آخر خبرافتتاحية

نكسةُ زلزالية لإسلاميي المغرب في الانتخابات..لماذا؟   

سامي كليب

لم يكن حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي المغربي الذي هُزم اليوم في الانتخابات التشريعية المغربية، مُعارضا فعلياً للعرش، وإنما دار في فلكه منذ سنوات طويلة، ونسّق معه جّل خطواته، وغالبا ما كان وفيّا للملك تاريخا وحاضرا.  وحين وصل الى رئاسة الحكومة المغربية قبل 10 سنوات، كان ذلك بقرار ذكي من العاهل المغربي الملك محمد السادس في أوج موجات الربيع العربي التي اجتاحت أكثر من دولة وطوقت المملكة بثورات أو انتفاضات أو تدخلات خارجية من تونس وليبيا قبل أن تنضم اليها الجزائر. فبهذا القرار سحب الملك البساط من تحت أقدام من أرادوا ركوب حصان الإسلاميين لزرع بذور ثورة في مملكة كانت تعيشُ أيضا هبّات داخلية على وقع الازمات الاقتصادية.

أما حاليا، فيبدو أن هذا الحزب الإسلامي المتأثر بأفكار الاخوان المسلمين والمعجب جدا بالتجربة التركية، قد أصيب بنكسة كبيرة وهزيمة نكراء في الانتخابات التشريعية وفق النتائج الأولية، لا بل يُمكن وصف ما حصل بأنه انهيار أو زلزال فعلي لهذا الحزب العريق، حيث فقد 112 مقعدا، وتقهقهر  من 125 مقعدا الى 13 . وهو قلّما حدث لحزب آخر في العالم الا في حالات استثنائية أو تحولات استراتيجية كُبرى.

وأما الأحزاب التي تصدّرت المشهد والتي سيكون الوزير الأول (رئيس الحكومة المقبل) من بينها، فهي ” التجمّع الوطني للأحرار” (102 مقعدا) الذي يقوده رجل الأعمال عزيز أخنوش و ” حزب الأصالة والمعاصرة” ( 87 مقعدا)  الذي أسسه أحد أبرز رجال ومستشاري القصر فؤاد علي الهمّة  عام 2011 ثم استقال منه ، وهما حزبان ليبراليان قريبان جدا من العرش،  و ” حزب الاستقلال” ( 81 مقعدا) التاريخي الذي يُنظر اليه على أنه يمين الوسط، فيما جاء ” حزب الاتحاد الاشتراكي” في المرتبة الرابعة بحصوله على  34 مقعدا. وجاء بعدهم،  الحركة الشعبية ( 28) ، التقدم والاشتراكية ( 22)، الاتحاد الدستوري ( 18)، العدالة والتنمية (13) ، الحركة الديمقراطية الاجتماعية ( 5)، جبهة القوى الديمقراطية ( 3) ،تحالف فدرالية اليسار (1) ، الاشتراكي الموحد ( 1) ، وذلك وفق النتائج النهائية التي تم توزيعها هذا المساء . وذلك وفق الحصيلة النهائية لوزارة الداخلية، ويبدو واضحا فيها أيضا تراجع اليسار التقليدي أو الجديد.

بعد اعلان النتائج النهائية يُسمي الملك محمد السادس رئيسا للحكومة من الحزب الذي يحصل على الأغلبية في البرلمان، وذلك لمدة 5 سنوات، وبصلاحيات توسّعت الى حدٍ ما بعد الدستور الجديد، لكنها بقيت بشكل عام خاضعة لسلطة العرش أو ما يُسمى ب ” المخزن”.  ومن المتوقّع أن يكون عزيز أخنوش هو الأوفر حظا لهذا المنصب، وهو كان وزيرا للزراعة منذ عام 2007، الاّ اذا ارتأى العرش غيرَ ذلك، فهو استعاد كل القرار حاليا.

وفيما كانت التوقعات تشير الى احتمال انخفاض المشاركة الشعبية في هذه الانتخابات بسبب جائحة كورونا، الا ان الاقبال كان جيدا وتخطى 50،35 % ، أي بنحو 8 نقاط أكثر من انتخابات عام 2016، كما أن التصويت في المناطق الجنوبية كان عاليا نسبياً حيث وصلت  نسبته الى نحو 66 % ، ربما لأن هذا العام يختار المغاربة نوابهم ولكن أيضا ممثليهم الى البلديات والمناطق في الانتخابات البلدية والجهوية التي جُمعت مع التشريعية.

واذا كان حزب العدالة والتنمية قد تحدّث عن بعض الانتهاكات الانتخابية و الخروقات والتزوير، الا أن الهزيمة الكُبرى التي مُني بها لا تسمح له باستعادة عافيته حتى ولو تم تصحيح أي خلل، وقد تعرّضه هذه الهزيمة الى خضّات داخلية متتالية خصوصا على مستوى قيادته وعلى صعيد العلاقة بين بن كيران وسعد الدين العثماني.

ولو تم تعيين أخنوش، فان حزب العدالة والتنمية سيكون في عين العاصفة ، ذلك أن رئيس الحكومة العتيد قد  تعرّض مرارا لهجمات وقدح من قبل الحزب الإسلامي، ووصل الأمر بزعيمه السابق ورئيس الوزراء السابق عبد الأله بنكيران الى حد اتهام أخنوش بقلة النزاهة والشبهات  والفساد.

أسباب كثيرة تُساق حول هذا الفشل الذريع للإسلاميين المعتدلين في المغرب، أبرزها

  • أن من يتولى الحكم 10 سنوات متتالية وسط كل الأزمات التي عاشها المغرب والعالم، لا بُدّ أن يُعاقب على كل الهزّات الاقتصادية والاجتماعية في خلال ولايتين حكوميتين. فثمة قرارات اتُخذت لضرورتها في البلاد لكنها أثرت بشكل مُباشر على طبقات فقيرة ومتوسطة كثيرة.
  • الخلافات التي عصفت بالحزب غير مرة وأبرزت تناقضات متعددة وتوجهات مختلفة.
  • التخبط الذي حصل في خلال الإعلان مؤخرا عن التطبيع مع إسرائيل
  • الطوق الذي يزداد إحكاما ضد الإسلاميين على امتداد الوطن العربي.
  • الحاجة الى تصليب الموقف الداخلي بعد قطع العلاقات مع الجزائر

ربما كل هذه الأسباب صحيحة، وربما بعضها، لكن الأكيد أن المغرب يطوي بهذه الانتخابات ” ضرورات” الربيع العربي ، ويعود الى ما كان عليه الأمر قبل العام 2011 حين وصل حزب العدالة والتنمية الى رئاسة الحكومة، خصوصا أن المناخات الإقليمية والدولية تغيّرت كثيرا، ولم تعد ثمة حاجة للتيار الإسلامي في قلب السُلطة، لا بل أن بقاءه في قلبها قد يُعطي إشارات غير مرغوب بها حاليا في الداخل والخارج وفي سياق تعزيز وتنويع وتعميق العلاقات المغربية مع دول عربية وغربية.

يبقى أنه من الظُلم القول بأن الحزب لم يُحقّق شيئا في خلال ولايتيه بقيادة عبد الاله بن كيران وسعد الدين العُثماني، فهو قام بعدد من الإصلاحات والخطوات المهمة والمفيدة، وجنّب البلاد خضّات كُبرى من خلال تعاونه الوثيق مع العرش، وهذا مبدأ ثابت في سياسته منذ عهد زعيمه الراحل الدكتور عبد الكريم الخطيب، وبذلك يختلف جذرياً عن الإسلاميين المتشددين من حزب العدل والإحسان، ويناهض بقوة التشدد والإرهاب والغلو والتطرف.

باختصار يُمكن القول أن العاهل المغربي الملك محمد السادس، نجح مرتين، الأولى حين سمح للاسلاميين بتولي الحكومية، والثانية حين جاءت الانتخابات لصالح المقرّبين جدا منه. حتى ولو ان حزب العدالة والتنمية لم يكن معارضا شرسا للعرش. بل العكس.

                  ( سنعود في مقال مقبل الى إنجازات الحزب وخيباته)

 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button