آخر خبرمقال اليوم

الخليج توجّه صوب الصين، فماذا يربح؟

لجين سليمان-الصين 

يقول المثل الصيني القديم “إذا أردت أن تصبح ثريّا فابدأ بنناء طريق أولا” هو الأمر ذاته الذي اتبعته الصين على مرّ العقود الماضية دون كلل أو ملل، فبدأت بالتوجه نحو غيرها من الدول، عبر طرق ومبادرات عديدة، معتمدة على مبدأ صيني آخر يقول “لا تضع البيض في سلة واحدة” ولذلك لم تتكل الصين على حليف واحد فقط، بل أعلنت عن علاقات صداقة مع دولة عدّة، كان منها دول الخليج.

تاريخيا، وعلى الرغم من الثقل السياسي للسعودية، إلا أنها لم تكن من أوائل دول الخليج التي تقيم علاقات مع الصين قبل أن تصبح حاليا ثاني أهم شريك تجاري لبكين في المنطقة بعد الإمارات . كانت قد إلى ذلك تاريخيا الكويت  التي تصدرت الدول التي اعلنت علاقات مع الصين عام 1971، تلتها سلطنة عمان عام 1978، ثم الإمارات العربية المتحدة عام 1984، وقطر 1988، والبحرين 1989، لتكون السعودية بذلك آخر الدول الخليجية  المتوجهة شرقا عام 1990. وقد قام الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، بزيارة الصين عام 2006 كأول دولة أجنبية يزورها بعد أن نُصّب ملكا.

تحتل الطاقة جزءا لا بأس به في العلاقات الصينية الخليجية، فالصين ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم، وتستورد أكثر من نصف وارداتها النفطية من منطقة الخليج، بالإضافة إلى أن دول الخليج العربي هي أكبر مصدر للنفط إلى الصين في الوقت الحالي.

وأما ما يشهد على التعاون الصيني الخليجي في مجال الطاقة، فهي الاتفاقيات التي تم توقيعها، فعلى سبيل المثال: تم توقيع اتفاق بين مؤسسة البترول الكيماوية وشركة الصين للبترول والكيماويات “سينوبك” عام 2012 لإقامة مشروع مصفاة للنفط في جنوبي الصين باستثمارات مشتركة قدرها 9 مليار دولار أمريكي. ومشروع إنشاء معمل لتكرير النفط في مدينة تايتشو بمقاطعة تشجيانغ الصينية باستثمارات من شركة قطر للبترول الدولية وشركة النفط الوطنية الصينية (CNPC) وشركة شل الأمريكية، تم توقيع الاتفاق الإطاري له في سنة 2011.

من المتوقع أن تكون الصين بحلول سنة 2030، أكبر سوق للصادرات النفطية الخليجية، متجاوزة الولايات المتحدة الأمريكية واليابان. ولم يقتصر الأمر على تصدير النفط الخام إلى الصين، بل بدأت دول الخليج توسّع صادراتها إلى الصين لتشمل المنتجات البيتروكيماوية والصناعات المعدنية.

وإلى جانب التعاون المشترك في مجال التجارب السريرية للقاح، دشّنت الصين والإمارات خلال زيارة “وانغ يي” الأخيرة لأبو ظبي مشروع “علوم الحياة وتصنيع اللقاحات” تحت عنوان “الشراكة الاستراتيجية لأجل الإنسانية“، وهو مشروع يطمح لخلق نقلة نوعية في مجال العلوم الحياتية بالمنطقة، بالإضافة إلى تصنيع لقاح كوفيد-19 في دولة الإمارات تحت مسمى “حياة فاكس” عبر تعاون بين مجموعة “”G42 الإماراتية ومجموعة سينوفارم CNBG الصينية.

إحصائيات

بحسب تقديرات مؤسسة “ماكانزي آند كومباني” فإن حجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي وصل إلى 350 مليار دولار أمريكي في سنة 2020.ومن المتوقع أن تتراوح قيمة مبادرة الحزام والطريق من 1.2 تريليون إلى 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2027.

ووصلت الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما بين عامي 2005 و2020 إلى ما قيمته 196.93 مليار دولار، منها 39.9 مليار دولار مع السعودية، و 34.7 مليار دولار مع الإمارات، وهما الوجهتان ذات الأهمية الخاصة.

في السنوات القليلة الماضية، كانت الإمارات هي الشريك التجاري الأكبر للصين في المنطقة، حيث بلغ حجم التبادل التجارة بينهما 53 مليار دولار في عام 2018، وكان من المتوقع أن يرتفع إلى أكثر من 70 مليار دولار في عام 2020، وفقاً لجمال سيف الجروان، الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج، وبذلك تعدّ الإمارات الدولة الأكثر تأثيرا في مسار العلاقات الصينية الخليجية، نظرا لحجم الاستثمار الذي تجذبه، والذي يقدّر بـ 44% من مجمل الاستثمارات الصينية في العالم العربي،  كما يمرّ 60% من التجارة الصينية إلى أوروبا وإفريقيا عبر الإمارات.

ولكن وعلى الرغم من هذا التعاون الكبير، إلا انه وحتى اليوم لهذه العلاقة تحدياتها، ليس فقط مع الإمارات، وإنما مع دول الخليج كافة، فعلى سبيل المثال ونتيجة لزيادة أعداد الصينين في دول الخليج، من أفراد وشركات، سيتطلّب الأمر مستقبلا عددا من الإجراءات لتسوية نزاعات العمل وحقوق العاملين والمستثمرين، بالإضافة إلى أن علاقة الصين بإيران تطرح علامات استفهام كثيرة إضافة إلى الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية على حلفائها التقليديين لعدم التوسع كثيرا في الاتجاه شرقا . لكن وزير الخارجية الصيني “وانغ بي” سعى في خلال زيارته الأخيرة إلى المنطقة العربية لطمأنة دول الخليج على التوازن الدقيق في السياسة الخارجية الصينية وعلى انها لا تفضل طرفا على آخر، فربط بين مبادرة «الحزام والطريق» الصينية والاستراتيجيات التنموية الوطنية في الخليج، كرؤية 2030 في السعودية، والرؤية الاقتصادية 2030 في البحرين، ورؤية 2040 في عمان.

واضح ان دول الخليج ذات العلاقات التقليدية القوية مع إميركا قررت منذ سنوات توسيع وتنويع علاقاتها الخارجية استعدادا لفتح آفاق جديدة في المستقبل الواعد، بينما دول أخرى ما زالت تعيش على وقع الصراعات الدولية وتنحاز إلى محور ضد آخر. فالصين التي صارت لاعبا دوليا كبيرا يمكن أن تكون أيضا ورقة مهمة بيد العرب في سياق  التوازنات الدولية المبنية على المصالح المشتركة دون الإخلال بالعلاقات العربية الأميركية.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button