آخر خبرافتتاحية

واشنطن تفيد من خلاف السعودية ولبنان؟

 سامي كليب:

كرّرت الدبلوماسية الأميركية في الأيام القليلة الماضية، طلبها من دول الخليج:” ترك القنوات الدبلوماسية مفتوحة مع لبنان” وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية:” لا بد من بدء حوار فعال مع بيروت”، كما طالب بيروت ب ” العمل مع شركائها” مُشدّدا على أن: “الشعب اللبناني عانى لمدة طويلة من سوء الإدارة والفساد والتضخم”.

والى اللقاء بين وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن ورئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي على هامش القمة المُناخية والذي نُصح فيه ميقاتي بعدم الاقدام على الاستقالة، فإن واشنطن التي كانت تستقبل أيضا قائد الجيش العماد جوزيف عون في هذه اللحظة المُقلقة أمنيا وقضائيا وسياسيا واقتصاديا في لبنان، كثّفت اتصالاتها المباشرة أو ضغطت لعدم عزل وطن الأرز ليس فقط رغبة بعدم انهياره الكامل وإنما لأن في بقائه على قيد الحياة مصلحة للجميع.

ماذا تُريد واشنطن؟  

 إذا كان الرئيس الأميركي السابق ورجل الأعمال الناجح دونالد ترامب، تلاعب طويلا على أزمة الخليج مع قطر، للحصول على مكاسب من الطرفين، فإن إدارة الرئيس جو بايدن ليست مشغولة بالجانب المالي وإنما بقضايا أكثر تعقيدا قد تُطيح بأمل الرئيس الحالي بالبقاء في السلطة لولاية ثانية لو فشل. من هذا المُنطلق فإن الإدارة الاميركية وجدت في هذه الأزمة المُستفحلة بين السعودية ولبنان فُرصة ممتازة لتحقيق عدد من الإنجازات وهذه أبرزها:

  • هي قادرة على استخدام لبنان حاليا ورقة في سياق الضغط أو إغراء طهران بالعودة الى التفاوض النووي، ولا تريد إثارة القيادة الإيرانية عبر تضييق الخناق على حليفها اللبناني حزب الله لصالح الرياض.
  • هي قامت بخطوات كثيرة لتسهيل عودة الروح الى بعض شرايين النفط والغاز عبر منح الضوء الأخضر للغاز المصري والكهرباء الأردنية للمرور عبر الأراضي السورية صوب لبنان. وذلك لإدراكها بأن أي تراجع من قبلها سيزيد الحضور الإيراني خصوصا بعد أن استقدم الحزب ناقلات نفط إيرانية. فهل من فعل ذلك سيترك لبنان يعود مرة ثانية الى الاستنجاد بإيران اذا ما قاطعه العرب؟
  • هي تُدرك أن حزب الله أعطى موافقته على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل ذلك أنه أعلن جهارا أنه سيوافق على ما توافق عليه الحكومة، وبالتالي لا تريد لهذه الحكومة أن تسقط لأسباب تعتبرها غير ذات قيمة.
  • لا يُمكن التفكير في استخراج الغاز من لبنان وتسهيل استخراجه من السواحل الفلسطينية (والذي ستكون فيه شركات أميركية وعربية)، الا باتفاق ضمني مع الثنائي الشيعي الموجود في المناطق الحدودية والذي له سلطة قرار في الداخل. وتأمل واشنطن أن يكون في ذلك بداية لترسيم الحدود البرية ولنوع من ربط النزاع الأمني لأمد طويل أو أكثر من ذلك.
  • توترت العلاقات الأميركية السعودية كثيرا منذ عودة الديمقراطيين الى البيت الأبيض بشخص الرئيس بايدن، تارة بسبب اليمن وقضية جمال خاشقجي، وتارة أخرى بسبب تقلبات أسعار النفط، وتبيّن للإدارة الأميركية أن الأمير محمد قد تحدّاها مرارا، ووصل به الأمر الى المجاهرة بالقول في مقابلة تلفزيونية أنه لن يقبل أي ضغط خارجي وأنه لو أعطت السعودية عقود النفط تاريخيا لبريطانيا لما كانت أميركا على حالها الراهن، وأن الولايات المتحدة الأميركية ما عادت الدولة العظمى الوحيدة في العالم، وهو عزز في الواقع علاقاته مع كل من الصين وروسيا. وكادت واشنطن تشعر بأن الأمر سيتفاقم أكثر وأن حركتها في الداخل السعودي صعبة في ظل شعبية الأمير من خلال اصلاحاته التي جذبت الشباب، فعادت تخفف من وطأة الخلاف وها هو بايدن يوافق على صفقة جديدة للسلاح الى الرياض بقيمة تفوق 650 مليون دولار. لعل ما يحصل في لبنان حاليا يخدم واشنطن لجهة استخدام هذه الورقة أيضا في الضغط على السعودية.
  • صحيح أن أميركا عازمة على الانسحاب من عدد من دول المنطقة وربما جميعها، لكنها ليست بوارد القبول بترك كل الساحات للروس والصينيين، وما زال لبنان مهما جدا لها، والدليل على ذلك دعمها المتواصل للجيش وتوسيع السفارة وتعزيز قدرات المراقبة في لبنان وعبره. فهي اذ سلّمت بأن سوريا باتت في الفلك الروسي تماما، غير أنها لم ولن تقبل أن يصبح لبنان كذلك… على الأقل حتى الآن.
  • بالمقابل فأن واشنطن، تستطيع أيضا التلويح بالضغط الخليجي لإقناع الجماعة السياسية اللبنانية بتخفيف حضور حزب الله في القرارات المركزية، والتضييق عليه مقابل تشجيع الجيش والقوى الأمنية ومؤسسات المجتمع المدني. فما حصل من مشاكل في وجه حزب الله مؤخرا منذ تفجير المرفأ حتى أحداث الطيونة وما بينهما من تحقيق قضائي، أوحى للدول الرافضة للحزب بأن ثمة فرصة يجب انتهازها قبل أن يعاود الانتعاش. فلو تقلّص أي أمل بعودة مفاوضاتها مع أيران، تستطيع واشنطن تحريك الوضع الداخلي اللبناني ضد حليفها.
  • تريد واشنطن كما باريس اجراء الانتخابات النيابية اللبنانية في موعدها، على أمل أن تُفسح في المجال ولو جزئيا لجماعات المجتمع المدني بأخذ مكان أكبر في البرلمان، وتقليص عدد نواب حزب الله والتيار الوطني وحلفائهما، أو أن تحدث مفاجآت كما حصل في العراق، ولذلك فان أي تعطيل لعمل الحكومة حاليا وخنقها خليجيا، سيدفع الطرف الآخر لتمديد كل ما هو قائم من مجلس نيابي ورئاسة جمهورية وهو وما تعتقد واشنطن وباريس انه يخدم الحزب وحلفاءه.

لهذه الأسباب وغيرها، من غير المنتظر أن تنحاز واشنطن لطرف ضد آخر، بل ستحاول القبض على منتصف العصا، بغية استخدامها هي والجزرة في العلاقة مع بيروت والرياض، في هذا الصراع الذي يخدم الجميع الا البلدين العربيين. لعل المشكلة الأكبر في هذه الصراع هي التي تواجه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فهو قريب جدا من واشنطن وباريس، لكنه حريص على عدم التناقض مع موقف الرياض، وحريص كذلك على عدم الاستقالة التي قد تغلق أمامه أبوابا كثيرة في المستقبل هو الطامح للعودة الى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات،  فهل ينجح في الصبر بانتظار إيجاد حل ويكتفي برفع الصوت تلميحا ضد الحزب لاقناعه بقبول استقالة جورج قرداحي ولارضاء الخليج؟ أم يُحرج فيخرج؟  كل الاحتمالات ممكنة، لكن حتى الآن لا اميركا ولا فرنسا تريدانه مستقيلا. وهما تعرفان ان القضية الكبرى هي بين ايران وواشنطن وليست في بيروت ولا في قضية جورج قرداحي العابرة.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button