آخر خبرمقال اليوم

           كازاخستان وسورية وبوتين بينهما

عبد السلام ناظم-موسكو

                         المشهدُ كان مُرعبا وكأنه خارجٌ لتوّه من فيلم عنفٍ سينمائي. الرصاص يذهب في كل اتجاه، الناس يهرعون في  شوارع ألما_آتا، الدخان الأسود يتصاعد بقوة صوب السماء من السيارات المُحترقة، وأياد نساءٍ عجائز ترتفعُ أيضا صوب السماء دعاءً بأن تهدأ الأوضاع في بلد عاش استقرارا بالقوة منذ سنوات طويلة. فماذا يجري في كازاخستان، وما هي مآلات التدخل الروسي، والى اين تصل التحذيرات الغربية ؟وهل ثمة ما يُشبه ما حصل في سورية؟

من الصعب تماما معرفة ما حصل، ذلك أنه كما الشأن في سورية سابقا، انقسمت الروايات بين غربية تحكي عن نهاية قريبة لعهد الدكتاتورية الكازاخستانية، وبين روايات موسكو وحلفائها بشأن محاولات خارجية لقلب النظام بالقوة.

ماذا تقول أولا الرواية الغربية :

قبل 7 أيام، اهتزت كازاخستان على وقع حركة احتجاجية واسعة، فردّت السلطات بالقمع موقعة عشرات القتلى وأكثر من 1000 جريح. السبب الظاهر للاحتجاجات التي بدأت مع مطلع العام الجديد، هو ارتفاع أسعار وقود السيارات، وذلك مع انتهاء نظام الدعم الحكومي، وأيضا بسبب الانقطاع في الكهرباء لعجز السلطة عن انتاج الكميات المطلوبة، ما اضطرها للاعتماد على روسيا لتأمين النقص.

لكن فجأة، وفي خلال ثورة الغضب من ارتفاع أسعار الوقود وانقطاع الكهرُباء، ارتفعت في التظاهرات الاحتجاجية مطالب سياسية ما كانت البلاد المحكومة بالحديد والنار مُعتادةً عليها، وظهر شعار ” ارحل” ضد النظام و وشعارات اخرى لانتخاب رئيس آخر مع دستور جديد، وتعديل نظام الحكومات المحليّة بحيث تُصبح مُنتخبة لا مُعيّنة من قبل رئيس الجمهورية، إضافة طبعا الى المطالبة بوقف الاعتقالات وقمع الناشطين.

تفجّر الغضب الشعبي مُستنِداً أولا الى الغضب الكامن عند قطاعات واسعة من الناس ضد حكم الرئيس السابق سلطان نزارييف الذي حكم البلاد نحو 30 عاما متواصلة وجمع ثروة عائلية هائلة، ثم قرّر وسط ضغوط كثيرة من الحلفاء والأصدقاء والخصوم بأن يسلّم السلطة لقاسم توكاييف، مع بقائه متحكّما بالسلطة مُباشرة أو عبر بناته.

اعتقدت السلُطة بدايةً أنها تستطيع لجم التظاهرات سريعا، في بلد معتادٍ على خنق أي صوت مُعارض، لكن الرد على القمع العنيف والمُباشر للتظاهرات، ضاعف عدد المتظاهرين في الشوارع، وراحوا يحرقون المباني الحكومية والمؤسسات الرسمية ووصلوا الى القصر الرئاسيفي العاصمة ألما-آتا، فاضطرت السلطات الى التراجع والخضوع وأعلنت تخفيضا لسعر وقود السيارات، واقيلت الحكومة ووعد الرئيس توكاييف بحل البرلمان واجراء انتخابات جديدة.

 كانت هذه الإجراءات في الواقع تهدف الى التغطية أيضا على إعلان حال الطوارئ في عموم البلاد حتى 19 الجاري، ومنع الوصول الى كل وسائل التواصل الاجتماعي التي ساهمت في تأجيج التظاهرات، وكذلك الانترنيت والهواتف، ففرضت السلطات تعتيما كبيرا على البلاد وصار من الصعب معرفة ماذا يجري، وتم توقيف ما لا يقل عن 2000 متظاهر وفق ما أعلنت الشرطة، وهو ما يقول مراقبون إنه رقم أقل بكثير من الحقيقي.

مع وصول الأوضاع الى حافة الخطر واحتمال الانهيار، سارع رئيس البلاد الى سماع نصيحة نزاربييف وطلب دعم موسكو، التي كانت قد أعدت مع حلفائها في ” منظمة معاهدة الأمن الجماعي” عملية تدخلها العسكري المُباشر كما فعلت سابقا في سورية، خصوصا ان هذه أول عملية تقوم بها المنظمة منذ تأسيسها بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، ورفع الرئيس فلاديمير بوتين شعار ” حماية المنشآت الحكومة والعسكرية ومساعدة قوى الامن على إعادة النظام واستعادة الهدوء وحماية دولة القانون”

ماذا تقول ثانياً روية الرئاسة  وحليفها الروسي؟

تقول إن ثمة محاولات منذ فترة لاشعال النار داخل كازاخستان، وذلك في سياق ضرب أحد مراكز الثقل الروسي في آسيا الوسطى خصوصا أن لموسكو مع كازاخستان ذات العشرين مليون مواطن، علاقات اقتصادية قوية، ولها أيضا أقلية روسية تعيش هناك وتمثّل خُمس عدد السكان.

وقد أعلن الرئيس قاسم توكاييف إن ” إطلاق النار استهدف إرهابيين وأن عدد هؤلاء فاق 20 ألف إرهابي شاركوا في الهجوم على ألما-آتا، ومعهم عصابات اجنبية خصوصا ان السلطات استجابت لمطالب المواطنين”

تقول الرواية أيضا: إن رجال الأمن والشرطة فوجئوا بإطلاق الرصاص عليهم من قبل متظاهرين حيث سقط ما لا يقل عن 20 شرطيا قتلى أضافة الى نحو 800 جريح بسرعة قياسية، وفق ما شرحت وزارة الداخلية في ألماتي.

وتُحلل الرواية الرسمية الكازاخستانية والروسية، أن في الأمر محاولة لليّ ذراع موسكو التي أثبتت صلابة كبيرة في مواجهة الغرب في أوكرانيا وقبلها في سورية وجورجيا، والتي ترفض تمدد حلف شمال الأطلسي الى حدودها، خصوصا أن الحلف العسكري الغربي يسعى حثيثا لضم أوكرانيا وجورجيا. وأن ثمة رسالة واضحة أيضا لموسكو بأن ما نجحت في فرضه في سورية لن يكون سهلا عليها  في كازاخستان.

لذلك سارع الاتحاد الأوروبي وعبر رئيس دبلوماسيته جوزف بوريل الى الاعراب عن القلق الكبير من التدخل العسكري الروسي، وشجب وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان ” عمليات العُنف ” داعيا ” كل الأطراف اكانت في كازاخستان أو في اطار منظمة الأمن الجماعي الى التعقّل والحوار”. وهذا الموقف قد يتطور لاحقا الى شجب النظام وموسكو كما حصل في سورية

أما واشنطن وكما فعلت مع بداية التظاهرات في سورية فقد قالت انها ” تجشب بكل الحزم المطلوب عمليات العنف وتدمير الممتلكات” وحذّرت القوات الروسية من ” ارتكاب أي اختراقات لحقوق الانسان أو السيطرة على مؤسسات الدولة”

قال الناطق باسم الخارجية الأميركية :” اننا وكذلك العالم أجمع، نراقب أي اختراقات مُحتملة لحقوق الانسان، وأي عمل يُمكن أن يؤدي الى وضع اليد على مؤسسات كازاخستان، ونطالب قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة الأمن والتعاون لاحترام حقوق الانسان ودعم الحل السلمي في البلاد”.

موسكو ترد على الغرب

في رده على تصريح بوريل، الذي قال أيضا إن “المساعدة التي تقدمها منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى كازاخستان تثير ذكريات المواقف التي ينبغي تجنبها” ( وهو يقصد سورية وجورجيا)، قال نائب وزير الخارجية الروسي الكسندر غروشكو: “إن بوريل على حق في أنه من الضروري تجنب حالة تقديم المساعدة العسكرية، مثل قصف يوغسلافيا وغزو العراق والعملية العسكرية في ليبيا ومحاولات تفكيك سوريا، وانه سيكون من الجيد بالمقابل أذا اعترف الغرب في نهاية المطاف بأشياء واضحة وخاصة أن روسيا كانت توقف النزاعات وتحولها إلى مجرى التسوية السياسية السلمية. وحيث يوجد جندي روسي، يوجد سلام”.

مضيفا أن بوريل في تصريحه هذا “ربما يقصد ضرورة منع اتخاذ قرار حول نشر البعثة العسكرية التدريبية الأوروبية في أوكرانيا، ولذلك نقول ان عليهم بالضبط وقف كل المساعدة في الانتهاك الجسيم وغير الرسمي وغير المعاقب للالتزامات بالتسوية السلمية للنزاع الأوكراني”.

ارهاب ؟؟

حديث الرئيس الكازاخستان عن الارهاب، يُذكّرنا بدور ارهابيين كازاخستانيين في سورية، حيث قالت لجنة الأمن القومي بكازاخستان قبل فترة قصيرة ، إن بعض عناصرها، تمكنوا من اختراق صفوف جماعة إرهابية تنشط في سوريا واعتقلوا زعيمها ونقلوه إلى كازاخستان.

وأشارت المخابرات الكازاخستانية ، إلى أنه في بداية عام 2015، ظهرت على الساحة مجموعة إرهابية أخرى تحت اسم – “الجهاد الإسلامي الكازاخستاني”، على رأسها بعض المتطرفين الدينيين الذين تدربوا في أفغانستان. وأن هذه المجموعة تسعى لتجنيد مواطنين من كازاخستان وآسيا الوسطى من الموجودين في سوريا، بهدف استخدامهم لتنفيذ هجمات إرهابية في كازاخستان. وقامت المخابرات بوضع خطة سرية تحت اسم “نايزا” لمنع وقوع هذه الهجمات.

في ربيع عام 2015، تم إعداد عميلين من المخابرات- “كاهارمان” و “سنكار”، اللذين كان لديهما خبرة في تنفيذ عمليات خاصة خارج البلاد، لإرسالهما في مهمة خاصة إلى سوريا للتسلل إلى صفوف الجماعة الإرهابية.وبالفعل تمكن “كاهارمان” بفضل التدريب والإعداد الدقيق، من شغل مكان مرموق في المحيط المباشر لزعيم الجماعة الإرهابية. وكذلك نجح “سنكار”، في الانخراط في صفوف الجماعة التي ما زال يجري تفكيكها.

خلاصة القول

إن ما يحصل حاليا في كازاخستان هو لا شك منطلق من أسباب داخلية ومن غضب الناس من دكتاتورية طويلة الأمد وهذا صحيح في الرواية الغربية ، ولكن ثمة من ينتظر عند أول مُفترق لاستغلال مطالب الناس بغية تدمير نظام موال لموسكو، وضرب أحد القلاع الروسية في المنطقة، وهذا صحيح أيضا في الرواية الروسية

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button