آخر خبرافتتاحية

الحريري الى الواجهة والمواجهة قريبا؟  

سامي كليب 

          بعد صمتٍ متعمّد منذ فشل التأليف الحكومي، عاد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الى واجهة الأحداث بعدد من التغريدات والبيانات الصادرة عنه مباشرة أوعن تيار المستقبل، أبرزها تلك المتعلّقة بأحداث الطيّونة وقضية الوزير جورج قرداحي . وهو يعيد بهذه المواقف تموضعه في المحور المناهض لحزب الله وإيران، وذلك فيما بدأ تياره الاستعداد بصمت وبعيدا عن الأضواء للحملة الانتخابية، على أمل فتح أبواب السعودية التي ما زالت موصدة تماما.

ففي تغريدة حول الطيونة قال الحريري :” ان تبليغ الدكتور سمير جعجع لصقاً للمثول امام مديرية المخابرات، يقع ايضاً في خانة العبثية ويستدعي البلاد الى مزيد من الانقسام وتوظيف ادارات الدولة في خدمة سياسات الانتقام” وفي موقف لتياره حيال قضية الوزير جورج قرداحي قال :” إن حزب الله يعطي نفسه حقوقا في تعطيل مجلس الوزراء وتعليق اجتماعاته والتلويح بمئة ألف مقاتل لخدمة الأجندة الإيرانية، ويستكثر على بعض اللبنانيين الدعوة إلى استقالة وزير استعان بمواهبه الإعلامية لتعريض علاقات لبنان بـأشقائه العرب لأشد المخاطر” معتبرا أيضا أن حزب الله :” خرج على الأصول وتعدّى على مقام رئاسة الحكومة” .

وفيما كان رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع والمقرّبون منه قد انتقدوا في الكواليس عدم مسارعة الحريري للتضامن، وكتبت الوزيرة السابقة مي شدياق تغريدة تنتقد ثم سحبتها بتمنٍ من وزير الاعلام السابق ملحم رياشي، حصل تواصل بين الحريري وجعجع، حيث شكره رئيس القوات، وأثنى على موقفه الذي تزامن أيضا مع موقف مماثل من رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط.

ماذا سيفعل الحريري؟

الأكيد أولا أنه لم يتعرض لأي مرض ولا خضع لعملية جراحية ( وثمة من في التيار يعتبر ان هذه شائعة أطلقها مقرّبون من بهاء الحريري)، والأكيد ثانيا أنه عائد الى لبنان في الثلث الأول من الشهر المقبل، وذلك بعد أن أمضى الجزء الكبير من وقته في الامارات في ترتيب أوضاعه المالية ومشاريع تدعمه فيها أبو ظبي والقاهرة، وذلك بغية توفير ما تتطلبه الحملة الانتخابية المقبلة التي تحتاج جهودا مالية واقتصادية واجتماعية وصحّية كبيرة لجمهور التيّار الذي كاد يضيع بسبب ضبابية المرحلة السابقة وغضب الرياض.

الانكفاء السياسي والصمت عن الكلام، كانا متعمّدين طيلة الشهور الثلاثة الماضية أولا لتجنّب أي كلام سياسي من على منصّة الأمارات قد يُفهم خطأ في السعودية أو لبنان، ثانيا لتركيز الاهتمام فقط على الجوانب الاقتصادية له ولتياره، وثالثا بغية تعزيز مساعي إعادة فتح الأبواب مع السعودية، وكانت آخر المحاولات تلك التي قام بها الرئيسان الفرنسي ايمانويل ماكرون من بغداد ثم المصري عبد الفتّاح السياسي مؤخراً، لكن المحاولتين لم تثمرا أي حلحلة في موقف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

أما الآن ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية اللبنانية، واستعار نارها باكرا، فان الحريري يستعد للعودة وخوضها، حتى ولو أن طموحاته ليست كبيرة، وهو اذ يسعى طبعا للحفاظ على كتلته الوازنة الا أنه مُدركٌ للتحولات الحاصلة على الساحة الداخلية ولنقمة المجتمع المدني على معظم الأحزاب، ولاستحالة بعض التحالف، ولا يستبعد بالتالي  خسارة عدد من المقاعد في البرلمان المقبل.

في هذا السياق، بدأ تيّار المستقبل التحضير للمرحلة القريبة المقبلة، فعقد خلوة وسلسلة من اللقاءات بالتشاور مع الرئيس الحريري ومن خلال المساعي الناشطة التي يقوم بها أمينه العام أحمد الحريري بعيدا عن الأضواء، وتبنى ورقة سياسية متكاملة تنتظر موافقة القيادة الرسمية.

يبدو مما رشح حتى الآن أن تيار المستقبل يستبعد تماما أي تحالف مع حزب الله حتى في بعض الأماكن التي يحتاجها، وذلك لأن أي تحالف من هذا النوع سيوصد نهائيا أبواب السعودية التي تبقى بالنسبة للتيار وباعتراف قادته  الباب الحاسم لمستقبل التيار والحريري حتى لو فُتحت أبواب أخرى.

كذلك ثمة رفض، على الأقل حتى الآن، لأي تحالف مع القوات اللبنانية، بينما مع الحزب التقدمي الاشتراكي الرغبة بالتحالف موجودة، الاّ اذا تبيّن لاحقا أن جنبلاط عقد تحالفات سرّية مع التيار الوطني الحرّ في الجبل، ما يعني الذهاب الى منافسة شديدة بين تيار المستقبل والحزب الاشتراكي في مناطق أساسية وبينها مثلا إقليم الخروب.

بالمقابل فان تيار المستقبل يعزز الاتجاه لتحالفات سنيّة مهمة بالنسبة له، منها مثلا مع الرئيس نجيب ميقاتي شمالا ( الا اذا قرّر ميقاتي عدم خوضها وهذا يستبعده كثيرون) وقيادات أخرى وازنة في الشمال ، ومع الوزير السابق عبد الرحيم مراد في البقاع الغربي، وثمة مساع حثيثة تبذلها السيدة بهية الحريري في الجنوب مع د.اسامة سعد الذي قد يجد نفسه بلا 3 آلاف صوت شيعي لو استمر التباين بينه وبين حزب الله منذ قرّر انتهاج موقف سياسي مغاير ومساند لانتفاضة 19 تشرين 2019 حتى اليوم. فتيار المستقبل يرى في ما يفعله أسامة سعد تحوّلا جديا ولافتا ينبغي أخذه بعين الاعتبار ومن الصعب ان يتراجع عنه قبيل الانتخابات، ولعلّ سعد يفضل عدم الترشّح على التراجع الذي سيفقده مصداقية وشعبية ارتفعتا جدا في صفوف المجتمعات المدنية على امتداد الوطن.

  الحريري عائد إذاً قريبا، وكل ما يقال عن ابتعاده عن السياسة وعدم ترشّحه ليس واقعيا، لكنه في عودته هذه سيرفع الصوت ضد حزب الله والمحور الذي تقوده إيران :” مع الحرص على عدم الوقوع في أي فخاخ أمنية أو اشتباكات لأن هذا خطٌ أحمر عند التيار ورئيسه” وفق ما يقول أحد مسؤولي التيّار.

في حسابات تيار المستقبل أن الثنائي الشيعي، حتى ولو أنه قادر على الحفاظ على غالبية مقاعده الحالية، الاّ أنه لن يكون قادرا على تأمين تحالف الغالبية داخل البرلمان لأن ثمة تغييرات منتظرة عند حلفائه في المرحلة المقبلة، ولأن ما بعد ترسيم الحدود قد لا يكون كما قبله حتى مع موافقة الحزب على الترسيم، ولعل الدليل الفاقع على ذلك أن أبرز حلفائه المسيحيين أي رئيس التيار الوطني جبران باسيل أصيب أمس بنكسة أميركية أخرى عبر موجة العقوبات الجديدة ( التي طالت داني خوري الذي يقال انه قريب منه وهو ينفي )  رغم ان الأجواء التي رافقت زيارة المبعوث الأميركي الى بيروت والمكلّف الترسيم، كانت تشي باحتمال رفع العقوبات عن باسيل مكافأة له وللرئيس ميشال عون على تسهيل هذا الترسيم. ( ولا بد من طرح السؤال هنا أيضا عن العقوبات على رجل الأعمال جهاد العرب القريب من تيار المستقبل والذي أخوه هو احد مسؤولي الامن في بيت الوسط).

خلاصة القول إننا قد نشهد عودة للحريري أكثر وضوحا في المواجهة السياسية والخطابية لحزب الله وإيران، خصوصا أذا ما شعر أن مواقفه الأخيرة قد لاقت استحسانا عند الرياض، فهذه الانتخابات ستكون معركة فاصلة في حياته السياسية وفي مستقبل تيّاره حتى ولو فقد بعض المقاعد. ولعلّ إعادة فتحه الأبواب مع القوات اللبنانية يُراد لها أيضا أن تلقى ترحيبا عند الأمير محمد بن سلمان. فمن يدري، قد تجد السعودية اليوم أن إعادة رص صفوف حلفائها في لبنان حول جعجع الذي بات الحليف الأبرز والأشرس ضد الحزب، فرصة ممتازة لرفع مستوى الضغط على الحزب داخليا وعلى موقفه أيضا حيال اليمن، خصوصا بعدما تبيّن أن له اليد الطولى في اقناع أنصار الله الحوثيين بعدم التفاوض قبل السيطرة الكاملة على مآرب. فالمُلاحظ أن ثمة محاولات اميركية وعربية لاضعاف خصوم جعجع وتشجيع خصوم الحزب على اشغاله بمشاكل داخلية.

هل تتوافق حسابات حقل الحريري مع بيدر السياسة اللبنانية وتعقيداتها؟ ربما ، فكل شيء في هذا الوطن ممكن خصوصا اذا ما تعرقلت المفاوضات الايرانية الأميركية وتعطّل التوقيع على الترسيم. هذا طبعا اذا حصلت انتخابات. ’

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button