنيا، في أحد أبحاثها عن مرضى سرطان الثّدي؛ بأنّ معظمهن انتهى بهنَّ الأمر للحديث عن تجربتهن باعتبارها إيجابيّة ورأين فيها فرصة لتقدير الحياة والتّركيز على الواقع وإدارة القلق والتّوتّر والقيام بإجراءات إيجابيّة في حياتهن. فكانت تلك أحدى طرق إعادة التّفكير فيما يمكنك تعلّمه من تجربة سيّئة وليس جعلها تسيطر عليك وتعيقك.
  6. محاولة عيش الأحداث بصورة أكثر إيجابيّة؛ وهذا لا يعني تجاهل الأخطار المحتملة بل إعطاء نفس الوزن والاعتبار للأحداث الإيجابيّة ومزيداً من الوقت والتّفكير بما تسبّبه من مشاعر جميلة والاستمرار بتذكّر هذه المشاعر؛ فهذا يسهّل انتقالها وحفظها بالذّاكرة لمدّة أطول.

بالنّهاية؛ نحن نركّز فقط على ما يحدث بشكله الخاطئ في الوقت الحاضر ونتوقّع بأنّه سيستمرّ معنا في المستقبل. يصيبنا الإحباط ونفقد الأمل ونستنتج بأنّ الأمور ستبقى هكذا ولن تتغيّر. الحقيقة ليست كذلك. تفاءلوا بالخير تجدوه.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button