مقال اليوم

أي فرصة لنجاح روسيا في أمن الخليج ؟

 هادي جان بو شعيا

يعود مفهوم الأمن الجماعي في منطقة الخليج إلى الواجهة من جديد مع الإصرار الروسي على عرضه مجدداً، ولكن يأتي هذه المرة مع بعض التعديلات.

المبادرة الروسية ليست جديدة بل تعود إلى فترة التسعينات من القرن الماضي، إلا أن موسكو لم تيأس في مسعاها هذا وهي تسعى اليوم إلى تسويق هذا المفهوم من منظور أن الصيغة الجديدة سوف تراعي التطورات التي شهدتها المنطقة في الأعوام الأخيرة.

فما الجديد في تصورات روسيا للأمن في منطقة الخليج؟ وهل تنجح  رغم رفض الولايات المتحدة الأميركية لمبادرتها؟

 تسعى موسكو، منذ وقت طويل، الى ممارسة دور أكبر في الخليج، طارحةً مجموعة مبادرات سرية في هذا الخصوص منذ العام 1999. ولكن مع التغيرات الجيوسياسية الجذرية التي شهدتها المنطقة مذّاك، عكفت روسيا في العام 2007 على تنظيم حوار بين الدول العربية وإيران، إلا أن موسكو قررت الكشف عن آخر صيغة لها في صيف العام 2019، وصولاً إلى خريف عام 2020 وتحديداً في شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه، بعدما عرض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صيغة مختصرة من المقترح أمام مجلس الأمن.

  النظام الأمني الذي طرحه لافروف، يشمل تأسيس منظمة للأمن والتعاون في الخليج تشرف على أمن المنطقة وتضم دول الخليج كافة، إضافة إلى روسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والهند شرط أن تلتزم الدول تبادل المعلومات الحساسة بما فيها العسكرية والأمنية.

لكن في كلّ مرة تطرح فيها موسكو رؤيتها لأمن الخليج كانت تصطدم بالرفض الأميركي وكان آخره في عام 2020، عندما رفضت سفيرة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لدى الأمم المتحدة المقترح الروسي جملةً وتفصيلاً، رغم العلاقات الودية التي جمعت ترامب بفلاديمير بوتين. وعلى عكس واشنطن، رحّبت طهران على لسان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بالمقترح الروسي، مبديةً موافقتها عليه، في حين التزمت دول الخليج المعنية مباشرة بالأمر، الصمت.

ورغم إدراك موسكو أن رحلة تشكيل منظومة أمن جماعية للخليج لن تكون سهلة، إلا أنها لا تزال تلحّ على طرح مبادرتها التي كشف لافروف مؤخراً أنها ستطرح نسخة محدّثة منها.

فما سر الإصرار الروسي؟ وهل له علاقة بالتطورات التالية؟:

– ينشط مجلس التعاون الخليجي ويعمل بأعضائه كافة على حلّ الصراع القطري.

– يبدو أن اتفاقاً نووياً بين إيران والولايات المتحدة الأميركية سيتم التوقيع عليه في خلال الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة.

– المحادثات السرية بين المملكة العربية السعودية وإيران.

– الانكفاء الأميركي عن المنطقة بدءاً من أفغانستان مروراً بالعراق وصولاً إلى المناطق الأخرى.

– تخوف موسكو من تنظيم “داعش” المحظور في روسيا والذي يبتلع أراضيَ في أفغانستان وسط انسحاب متسرّع لقوات حلف شمال الأطلسي”الناتو” من المنطقة.

– تسليط روسيا الضوء على أفغانستان، حيث يركز أعضاء “داعش” قواتهم بنشاط ويعملون على أراضٍ معظمها في شمال أفغانستان، على حدود دول حليفة لموسكو مباشرة، مستفيدين من عملية مطوّلة لا يمكن إصلاحها للتوصل إلى مفاوضات سلام حقيقية، بالتزامن مع سلوك غير مسؤول لبعض المسؤولين في العاصمة الأفغانية كابول.

عوامل عديدة تعطي دفعة جديدة وقوية لروسيا لتحاول الإدلاء بدلوها، خصوصاً أنها تعتقد أن الأطراف الإقليمية مهيأة لقبول مثل هذه المنظومة في هذا الوقت.

وهنا ثمة سؤال أكثر عمقا، ماذا لو تداخلت المصالح الأميركية في المنطقة مع المصالح الروسية وانعكاساتها على المشهد عموماً.

ما بات مؤكداً حتى الآن هو أن الولايات المتحدة الأميركية لم تقبل، وعلى ما يبدو، لن تقبل بأي مفهوم للأمن الجماعي في المنطقة يأخذ بعين الاعتبار إيران أو روسيا، خصوصاً أن واشنطن، وقد لا نغالي في القول، تهيمن على المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم.

وعليه لن تحظى أي آلية برضىً أميركي طالما أنها تأخذ في الاعتبار ضمّ ليس فقط إيران، وانما كذلك روسيا والاتحاد الأوروبي والهند وحتى الصين، في وقت تحاول فيه روسيا الإبراق برسالة لجميع الأطراف في منطقة الخليج تقول فيها إن التعويل على أميركا بعد الآن لم يعد ممكناً، فضلاً عن الصدمة التي سوف يحدثها الاتفاق النووي في المنطقة ما يبرر كلام الكرملين حول الوجود الروسي وقدرته على لعب دور مهم في صوغ مفهوم لحماية الأمن الجماعي في المنطقة، والذي لا يمكن تمريره تحت سيف الفيتو الأميركي، سواء في مجلس الأمن أو منع حلفائها في المنطقة من قبول مثل هذه الصيغة.

أما السؤال الثاني فهو : طالما أن موسكو تُدرك أنها تصطدم بالرفض الأميركي، فهل أن اصرارها على مبادرتها لأجل الخليج تستند الى رغبة ضمنية من الخليج أيضا بالتحلل من أحادية الدور الأمني الاميركي، أم أن قيادة بوتين تريد التلويح بهذه الورقة في سياق الضغوط المتبادلة مع ادارة جو بايدن؟

مما لا شك فيه أن روسيا تحاول أن تقول للعالم عموماً، ولمنطقة الشرق الأوسط والخليج خصوصاً، أنها منخرطة في عمق الصراعات في المنطقة، بدءاً من سوريا مروراً بليبيا والسودان، وصولاً إلى منطقة الخليج العربي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن دولاً عدة في المنطقة وسّعت كثيرا اطار علاقاتها مع  موسكو في السنوات القليلة الماضية في سياق السعي الى التوازن في السياسة الخارجية بين المحاور، بدءاً من تركيا ومصر، مروراً بقطر والإمارات والمملكة العربية السعودية، وصولاً إلى إيران، الأمر الذي يبرّر الأهمية التي باتت تمثلها روسيا كلاعب مهم في المنطقة. كما لا يمكن التقليل من شأن الانكفاء الأميركي عن المنطقة، وخروج الولايات المتحدة من أفغانستان بهذه الطريقة، إضافة إلى خروجها المرتقب من سوريا والعراق مع تلاشي اهتمامها بالشرق الأوسط.

 المعروف أن الهدف الإستراتيجي لسياسة الولايات المتحدة الأميركية، منذ الحرب العالمية الثانية، يتمحور حول منع لا بل حظر أي طرف دولي بما فيهم حلفاؤها على غرار الاتحاد الأوروبي من المشاركة في الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من الانكفاء الأميركي المتسرّع، إلا أنه أبقى على قواته العسكرية سواء في قطر والبحرين والكويت، ولا شك بالتالي أن أي مبادرة روسية لن تكون سهلة المنال والنتائج الا في حالة حصول اتفاق ضمني كبير بين الجانبين الخليجي والروسي على أن ذلك سيكون في مصلحة الطرفين على المدى الطويل وأن أميركا التي قد تنسحب فجأة من المنطقة لا تترك مجالا لغير التقارب مع موسكو. فكلام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في آخر مقابلة تلفزيونية له كان واضحا في رفض أي تدخل أميركي في بلاده، حتى ولو أنه لم يسم أميركا، كما أنه ذكّر واشنطن بأن النفط السعودي هو الذي جعلها في الموقع الذي هي فيه، ونوّه الى وجود قوى عظمى في العالم وبينها الصين وروسيا والهند وغيرها. لعله في ذلك لم يكن يريد الانخراط كليا بالتحالف مع روسيا أو الصين وانما أراد بعث رسائل لواشنطن كيف تخفف ضغوطها والا فان الخليج سيبحث عن بدائل.

في المحصلة يمكن الجزم بأن تقدّم المبادرة الروسية يعني مزيدا من الاشتباك الدبلوماسي مع واشنطن ومزيدا من تبادل الضغوط ، وليس مستبعدا ان تمارس ادارة بادين بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي ضغوطا كثيرا لوضع العراقيل في الطريق الروسية صوب الخليج الذي يبدو متروّيا كثيرا في المضي قدما أمام أي تحول استراتيجي كبير ذلك ان التحالف مع واشنطن يبقى الأساس، على الاقل ، حتى الآن .

———————————————————-

الكاتب :  هادي جان بو شعيا – إعلامي وباحث لبناني

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button