الإعتذار الحتمي للحريري، طريقه للتجديد؟
سامي كليب:
يتمتع أحمد الحريري أمين عام تيار المُستقبل بهامش من الكلام أوسع من الذي يملكه حاليا الرئيس المُكلّف بتشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري. لذلك فهو قال بصراحته المعهودة اليوم على شاشة MTV اللبنانية ما يُضمره الإثنان معا وخلاصته التالي :” كل الخيارات اليوم موجودة على طاولة الحريري، بما فيها الاعتذار. والتطورات السياسية هي التي تحتم عليك القرار وتوقيته، وسيستمرّ الحريري في سعيه لإيجاد حلول وهو لن يقبل بأن يكون عقبة”.
لا يحتاج هذا الكلام الى تفسيرات وتأويلات كثيرة، فأحمد الحريري الذي يُعتبر من أكثر الصامدين وفاءً الى جانب إبن خاله سعد والقاريء الجيد لتطوارت المنطقة، مهَّد في حديثه التلفزيوني اليوم الطريق للاعتذار الحتمي للرئيس المُكلف، ذلك أن كل الطرق لتشكيل الحكومة باتت مُغلقة الا اذا حصلت مُعجزة، ونادرا ما عرف لُبنان معجزاتٍ سياسية إيجابية في تاريخه الحديث.
كيف سيكون انعكاس الاعتذار؟
قالها أحمد الحريري أيضا اليوم :” شارعُنا يغلي”. هذا صحيح جدا، فجمهور تيّار المُستقبل لم يتقبّل بعد فكرة إعتذار الرئيس الحريري، هو يريد إستمراره في مواجهة الرئيس ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جُبران باسيل اللذين يحمّلانه مسؤولية التعطيل . يريده تيار المستقبل اذا أن يبقى رئيسا مُكلّفا حتى لو لم يستطع التأليف، ذلك أن هذا الجمهور يعتبر أن الإعتذار يعني التنازل، ويعني الانكسار ويعني تقديم جائزة ترضية مجّانية لرئيس الجمهورية والوزير باسيل.
لا بُد أذا من تحضير الأرضية جيدا قبل الاعتذار. هذا ما سيعمل عليه الرئيس الحريري وفق ما فهمنا اليوم من تلميحات أبن عمّته عبر أم تي في، وهذا يتطلب جهدا كبيرا في الأسابيع المُقبلة كي يشرح للناس أن الاعتذار هو بداية الطريق نحو شيء أهم ولن يكون هزيمة.
ربما ضيّع الحريري وقتا كثيرا في الخارج، افاد من بعضه، وعاد خالي الوفاض من البعض الآخر، وصار لا بد من تركيز اهتمامه على الداخل الأزرق.
لم يعد ثمة أمل بفتح أبواب السعودية أمام الحريري، الجرحُ يبدو غائرا، وتختلط فيه أسباب كثيرة بينها الشخصي والمالي والسياسي. فلو كان الأمر يقتصر على الغضب السياسي من الحريري لأنه يتعاون مع حزب الله بدلا من مواجهته وأنه يسهّل الحضور الإيراني في لبنان، فإن السعودية نفسها تفاوض طهران حاليا، لكن الواضح أن ثمة أسبابا لم ولن يعرف خفاياها الفعلية على الأرجح الا الأمير محمد بن سلمان وسعد الحريري.
تستطيع الإمارات العربية المتحدة أن تساعد الحريري ماليا كي يحل جزءا من مشاكل الديون، هذا ضروري قبل شروعه في مرحلته السياسية المُقبلة، وتستطيع مصر أن تغضب قليلا اذا اعتذر لأنها تُصرّ على نصحه بعدم الإعتذار، لكنها محكومة بالوقوف الى جانبه في المرحلة المقبلة لقناعتها كما قناعة كثيرين بأنه الأكثر تمثيلا للسُّنة في لبنان وأن عزله يعني مزيدا من ضياع طائفة ما عادت تعرف الى من تلجأ.
ماذا بعد الاعتذار ؟
اذا مرّت مرحلة الاعتذار بسلام مع الاتفاق على رئيس آخر لحكومة تشرف على الانتخابات ، واذا صار الاعتذار مطلبا شعبيا في أوساط تيار المُستقبل ودعمتها كتلة رؤوساء الوزراء السابقين، فإن الحريري سينتقل حتما الى مرحلة التمهيد للانتخابات التشريعية المُقبلة. هذه ستكون مع الانتخابات البلدية فيصلا حقيقيا لجهة إنعاش دوره أو انكفائه نهائيا. فلو نجح في تحقيق نتائج جيدة، ونجح في توسيع اطار تحالفاته داخل طائفته السُنيّة ( من البقاع الغربي حتى الشمال)، وكرّس تحالفات أخرى مع الأحزاب الكبرى في بعض المناطق ، يستطيع أن يفرض نفسه على الداخل والخارج كالممثل الأقوى لأهل السُنّة في لبنان.
هي أشهر قاسية لا شك، تتطلب الكثير من الجهد الاستثنائي. ويبدو ان الحريري الذي صار يتابع أدق تفاصيل ملفاته بنفسه، وكثرت ساعات عمله بقدر ما تراجعت ثقته بمن حوله الا قلة قليلة منهم بعد ما تعرّض له في السعودية وما تبيّن أن بعضه كان بسبب ” تسريبات من مقرّبين، يستعد لمعركة الانتخابات، وصار يعتبر أن كل قصة الحكومة خلف ظهره. ذلك ليقينه بأن لا مجال مُطلقا لتسوية مع رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني جبران باسيل في ما بقي من عهد الرئيس عون.
لعل الحريري بحاجة فعلا لتركيز الجهود على المرحلة المقبلة لا الحالية، وذلك لاعتقاد المخلصين من حوله بأنه لو شكّل حكومة الآن فسوف تنفجر في وجهه كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المؤجلة، وهذا يعني خسارته لقسم كبير من شعبيته في الانتخابات المقبلة.
أما استمراره بالتكليف دون تأليف لفترة اضافية بعد، فهو يساهم في خسارته حتما ، ذلك أن الناس تحمّله كما تحمّل رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني خصوصا مسؤولية الوضع الحالي،خصوصا ان الطرفين اي التيار الوطني وتيار المستقبل يتبادلان الاتهامات وكل منهما يقدّم ذرائع يعتبرها دامغة. بينما حلفاء الحريري وخصومه يتفرجّون على هذا الصراع، ويعملون ليلا نهارا لتحسين مواقعهم قبل الانتخابات خصوصا في الشمال وبيروت.
ويبقى السؤال المركزي طبعا متعلقا بالسعودية وهذا لاحتمالين:
- الأول أن تستمر السعودية في نبذ الحريري حتى لو حقق فوزا جيدا في الانتخابات
- الثاني أن تثمر المصالحة السعودية الايرانية اتفاقا في لبنان يفترض شخصية أخرى غير الحريري.
قال أحمد الحريري اليوم إن الموقف السعودي يتعلق بكل لبنان وليس بالحريري فقط، لا ندري اذا كان هذا من باب شرح الواقع أو التمنّي. لكن الأكيد أن إنتقال الحريري الى المعارضة بات أمرا حتميا، وأن إعتذاره بات شبه مؤكد، الا اذا حصلت معجزة أو حدث أمني خطير. أما الاهم، فهو أي مشروع سيقدّم للناس لاحقا، ذلك أن من ثار في 17 تشرين 2019 ضد كل الجماعة السياسية بمن فيها الحريري، سيكون على الأرجح حاضرا وبقوة في المراحل المقبلة لان الازمات ستكبر والمجتمع المدني لن يكون قادرا على الصمت طويلا.