آخر خبرافتتاحية

سورية: الفُرصة المُتاحة الآن.

سامي كليب:

ليس من قبيل الصدُفة كل هذه الاجتماعات عالية المستوى بين الكرملين والقيادات الإيرانية والسورية، ثمة حاجة روسية مُلحّة لرفع مستوى وجهوزية حلفائها وهي على أعتاب مرحلة متقدّمة من المواجهة مع أميركا وحلف شمال الأطلسي حول وفي أوكرانيا. هذا أمرٌ قد يكون جيداً لدمشق وطهران، حتى وصل الأمر بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في خلال زيارته الهامة الى موسكو الى حد الحديث عن علاقات استراتيجية دائمة في سياق عالم متعدّد الأقطاب.  فهل تستفيد سورية؟

            ليس من قبيل الصُدفة كذلك عودة شبح الإرهاب الداعشي يُطلّ برأسه في مرحلة متزامنة ومتوازية تماما في العراق وسورية، مع كلام عن احتمال تمدّده مُجدّدا صوب لُبنان، فمثل هذه الأمور باتت قيد الطلب حين تستعرُ حمى العلاقات بين المحاور.

           منذ فترة طويلة ما عادت المُعارضة ( أو المعارضات) السورية تحظى بدعم دولي حقيقي، فغابت أخبارها تماما عن وسائل الاعلام الأطلسية والعربية، وهي إن ذُكرت ففقط حين تجتمع مع وفد الدولة السورية في فيينا أو جنيف أو سوتشي وغيرها، ولعلّ ما كتبه د. برهان غليون في مؤلفه ” عطب الذات” وهو الذي كان أول رئيس لمجلس المعارضة المدعوم غربيا وعربيا يختصر كل الخلل في الحسابات الخارجية بقوله :” لم تحظ الثورة السورية، لا بدعم خارجي فعال ولا بتضامن عالمي ولا بتعاطف مع الضحايا” مضيفا في توصيفه لواقع المعارضة  أنها تحوّلت الى :” زعامات صغيرة بطموحات وأطماع كبيرة، كلٌّ يرى نفسه ممثلا للشعب، وقائد لمسيرة تاريخية، لكن من دون وعي بالمسؤوليات والالتزامات والمهام المطلوبة لتنظيم القوى والجهد”. على كل حال يبدو واضحا ان الهدف الكبير كان اطالة أمد الحرب وعدم السماح لاي طرف بحسمها. 

      مع تأكد الغرب وبعض الدول العربية وتركيا من استحالة اسقاط الرئيس بشّار الأسد بالقوة خصوصا حين تحوّلت الحرب السورية الى أولى بوادر الحرب الباردة الجديدة، مع الانخراط العسكري الروسي المُباشر في أعقاب  انخراط إيران وحزب الله، ومع الموقف الروسي-الصيني المتشدّد في مجلس الأمن، اتّخذ القرار بإنهاك سورية وحلفائها اقتصاديا، ليس لإسقاط الأسد حيث أن هذا الامر خرج من الحسابات منذ زمن طويل وفق اعترافات آخر السفراء الاميركيين في دمشق روبرت فورد ( ووفق الكلام الذي يقوله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون)، وإنما لدفع الدولة السورية الى القبول بشروط كثيرة تتعلق بشكل الحكم والدستور وتنخرط في مسار التسويات الإقليمية وتخفف الوجود الإيراني وتخرج حزب الله.

الواقع أن التحالف السوري-الروسي-الإيراني-حزب الله الذي نجح في استعادة معظم الأراضي السورية عسكريا أو بالمصالحات (نحو 80 بالمئة من الأراضي)، بدا عاجزا تماما عن مواجهة هذا الطوق الاقتصادي والاجتماعي الكبير، ما دفع السوريين وخصوصا الموالين منهم، الى طرح أسئلة مُشكّكة بدوري روسيا وإيران اللتين تملكان مخزونا هائلا من الغاز فيما الشعب السوري يتضوّر فقرا وبردا ويقف في طوابير طويلة للحصول على قارورة غاز. وطبعا لإيران المطوّقة أيضا ولروسيا مبرّراتهما القابلة للنقاش، لكن كثيرا من السوريين لا يصدّقون.

حرب الاقتصاد

الاقتصاد السوري نقطة مهمّة جدا في كل المسار السوري السياسي والاقتصادي منذ وصول بشّار الأسد الى السلطة عام 2000، فالخطط الاقتصادية التي ارتكزت الى نوع من الليبرالية والى انفتاح كبير على تركيا والذي أغرق الأسواق السورية بالبضائع التركية ( حتى نافس مثلا الزيت والالبسة)، ساهمت هذه الخطط أولا في كسر ثوابت الاقتصاد التي أسسها الرئيس الراحل حافظ الأسد، وحقّقت فورة اقتصادية هائلة في العامين 2009 و2010، لكنها وسّعت الهوة بين الأغنياء والفقراء من جهة، وزعزعت الثوابت التي كانت تحقّق اكتفاء ذاتيا معيشيا مقابل منع الحريات السياسية، وربما سرّعت خطوات التدمير السوري المُمنهج خارجيا، لأنه  ما كان مسموحا لسوريا باقتصاد ينتعش، وجيش مؤدلج، وانخراط أكبر بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر دعم التنظيمات المُقاتلة وخصوصا حماس والجهاد والجبهة الشعبية- القيادة العامة والجبهة الديمقراطية.

لو عدنا قليلا الى الفترة ما بين 2009 و2011 مثلا ماذا نقرأ؟

  • وفق صندوق النقد الدولي: بعد تباطؤ في النمو الى 4%، عاد نمو الناتج القومي الخام يرتفع في العام 2010 الى 5 % وهو سيصل قريبا الى 5،5 بالمئة
  • التضخم الذي وصل الى 15،2 بالمئة في العام 2008 استقرّ في العام 2010 على 5 بالمئة، كذلك الأمر بالنسبة للعجز التجاري الذي عاد ليستقر على 3،9 بالمئة في العام 2010 بعد ان كان قد تخطى 4،5 بالمئة في العام 2009
  • الاستيراد والتصدير ارتفعا بنسبة 12 بالمئة.
  • القطاع المصرفي يعرف حيوية كبيرة منذ فتح القطاع الخاص في العام 2004 وكذلك البورصة، وبات يضم حاليا 14 مصرفا خاصا بينها 3 إسلامية، لكنه يبقى خاضعا لسيطرة 6 مصارف تابعة للقطاع العام.
  • السياحة حققت أرباحا ممتازة وصلت الى أكثر من مليار دولار ابتداء من العام 2009، بحيث ارتفع عدد السيّاح بنسبة تجاوزت 50 بالمئة
  • بالمقابل فان الصناعيين التقليديين في سورية يعانون من منافسة شديدة من البضائع التركية بعد اتفاق التجارة الحرة بين دمشق وأنقرة، فمثلا انتاج الاقمشة في سورية تراجع بنسبة 80 بالمئة بين 2009 و 2010
  • سيكون العام 2011 متعدد المشاريع والقوانين وبينها مثلا قانون تأطير العلاقة بين القطاعين الخاص والعام، وانشاء الوكالة الوطنية للتخطيط على غرار النموذج الفرنسي، والخطة السادسة من مشروع تحديث البنى التحتية .

لا شك أنه بعد الدمار الكبير الذي أحدثته الحرب، تغيّر معظم هذه المشاريع لا بل انتهى تماما، وصار الهم الأكبر هو توفير لقمة العيش وقارورة غاز للمواطنين الذين انزلق معظمهم الى ما دون عتبة الفقر. كذلك فإن سورية التي قد تشهد انبعاثا لبعض الحروب فيها خصوصا في المناطق الخاضعة للسيطرة الأميركية على ضوء التوتر الكبير بين روسيا وأوكرانيا، بحاجة ماسة الى استعادة مناطق الثروة النفطية والزراعية.

الفرصة العربية

شكّلت بداية العودة العربية الى دمشق خصوصا من قبل الإمارات أملاً بانبعاث مشاريع اقتصادية تخفّف من الضغوط الهائلة، لكن سُرعان ما شهد هذا الأمل ضغوطا أميركية من جهة لكبح الاندفاعة العربية، وسداً سعوديا عبّر عنه سفير المملكة في الأمم المتحدة  عبدالله المعلمي الذي  قال في هجوم مفاجئ ضد الأسد : ” إن النظام السوري لم ينتصر وإن الحرب لم تنته بعد، وإن الأسد يقف على هرم أشلاء شعبه”

انتبه الجميع الى هذا الهجوم السعودي، لكن قليلين انتبهوا الى الجملة الثانية في الهجوم وهي المفصلية في العلاقة السورية السعودية، فهو قال أيضا:” إن النظام في دمشق يستعين بحزب الله الإرهاب لحسم المعركة التي يخوضها ضد السوريين”.

الواقع ان هذا الهجوم جاء في لحظة ارتفاع منسوب الحرب اليمنية في مأرب، والرياض تعتبر أن حزب الله أساسي فيها، وهي كانت تأمل من دمشق الضغط على الحزب وإيران لدفع الحوثيين الى مفاوضات حقيقية، ويقال أن مشاورات أمنية سعودية سورية جرت في فترات متلاحقة، ولا ندري اذا كان هذا الملف قد دخل فيها أو لا.  

ليست مُشكلة السعودية في الواقع مع الأسد أو لنصرة معارضة هي نفسها ما عادت مؤمنة بها، فولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وهو صاحب القرار الأول حاليا في المملكة والمناهض كما الأمارات بقوة للإخوان المسلمين والداعي لإصلاح الحركة الوهابية جذريا ، قالها صراحة لبعض زوّاره وكذلك للوزير اللبناني السابق عبد الرحيم مراد حين استقبله في الرياض :” انا لست مسؤولا عن الانخراط  السعودي في الحرب السورية وليس عندي عداوة للأسد وكل ما نريده منه هو التخلص من الوجود الإيراني ووجود حزب الله أو على الأقل التخفيف من ذلك والوعد بإنهائه”  

الفرصة الروسية

روسيا تلعب دور الوساطة بقوة بين دمشق ودول الخليج، ونجحت الى حد بعيد في تخفيف التشنج وفتح قنوات (باستثناء مع قطر) وهي مستمرة في ذلك حتى بعد الهجوم السعودي على الأسد، وتأمل يوما ما بإعادة المفاوضات السورية الإسرائيلية التي قيل دون تأكيد المصدر أن الإمارات تسعى هي الأخرى لشيء من هذا القبيل. كذلك الجزائر تجاهد لإعادة دمشق الى مقعدها في جامعة الدول العربية، ولكنها لا تستطيع بلا اتفاق مع الرياض ومصر. ثمة محاولات حثيثة جارية حاليا مع الرياض.  

ثمة فرصة مُتاحة جدا الآن أمام سورية لتنشيط علاقاتها العربية، وسط تدهور العلاقة الروسية الأميركية حيث قال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف ان العلاقة بين الجانبين ” بلغت نقطة حرجة وخطيرة، وان النشاط العدواني لحلف الأطلسي على الجناح الشرقي (حول اوكرنيا خصوصا) أمر غير مقبول اطلاقا” كذلك قال وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن أنه لا يتوقع تغييرات جوهرية في محادثاته مع لافروف في جنيف.

الوضع متوتر جدا بين الجانبين لكن روسيا وأميركا تستمران في الحديث عن الرغبة بالحوار وكل من خلال شروطه. والسؤال المطروح حاليا خصوصا قبل احتمال أن يطلب الدوما الروسي من الرئيس بوتين في الأسبوع المقبل الاعتراف باستقلال دومباس عن أوكرانيا، هل تستفيد سوريا؟ وهل تكثيف اللقاءات الروسية السورية والإيرانية الروسية حاليا يصب في هذه الخانة؟

ربما نعم، لكن الأمر يحتاج إما الى معجزة اقتصادية، أو الى فتح الممرات الروسية والإيرانية والصينية صوب المساعدات الى دمشق، أو الى استعادة بعض الأراضي السورية ذات الثروات بالقوة، وهذا يتطلب قرارا روسيا مفصليا في المواجهة العسكرية مع أميركا على الأرض السورية.

ثلاثة احتمالات صعبة وخطيرة، وهي قابلة للتنفيذ، لكن ثمة من يقول أن الاحتمال الرابع يبقى مفتوحا واقل تكلفة، وهو فتح قنوات تواصل أوسع مع الدول العربية وفي مقدمها السعودية ومصر(لو نجحت الوساطات الجارية مع الرياض، سيحدث الأمر انقلابا حقيقيا)، وهذا يتطلب تسريع خطوات اللجنة الدستورية لحسم المفاوضات والخروج بشيء من الحل السياسي، خصوصا أن الضغوط الروسية حاليا في هذا الاتجاه ستكون أقل تشددا من السابق. فعدد من الدول العربية يُريد مُبرّرا علنيا للعودة، والمصريون يقولون مثلا ان رفع مستوى العلاقات الى رتبة سفير تحتاج فقط تقدما في المجال السياسي (ولو رمزيا).

ثمة فرصة مُتاحة الآن لإعطاء أمل للسوريين الذين يزدادون فقرا وقلقا، وهي فرصة قد لا تطول ذلك ان الرئيس الأميركي جو بايدن الذي تكلّل عامه الأول بالضعف والفشل، يقف أمام احتمالين، إما المواجهة مع روسيا أو الانسحاب. هي فرصة الوقت الضائع الواجب التقاطها، وتحتاج الى قرارات سريعة وشجاعة. فالسوريون بحاجة اليوم الى أمل ولقمة عيش كريمة ومشروع سياسي واعد وليس الى حديث عن انتصارات مع عاد يُسمع. 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button