آخر خبرمقال اليوم

إيران تعبُر صوب قلعة شنغهاي، فماذا تفعل واشنطن؟

لجين سليمان-الصين 

إيران صارت على أبواب منظمة ” شنغهاي للتعاون” وذلك بعد ان وافقت الصين وروسيا وكبار أعضاء المنظمة على عضويتها مستقبلا. فقال الرئيس الصيني شي جين بينغ :” اليوم  سنطلق الإجراءات لإدخال إيران في عضوية منظمة شنغهاي للتعاون”. وأيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه الخطوة الكبيرة قائلا :”لقد دافعنا دائما عن المشاركة الكاملة لطهران في عمل منظمتنا انطلاقًا من حقيقة أن هذا البلد يلعب دورا مهما في منطقة أوراسيا ويتعاون بشكل مثمر مع منظمة شنغهاي للتعاون لفترة طويلة”.

 ووفق وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، فإن عملية الانضمام ” ستنتهي في مهلة تتراوح بين عام وعام ونصف” ، وذلك بعد أن كانت طهران قد تقدّمت لهذه العضوية في العام 2008 ، لكن العقوبات الدولية والأميركية التي فُرضت عليها أخّرت هذا الانضمام

 وفي تصريح يُراد منه تفادي زرع القلق عند دول الشراكة العربية لكل من الصين وروسيا ويوضح التوجهات الروسية والصينية لضم دول كانت تاريخيا أقرب الى أميركا، قال بوتين :” اننا نرحب أيضا  بحوار الشراكة مع قطر ومصر والسعودية، وإن روسيا تؤيد المشاركة الفعالة لهذه الدول في مختلف مجالات عمل منظمة شنغهاي للتعاون ، ونرحب بمنح صفة شريك حوار لكل من القاهرة والدوحة والرياض ، ونؤيد اشراطها بنشاط في مختلف جوانب أنشطة منظمة شنغهاي للتعاون”.

في هذه المقالة سنستعرض أبرز محطات العلاقات الصينية الإيرانية على أن نتبع ذلك بمقال حول العلاقات الروسية-الإيرانية.

العلاقات الإيرانية الصينية

لم تنم العلاقات الصينية-الإيرانية التي وصلت قبل قمة شنغهاي الى مرحلة التعاون الاستراتيجي في اتفاقية شاملة بين بكين وطهران،  بشكل مفاجئ، وإنما هي امتداد لتاريخ طويل من التقارب، ومراحل قليلة من التنافر.

امتلكت الحضارتان تاريخا  من التبادل الثقافي والسياسي والاقتصادي على طول طريق الحرير منذ  عام 200 قبل الميلاد، وبحسب كتاب “تاريخ علاقات إيران والصين” لمؤلفه “علاء الدين آذري” فإن تاريخ العلاقات  يعود إلى حقبة إمبرطورية “هان” في الصين والإمبرطورية “الباريثية”، حيث كانت الحضارتان شريكتين تجاريا على طريق الحرير القديم، وقد جرى أول اتصال بين تلك الحكومتين عام 141 قبل الميلاد.

أما العلاقات الدبلوماسية الحديثية بين البلدين فقد بدأت  في العام 1979، إلا أن تلك العلاقات تأثرت بالعداء الأمريكي لإيران بعد انتصار الثورة الإسلامية، لا سيما وأن بكين حينها كانت تسعى إلى تحسين علاقتها مع أمريكا، كما أن الجمهورية الإسلامية بقيت ترفع شعار لا شرق ولا غرب وتناهض الأنظمة الشيوعية والامبريالية على السواء .

الاتفاق الصيني الايراني الجديد

طُرحت فکرة صياغة خطة عمل للتعاون بين البلدين عند زيارة الرئيس الصيني إلی إيران في كانون الثاني من عام 2016، وذلك في بيان صدر عن رئيسي البلدين، تضمن  وجود تعاون مشترك في المجالات التالية ” الطاقة والبنية التحتية والصناعة والتكنولوجيا وغيرها من المجالات المشتركة وتوسيع الاستثمار المتبادل في مختلف المجالات مثل النقل والسكك الحديدية والموانئ والطاقة والتجارة والخدمات الصناعية”

ولم يخل الجانب الأمني من عمليات تعاون مشترك فقد اتفق الطرفان على تعزيز العلاقات بين القوات المسلحة مع تبادل لزيارات الوفود والمشاورات والتنسيق في مجال تدريب القوات وتعزيز مكافحة الإرهاب.

وتطلب توقيع الاتفاق مفاوضات وزيارات عالية المستوى، إلى أن أعلنت الحكومة الإيرانية في 21 حزيران من عام 2020 موافقتها على مسودة “اتفاق التعاون الشامل” لمدة 25 عاما مع الصين،  استمرت هذه المفاوضات حتی بداية 2021 لتهيئة النص والاتفاق علی بنوده وتذليل الخلافات حول بعضها وتوقيعه بالتالي؛ وهو ما جرى في نهاية آذار 2021 عند زيارة وزير الخارجية الصيني طهران.

تتضمن الوثيقة ثلاثة محاور أساسية، هي: سياسية-استراتيجية، واقتصادية، وثقافية، تهدف في تفاصيلها، وحسب المُعلن، إلی الرقي بالتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك والمذکورة بأبعادها العامة.

أما الاستثمار في قطاع الطاقة الإيراني فهو المجال الذي سيحظی، حسب المتفق عليه، بالحصة الأكبر من الاستثمارات بقيمة تصل إلی 400 مليار دولار، فعلى الرغم من اعتماد الصين على الدول الخليجية، كمصادر رئيسية للتدفقات النفطية، إلا أنها تعتمد في الوقت ذاته على تنويع المصادر، ولذلك بدأت تتجه إلى أسواق جديدة، وهو ما سيؤدي في الوقت نفسه إلى معالجة تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني بسبب العقوبات الأمريكية.

اللافت أن مجالات التعاون لم تتضمن فقط انضمام إيران إلى مبادرة الحزام والطريق ، بل تمت دعوة عدد من الدول للانضمام إلى هذه المبادرة، انطلاقا من المصالح المشتركة لمختلف الدول.

العلاقات التجارية الصينية الإيرانية

نمت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين إيران والصين من مليار دولار إلی 51 مليارا  علی مدى ثلاثة عقود، حيث بلغ متوسط ​​الاستثمار الصيني في إيران 1.8 مليار دولار سنويًا منذ 2005، وهو أقل بكثير من استثمارات الصين في السعودية والإمارات

لكن بعد أن تحول اعتماد الصين على النفط بصورة رئيسية عوضا عن الفحم، بات كل من النفط والغاز من الركائز الأساسية في العلاقة بين الصين وإيران. وفي عام 2011 كان 10% من ورادات النفط الصينية يأتي من إيران. ونتيجة للاعتماد المتزايد على النفط والغاز الإيرانيين، فإن بكين تستثمر حالياً في تحديث قطاع النفط والغاز الإيراني لتأمين الوصول إلى الموارد. كما منحت المؤسسة الوطنية الصينية للنفط عقدا بقيمة 85 مليون دولار لحفر 19 بئر في حقول غاز طبيعي بجنوب إيران ووقعت عقداً آخر بقيمة 13 مليون دولار.

وتم التوصل لاتفاقية عام 2004 تستورد الصين بموجبها 270 مليون طن غاز طبيعي على مدار 30 عاماً من حقول جنوب فارس الغنية التي تعتبر من أغنى حقول الغاز الطبيعي في العالم مقابل 70 مليون دولار.

في عام 2014، بلغ إجمالي تجارة إيران مع الصين 52 مليار دولار، بينما تراجع في عام 2019 إلى 22 مليار دولار. ومع ذلك، فإن تلك الـ 52 مليار دولار شكَّلت 20٪ فقط من تجارة إيران مع العالم، لكن 22 مليار دولار في عام 2019 شكَّلت حوالي 30٪ من إجمالي تجارة إيران مع العالم

يذكر أن العلاقات الصينية الإيرانية لم تتوقف عبر الزمن، فقد أخذت طابعا غير رسمي أثناء الحرب الباردة، وتزايدت تدريجيا، إذ وصلت قيمة التجارة في الثمانينيات إلى 1.627 بليون دولار وفي الـ 2005 كان حجم التجارة الصينية الإيرانية 9.2 بليون دولار،وفي الـ 2007 بلغت 15 بليون دولار.

مع ولوج إيران باب الإنضمام الى عضوية “منظمة شنغهاي” واعتبار طهران أحد الممرات المهمة والشركاء الرئيسيين في المشروع الهائل ” الحزام والطريق” الصيني، يُمكن القول إن المستقبل الإيراني المتوجه شرقا، يحمي إيران ويعزز قدراتها ويجعلها شريكا عالميا بامتياز، فلن تجد واشنطن بعد اليوم خيارات أمامها سوى: إما اعتبار إيران أحد أضلع الصين وروسيا في المنطقة فتكثّف الضغوط عليها حتى لو وصلت الى مرحلة عسكرية، أو تلجأ الى التنازلات التفاوضية و اغرائها للابتعاد عن بكين، وهذا الخيار الثاني هو المرجح رغم الضغوط الكبيرة من قبل إسرائيل. فإيران صارت دولة قوية يصعب بالتالي التعامل معها كالدول المارقة والحرب معها قد تجر الى حرب إقليمية كُبرى أو حتى  عالمية لو توسّعت بعد الشراكة الاستراتيجية مع الصين وروسيا.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button