ثقافة ومنوعات

أيهما الاصح: عربٌ أم أعراب ؟

ثريا الصلح

اختلف الباحثون في معنى كلمة “عرب”. فذهب علماء الغرب إلى أن معناها الصحراء او البادية وفقاً لمدلول الكلمة في النقوش الآشورية التي تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد. وهناك من رأى ان كلمة عرب تعني أهل البادية وهم الأعراب اما الحضر فكانوا يذكرون بأسماء أماكنهم او قبائلهم والدليل على ذلك في الكتابات البابلية.

أما العلماء والمؤرخون العرب، فمنهم من يرى أن العرب هم أبناء يعرب بن قحطان، وفريق ٌ آخر يعتبر انهم سموا عربا لأنهم تميزوا عن الأمم الأخرى بالإعراب وفصاحة اللسان، وفريق ثالث يعيد التسمية الى إلى عربة او عربات، وهو اسم لبلاد العرب.

لكن اللافت أن عددا من علماء اللغة العربية ذهبوا الى حد القول: إن كلمتي عربي وعبري تدلان على معنى واحد وأنهما مشتقتان من الفعل الثلاثي “عَبَر” بمعنى قطع مرحلة من الطريق او الوادي وذلك ان العرب والعبرانيين كانوا من الأمم البدوية التي لا تستقر في مكان بل ترحل من منطقة إلى أخرى بجمالها وماشيتها بحثا عن الماء والمرعى.

اما في معجم المعاني الجامع فالعرب هم امة من الناس سامية الاصل كان منشؤها شبه الجزيرة العربية.

من جانبه يقول المفكّر السوري والباحث في شؤون القرآن المهندس عدنان الرفاعي في كتابه “المعجزة الكبرى” إن كلمة عربي هي من الجذر اللغوي (ع ر ب) والتي وصف الله تعالى بها القران، وتعني التمام والكمال والخلو من النقص والعيب وليس لها علاقة بالعرب كقومية.

فعبارة (قرآنا عربيا) تعني قرآنا تاما خاليا من النقص والعيب. وقد عضد ما ذهب اليه بذكر تفسير كلمة (عُرُبَا) وهي من نفس الجذر (ع ر ب) والتي

وردت كصفة للحور العين في قوله تعالى “فجعلناهن ابكارا، عربا اترابا لأصحاب اليمين” أي انهن خلين من العيب والنقص ووصلن الى التمام.

 الرفاعي ذهب أبعد من ذلك عندما قال: أن

“الأعراب” الذين ورد ذكرهم في القرآن على سبيل الذم ليسوا هم سكان البادية لأن القرآن أرفع وأسمى من أن يذم الناس من منطلق عرقي أو عنصري ولو كان المقصود بالأعراب سكان البادية لوصفهم الله تعالى بالبدو كما جاء على لسان يوسف بقوله :” وجاء بكم من البدو بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين أخوتي” .

 إذن من هم الأعراب؟

يقول المؤلف نفسه في كتابه القيّم إن ألف التعدي الزائدة في كلمة الأعراب قد نقلت المعنى الى النقيض كما في (قسط وأقسط) ذلك ان قسط تعني ظلم، بينما أقسط: تعني عدل.  وعليه فان عرب تشير الى: تم وخلا من العيب، بينما أعرب فتعني نقص وشمله العيب.

نفهم من ذلك ان الأعراب هم مجموعة تتصف بصفة النقص في الدين والعقيدة (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم).

وفي تفسيره لعلاقة اللغة العربية بالقرآن الكريم، فان عدنان الرفاعي يقول ان لغة القرآن ليست لغة بشرية أصلا بل هي لغة السماء التي علم الله بها آدم الأسماء كلها ثم هبط بها الأرض وكانت هي لغة التواصل بين البشر ثم بمرور الزمن وازدياد أعداد البشر وتفرقهم في أنحاء الأرض نشأت اللغات البشرية المتفرعة عن اللغة الأصل “لغة آدم “، ثم بدأت هذه اللغات في الابتعاد رويدا رويدا عن اللغة الأصل حتى تشكلت بمفرداتها وحروفها المستقلة. ثم بقيت مجموعة بشرية حافظت على قدر كبير من اللغة الاصلية لغة السماء، وهذه المجموعة البشرية هي سكان جزيرة العرب، وهذا يفسر سر نزول القران على هذه المجموعة دون غيرها لأنهم الأقرب لفهم القرآن بحكم محافظتهم على قدر أكبر من أصل اللغة التي جاء بها آدم من السماء.

هذا يفسر ايضا سر تفوق القرآن وجذبه للعرب رغم امتلاكهم ناصية اللغة والفصاحة ذلك لأن القرآن أدهشهم وحيّر عقولهم لأن القرآن نزل بلغة فطرية غضة كيوم نزل بها آدم عليه السلام بينما العرب كانوا يتحدثون لغة هابطة نوعا ما تأثرت بعوامل الزمن ودخلتها عبارات ومفردات بشرية لم تكن من أصل لغة السماء. وقد سمى الله تلك اللغة في كتابه بالأعجمية ومعناها اللغة التي فيها انحراف عن لغة القرآن ولسانه العربي المبين.

يشار الى أن المشركين عندما اتهموا الرسول بأنه يتعلم القرآن من بشر، رد الله تعالى عليهم بقوله “وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ “

لا شك أن لهذا الرأي سند يدعمه في عدد كلمات اللغات: إذ بينما لا يتجاوز عدد مفردات اللغة الفرنسية ال١٥٠ الفا والروسية ١٣٠الفا والانكليزية ٦٠٠الفا وصل عدد مفردات اللغة العربية إلى١٢ مليون كلمة دون تكرار و١٦٠٠٠ جذر لغوي متفوقة على كل اللغات ليس فقط في عدد الكلمات وإنما أيضا في دقة المعاني.

وتبعا للمعنى الذي اورده المهندس عدنان الرافعي لا شك أن كلمة اعراب هي الأنسب لوصف حالة الأمة العربية التي تعاني الكثير بالنظر إلى معايير التنمية البشرية. وهنا لا يسعنا إلا أن نستشهد بقول ينسب لمحمد الغزالي:”  إن العرب جنسٌ حاد المشاعر، جامح الغرائز، عندما يطيش يفقد وعيه، وعندما يعقل يبلغ الأوج، ولقد قرأت رأي ابن خلدون في العرب وترددت في تصديقه ثم انتهيت أخيرا إلى أن العرب لا يصلحون الا بدين ولا يقوم لهم ملك الا على نبوة وان العالم لا يعترف لهم بميزة الا اذا كانوا حملة وحي فإذا انقطعت بالسماء صلتهم ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وغشيهم الذل من كل مكان”

الكاتب : د. ثريا الصُلح . قاضية وأديبة 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button