ثقافة ومنوعات

هذه الطقوس تسعد  النفس وتصدّ القلق والمرض

هذه الطقوس تسعد  النفس وتصدّ القلق والمرض

روزيت الفار-عمّان

Psychological Immunity. Mental-Elasticity. Resilience.

المناعة النفسيّة. المرونة الذهنيّة. التعافي 

هذه كلّها مسمّيات علميّة للتّعبير عن وظيفة جهاز المناعة النّفسي؛ أي قدرة الشّخص الذّاتيّة على التّعافي بعد تعرّضه لصّدمات وتجارب قاسية.

يرتبط جهاز المناعة النّفسي بوظيفة الدّماغ؛ فهو المسؤول عن تنظيم استجابته المناعية من خلال إرسال منبّهات جزيئيّة للخلايا المناعية داخل نخاع عظام الجمجمة عبر السائل النخاعي

وكمثيلتها الجسديّة؛ فإن لأجهزة المناعة النّفسيّة انتكاسات؛ وتتأثّر سلباّ بتراكم المؤثّرات والانفعالات السّيئة؛ كالضّغوطات والإجهاد والتّوتر. علماً بأن القليل من هذه العوامل يفيد في انتاج (أجسام مضادّة) تعزّز كفاءتها  في التّصدي لما قد تواجه من تحدّيات والنّجاح في محاربتها، أي “التّعافي” والرّجوع لحالة الجسم السّابقة  من خلال ما نسمّيه عمليات الكر والفر Fight or flight.  تماما كما هو الحال حين يتعرّض الجسم للفيروسات والبكتيريا؛ إذا يقوم  جهازه المناعي بإنتاج خلايا وأجسام مضادة( ككريات الدم البيضاء) تتصدّى لما يغزوه من تلك الكائنات الدقيقة ويرفع مستوى الاستجابة المناعيّة لديه. غير أن شراسة القِوى الغازية وتكرار حدوثها؛ يُضعفانه ويجعلانه عاجزاّ عن مقاومتها. الأمر الّذي يؤثّر على مستوى قدرة تنفيذِهِ لأعمالِهِ اليوميّة ومستوى جودتها.

من التّجارب الحياتيّة القاسية التي  يتعرّض لها الشّخص وتؤثر على جهازه المناعي بشقّيه النّفسي والجسدي- إذ لا يمكن الفصل بينهما فكلاهما مرتبط بالآخر من ناحية التركيب والوظيفة-  ما يتعلّق بالموت والفقدان. كموت أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء أو فقدان الوظيفة أو المركز. الحروب والأوبئة وتبعاتهم من  فقر وتّهجير وتشرّد واعتقال. الخيانة، كخيانة أحد الأزواج أو الأصدقاء لشريكه/ته. الحاجات غير المّشبعة: الجسديّة، كالغذاء والجنس أو العاطفيّة، كالحرمان من الحب والاهتمام. كل ذلك من شأنه أن يخلق مشاعر سلبيّة متعدّدة ومتنوّعة لدى الفرد  كمشاعر  الحزن والألم  والخذلان والإحباط والقلق والخوف من الموت والمستقبل، كذلك الشعور بالوحدة  واليأس. وقد تُثار عنده أحياناً مشاعر الغيرة والحسد ومشاعر الاشمئزاز. مما يؤدي بحال تراكمها إلى تفاقمها وتحوّلها لاضّطرابات نفسيّة جدّيّة قد تكون  ببداياتها مؤقتة، كتسارع في ضربات القلب وضيق بالتّنفس، لا تلبث أن تتحوّل إلى أخرى خطيرة  ودائمة كالاكتئاب وانعدام التّركيز والفصام واضّطرابات السّلوك واللّجوء الدّائم للنّوم والوسواس القهري، وقد تشتدّ خطورتها لتصل بصاحبها حدود الانتحار.

أهداف المناعة النّفسيّة.

لا تهدف المناعة الفعّالة فقط لإبقاء الشخص حيّاً حين يتعرّض للمصاعب، بل لجعله يتعلّم كيف ينهض ويكمل مسيرته نحو النّمو والتّقدّم.  كما وأنها ليست فقط ما يُهيّأ أدمغتنا لتوّقع حدوث الأمور السّيّئة، بل جعلها تتحمّل هذا السيّء عند حدوثه وتعرف كيف تعالجه. وهي بمكان ما؛ تنقلنا من مرحلة تجنّب الألم إلى مرحلة بناء وسائل ورؤى لتحمّله ومعالجته بشكل إيجابي لجعل الحياة أقل وطأة وأكثر احتمالاً.

ولحسن الحظ أن هناك طرقاً لتعزيز المناعة النفسيّة منها:

1- التصرّف بصدق وصراحة مع مشاعرك والقيام بالتّعبير عنها. فكبحها يؤذيك أكثر. يفيدك هنا الصراخ أو ضرب الوسادة بالأرض أو البكاء. فاختر ما يريحك دون الذهاب بعيداً بذلك.

2-  ضبط القلق. فبالرّغم من أنَّه أمرٌ طبيعي ومقبول؛ غير أنَّ المبالغةَ بالقلق تضعف حالتك النّفسيّة. أعطِه مدّة محدّدة، وفي حال مداهمته؛ عليك إيقافه بإشغال نفسك بعمل ما. فكلٌّ الأمور تأتي بعكسها حين تزيد.

3- التّعامل مع المشاعر السلبيّة بفهم ويقظة ووعيٍ كامل. فالاعتراف بها -دون إصدار أحكام- يخفّف من قوّة تفاعلها بداخلك.

4- لا تربط نفسك بمشاكلك النفسية. فكلّما سمحت بذلك ؛أصبح الانفصال عنها صعباً. فمثلا حين تشعر بالكآبة والحزن قل لنفسك إن هذا ليس جزءاً من شخصيّتك بل مجرد حالتك التي تمرُّ بها الآن. واعلم بأن الأمور تتغيّر باستمرار وأنك أكبر بكثير من حجم تلك الحالة.

5-  تعزيز العلاقات الاجتماعيّة؛ مع حفظ مساحة ومسافة أمان في جميع العلاقات- الحب، الأقارب، الأصدقاء وكافة العلاقات- تحمي بها نفسك.

6- أخذ قسط من الرّاحة وإعادة شحن طّاقتك. حيث يتم تعزيز المناعة العقليّة بشكل كبير  خلال قضاء الجهاز العصبي الّلا إرادي ( السيمبتاوي) وقتا في الرّاحة. أحيانا تكون المشكلة في الّلجوء الدّائم للنّوم، لا يُنصح هنا به؛ تجنّباً لنيل المزيد منه؛ بل بالرّاحة النشطة كالقراءة، ممارسة اليوغا، التّنفّس العميق وأخذ حمام دافئ.

7- طلب النّصح والمساعدة وتفويض بعض المهام عند الّلزوم . فهذا ليس عيباً ومن شأنه التّخفيف من أعبائك.

8- تُشكّل “أوقات الفراغ” البيئة المثاليّة والحاضنة للمشاعر السلبيّة. حاول ملأها بنشاطات تطوعيّة مفيدة.

9- التّخلص أو التّقليل من أنماط الممارسات السلبيّة كالاستيقاظ المتأخّر والمدة التي تقضيها على السوشال ميديا، وإدخال أعمال جديدة مفيدة وزيادة مدّتها، كالقيام بالمشي أو زيادة وقته.

10- التّعاطف والتّصالح مع الذّات ومحاولة تغيير  التّفكير السّلبي وعدم استحضار واجترار مشاعر الألم التي تضعف جهازك المناعي وتنهكه.

بالنّهاية، لا يمكننا التّغافل عن أنَّ الاستجابة للمؤثرات وكيفيّة التّفاعل معها تختلف باختلاف الأشخاص من حيث طريقة التّفكير والفهم ومستوى الاستيعاب والتّقبل، فجميعنا يدرك الأمور ذاتها ، لكن كلٌّ على طريقته الخاصّة، فما يبدو بسيطاً عند أحدهم، قد يبدو معقّداً ومُدمِّرا عند الآخر. ولنعلم أننا لا نستطيع السّيطرة على جميع ما يحدث بالخارج، لكن بإمكاننا فعل ذلك على ما بداخلنا وعلى ردود أفعالنا.

لنتذكّر مَثَلَ “البالون”، فهو يرتفع بفعل الغاز الذي بداخله وليس بفعل الهواء الّي يحيطه من الخارج.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button