الجزائر-نوال المنصوري
ليست الجزائر دولةٌ طارئة على القضايا العربية وليست متطفّلة على ما بقي من صراع عربي إسرائيلي، فهي في جوهرهما وهي السند والظهير الذي لم يتغيّر رغم كل العواصف. وقفت بلاد أحمد بن بلا وهواري بومدين والشاذلي بن جديد وكل من أعقبهم حتى الرئيس الحالي عبد المجيد تبّون، وما تزال خلف القضية الفلسطينية حكومة وجيشا وشعباً، ورفضت التدخلات الدولية في الدول العربية ، وهي ما زالت تربط أي سلام مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية والانسحاب من الجولان. لكن مُجرّد طرح كل هذه القضايا مع اصلاح جامعة الدول العربية وعلى خلفية قطع العلاقات مع جارتها المملكة المغربية، يطرح مليون سؤال حول صفيح الجمر الذي ستقف فوقه القمة العربية في الجزائر في آذار/مارس المقبل، بعد تأجيلها لعامين بسبب جائحة كوفيد 19 (كورونا).
في تاريخ الوقوف الجزائري الى جانب الشقيق العربي، جاء الجيش الجزائري يقاتل مع الجيوش العربية ضد اسرائيل في العام 1973، والجزائر هي التي فتحت الأبواب للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لإلقاء كلمته من على منصة الأمم المتحدة عام 1974 حين كان وزير خارجيتها الراحل عبد العزيز بوتفليقة آنذاك رئيسا للجمعية العمومية للمنظمة الدولية، وهي التي استضافت أول مجلس وطني فلسطيني بعد خروج المقاتلين القيادة الفلسطينية من لبنان في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وهي التي دعمت المنظمات الفلسطينية وأعطت الكثير من المنح التعليمية للطلاب الفلسطينيين، وقد ساهمت إدارة الرئيس الراحل هوّاري بومدين ( الذي كان يقول إننا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة)، في عشرات الوساطات العربية الدولية لصالح القضية الفلسطينية وهي التي أنقذت بجهود بوتفليقة نفسه وزراء أوبك حين سعى كارلوس لخطفهم.
وما زالت الجزائر حتى يومنا هذا على عهدها، حتى لا يكاد يخلو احتفال أو تظاهرة أو مباراة رياضية دون رفع الجزائريين علم فلسطين، لا بل أنهم وقفوا يصفقون لفريق فلسطين حين لعب على أرضهم وضد فريق بلادهم.
ويذكر الافارقة جميعا والعالم بأسره كيف وقفت الجزائر خلف طرد نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا من الأمم المتحدة حين ترأست الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ماذا الآن؟
تسير الآن حافلاتٌ كثيرة من القطار الرسمي العربي على سكة التطبيع مع إسرائيل. هذا الأمر سيكون مُحرجا أمام القمة العربية في الجزائر. خصوصا ان القطار يحاول تهميش كل من لا يركب به.
دعونا إذا نرى أبرز فخاخ قمة الجزائر:
أولا: الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون قال صراحة قبل فترة إن القمّة ” ستجدّد الالتزام الجماعي العربي تجاه القضية الفلسطينية، وتؤكد التزام جميع الدول بمبادرة السلام العربية، التي أطلقها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز عام 2002 في قمة بيروت، وتهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل السلام مع إسرائيل”.
لنترك جانبا بنود المبادرة العربية التي تحدثت عن ” الاعتزاز بالمقاومة اللبنانية” أو ” الوقوف بإجلال وإكبار أمام شهداء الانتفاض الفلسطينية البواسل، وتأكيد الدعم الثابت للشعب الفلسطيني بمختلف الأشكال تأييداً لنضاله البطولي المشروع“، ولنتوقّف فقط عند بند واحد في قمة بيروت يقول :” يؤكد القادة في ضوء انتكاسة عملية السلام، التزامهم بالتوقف عن إقامة أية علاقات مع إسرائيل، وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل، حتى تستجيب لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ومرجعية مؤتمر مدريد للسلام، والانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة حتى خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967″
هل يُمكن تجديد الالتزام بهذا البند مثلا في المبادرة العربية؟ كيف وقد اقامت دول عربية علاقات مع إسرائيل دون تحقيق أي من الأهداف التي أعلنتها قمة المبادرة السعودية في بيروت عام 2002.
ثانيا: بعد قطع العلاقات الجزائرية المغربية وفتح الامارات قنصلية لها في منطقة العيون ودعمها ل ” وحدة التراب المغربي” أي لاعتبار الصحراء جزءا من المغرب، كيف سيتم تخطّي مثل هاتين العقبتين الكأداءين قبل القمة لكي يأتي ملوك وأمراء ورؤساء ولا يقاطعون ولا يرسلون تمثيلا ضعيفا يُضعف القمة؟ فالجزائر كانت وما زالت تدعم جبهة بوليساريو المطالبة باستقلال الصحراء.
ثالثا: بعد الهجوم الحاد الذي شنّه السفير السعودي في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي ضد القيادة السورية قائلا:” لا تصدقوهم إن وقف زعيمهم فوق هرم من جماجم الأبرياء مدعياً النصر العظيم، فكيف يمكن لنصر أن يُعلن بين أشلاء الأبرياء وأنقاض المساكن.. وأي نصر هذا الذي يكون لقائد على رفاة شعبه ومواطنيه؟”، كيف ستنجح الجزائر في طرح إعادة سورية الى مقعدها في جامعة الدول العربية دون اعتراض عدد من دول كبيرة وبينها السعودية؟
رابعا: بعد تسريب معلومات تقول ان جامعة الدول العربية اعتمدت خريطة للدول العربية أدمجت فيها الصحراء بالمملكة المغربية، وهو ما اعتبرته الجزائر تضليلا متعمّدا من قبل جارتها المغربية، هل بدأ مسلسل التسريبات التي يراد له نسف القمة قبل انعقادها، او دفع الجزائر الى الغائها.
خامسا: قضية اصلاح جامعة الدول العربية التي طرحها الرئيس تبّون، هل يُمكن أن يحصل اتفاق بشأنها مثلا من على أرض الجزائر وسط الانقسامات العربية الحادة اليوم؟
الواقع ان الجزائر تتوقّع كل هذا، فوزير خارجيتها رمطان لعمامرة قال صراحة في حديث لصحيفة القدس العربي: ” هناك من يعمل على تقويض القمة القادمة. فإن فشلوا سيعملون على أن يكون التمثيل هزيلا. لم يعد هناك أقنعة. الكل عاد إلى معسكره الذي يعمل من خلاله. ولكننا سنعمل على جمع العرب حول قواسم مشتركة نتفق عليها” مضيفا:” إن علاقة المغرب بإسرائيل، وأثر ذلك على قضية الصحراء وعلاقة إسرائيل بالقضية الفلسطينية في ظل التطبيع العربي، سترسم معالم العالم العربي الجديد. ولو تمت محاصرة الجزائر وزعزعة أمنها الداخلي سيكون المطبّعون والواقفون على المحطة بانتظار قطار التطبيع سعداء بإزاحة عقبة الجزائر التي ترفض التطبيع بشكل مبدئي”
لا بل ان الوزير ذهب أبعد من ذلك بقوله:”
من هنا نرى أن الأمور دقيقة جدا. وخلافا لما حدث عام 1975، الذي كان يستهدف النظام، الآن يستهدفون الجزائر كأمة، كوحدة وطنية وسيادة واستقلال وطني ووحدة ترابية. الآن الأمور أخطر. نحن نشعر أن حربا شاملة تشن ضدنا. وكل ما أخذناه من خطوات عبارة عن إجراءات دفاعية للحفاظ على أمن وطننا”.
مشهدُ القمة إذا قبل أقل من ثلاثة أشهر على انعقادها يبدو مُقلقا، خصوصا أن إسرائيل ودولا غربية تحاول زعزعة ركائزها من الآن، وأن قطع العلاقات المغربية الجزائرية تعكس آثارا سلبية.
سيكون نجاح القمة بالتالي مرهونا بالأمور التالية:
خلاصة القول:
بانتظار انعقاد القمة، وعلى أمل رأب الصدع مع الجارة المغربية، يقول مسؤول جزائري لموقع ” لعبة الأمم”: ” يكفينا فخراً يا أخي أننا ما زلنا على المستويين الرسمي والشعبي نرفع لواء قضايا يتناساها العرب ويضغط العالم علينا كي نهجرها من القضية الفلسطينية الى كل قضية عربية أخرى مُحقّة، ومن سيحارب القمّة باتت أهدافه معروفة”.
لو نجحت الجزائر في عقد قمّتها وطرح ما تريده، فهي ستعيد استنهاض مشروع عربي خبا وهجه وتستعيد وهجها العربي خصوصا بعد فوز فريقها لكرة القدم ببطولة آسيا وما أثاره من حماسة لدى شعوب عربية كثيرة ( مقابل شعوب عربية أخرى ناصرت فرقا رياضية عربية ثانية)، ولو فشلت فهذا يعني صراحة أن القطار أقوى من كل الواقفين في وجهه، وان الوضع الداخلي الجزائري سيبقى مفتوحا على كل الاحتمالات، فبقدر ما تعمل الجزائر لإنجاح قمتها، بقدر ما يجري عملٌ حثيث في الظل لإفشالها.
مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…
Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…
ترجمة عن صحيفة هآرتس لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…
ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…
Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…
Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…