Uncategorizedمقال اليوم

الحقيقة، الضحيةُ الأولى للحرب الأوكرانية..كيف؟

د.نجاح زيدان-فرنسا

يقول الكاتب البريطاني روديارد كيبلينغ:” إنّ الضحية الاولى لأي حرب هي الحقيقة” . الواقع أن الحقيقة تكاد تموت فعلا في تغطية الحرب الأوكرانية. صحيح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوحى بارتكاب ما كان يُحذّر منه، أي محاولة قلب الانظمة بالقوة، لكن الصحيح أكثر ان معظم الاعلام الغربي تخلّى تماما عن الموضوعية، وأيد أوكرانيا دون تكليف نفسه البحث عن اسباب الغزو الروسي، وذهب بعضه الى تبنّي أعمى لروبورتاجات وتقارير مُلفّقة ذات مصادر مشبوهة. 

                            في تحليل أكاديمي لهذا المشهد الاعلامي، يُمكن تقسيم تعاطي الاعلام الغربي مع الحدث الأوكراني الى 3 فئات:

  • أولها فئة تعاطفت فعلا مع أوكرانيا من مبدأ عذاب الناس والخطر المُحدق بحياة الابرياء ومشاهد ملايين اللاجئين والهاربين من ويلات الحرب، ورفض مبدأ الحروب. 
  •  ثانيا فئة معارضة للرئيس فلاديمير بوتين مهما فعل حتى لو زرع وردا في حدائق أوروبا
  • ثالثها فئة سارت في سياق استراتيجية أطلسية أميركية كتلك الاستراتيجيات التي تبحث دائما عن ” شرير” لتُلقي عليه كل شرور الأرض وكأن الأطلسي حمامة سلام والآخرين اشرار. ( تماما كما حصل مثلا مع الرئيس العراقي السابق صدّام حسين، او العقيد الليبي معمر القذافي، وصولا الى الرئيس السوري بشّار الأسد). 

وفي الوقائع، نُلاحظ أن بعض الدول التي تُجاهر بالحريات الاعلامية، حجبت  منذ الساعات الأولى لغزو روسيا لأوكرانيا  قناتي “روسيا اليوم ” و ” سبوتنيك” خارقة بذلك مبدأ توازن التغطية، ومانعة تماما الاستماع الى وجهة النظر الأخرى. كذلك تم حظر الاخبار الصادرة عن مصادر روسية سياسيا او اعلامية. 

في الوقائع أيضا، كان لا بُد من اختار ” الرمز-البطل”، فكانت المبالغة في التركيز على شخصية الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي وتقديمه كأبطال أفلام الكاوبوي الأميركي في مقارعة الغازي الروسي. وجرى تبّني كل ما يصدر عن الحكومة الاوكرانية كأنه مُنزلٌ من السماء. 

قال الصحافي المستقل بنجامين نورتون :” لقي التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا تغطية وشجب اعلاميين خلال الاربعة والعشرين ساعة الاولى أكبر بكثير من الحرب اليمنية التي استمرت  سبع سنوات “.  

هنا ننتقل في التحليل الأكاديمي الى مسألة أكثر خطورة وتتعلق بالتلفيق أو اختراع أخبار لا صحة لها، وهو ما يُشبه بعض ما حصل حين تم اختراع كذبتي ” اسلحة الدمار الشامل ، وتعامل صدام حسين مع القاعدة” كذريعة اميركية بريطانية  لتدمير العراق. مثالُنا على ذلك تلك المعلومات الخيالية التي قالت إن  القوات الروسية قامت بمجزرة بحق ثلاثة عشر جنديا أوكرانيا وجدوا في جزيرة الأفعى حيث نشرت وسائل الاعلام تسجيلا صوتيا لجنود اوكرانيين يشتمون الروس وقد وعدت الحكومة الاوكرانية بأنها ستمنح كل من الجنود وسام البطولة ليتبين فيما بعد بأن الجنود وعددهم ٨٢ جنديا ما زالوا على قيد الحياة وهم من قاموا بتسليم أنفسهم للقوات الروسية.  كذلك تم نشر فيديو يظهر بطولات خارقة لطيار اوكراني في اليوم الاول للمعركة وقد نجح بإسقاط ست طائرات لروسية وبعد التدقيق تبين أن الصور قد أخذت من لعبة من ألعاب الڤيديو.

ترافق ذلك مع تصريحات عنصرية العديدة تؤكد  مثلا  أنّ اللاجئين الاوكرانيين أوروبيون متحضرون وذوو بشرة بيضاء وعيون زرقاء. وهو ما قالته صراحة وبوقاحة وجهل نادرين المراسلة الامريكية كيلي كوبيلا بتأكيدها أن : “هؤلاء لسيوا لاجئين من سورية، هؤلاء لاجئون من أوكرانية هؤلاء مسيحيون بيض”. وذهب ريتشارد انغل الذي يعمل رئيسا للمراسلين الخارجيين في شبكة إن بي سي الى حدّ التساؤل في تغريدة له: “أليس من واجب الغرب قصف قافلة دبابات روسية متجة نحو كييڤ؟ هل سيقف الغرب متفرجا على ما يحدث بصمت؟”. كذلك الأمر بالنسبة لجيريمي ڤاين وهو صحافي من  بي بي سي، حيث قال ” إن المجندين الروس يستحقون الموت مجرد أن يرتدوا البزات العسكرية الروسية”. هل كان ليصرح نفس الشيئ بما يتعلق بالجنود البريطانيين والامريكيين أثناء غزو العراق؟

كان يُمكن وصفُ هؤلاء الصحافيين وغيرهم بأنهم انسانيون، وانهم يتعاطفون مع الضحية، لو أنهم قالوا الشيء نفسه حين تم تدمير دولٍ عربية، أو حين اجتاحت اسرائيل لُبنان، او حين قُصفت مستشفيات غزة بالحديد والنار، او حين قامت الآلة العسكرية الاسرائيلية بمجزرة في قانا اللبنانية في مقر الأمم المتحدة، أو حين تم تشريد مئات ألاف المسلمين الروهينغا، أو حين قُتل نصف مليون طفل في العراق. 

لو قمنا بتحليل دقيق للخطاب الإعلامي لعدد من المؤسسات الاعلامية في الدول الغربية، لوجدنا أنفسنا أمام كارثة فعلية بالنسبة للموضوعية، ولتأكدنا من مقولة كيبلينغ :” ان الضحية الأولى للحروب هي الحقيقة”. ليس مطلوبا أن تؤيد فلاديمير بوتين وهو يشن حرباً شعواء في أوكرانيا مهما كانت الذرائع، لكن المطلوب أيضا الاستماع الى وجهة نظر أخرى وليس الاستعلاء والانحياز اللذين يذكران المُشاهد بأن في هذا العالم، كاوبوي أبيض وبأن الباقين هم هنود حمر أو سمر أو سود أو حتى بيض.  

 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button