ثقافة ومنوعات

أم كلثوم: نعم أنا بخيلة

د. محمد سليمان فايد:

في عالمٍ يزدحم بالشائعات حول الفنانين، لم تسلم كوكب الشرق أم كلثوم من تهمة “البخل” التي لاحقتها طيلة حياتها، حتى غدت إحدى أشهر القصص في سيرتها. لكن الغريب أن “الست” لم تنكر هذه التهمة، بل تبنتها بذكاء وقالت ضاحكة: “نعم، أنا بخيلة!” — وكأنها تُخفي خلف الكلمة دروسًا في الحكمة أكثر من أي اعتراف.

محمود قاسم

في تصريح خاص للوكالة العربية الإفريقية للانباء: قال  الكاتب والناقد السينمائي، محمود قاسم وهو مؤلف موسوعة السينما المصرية والعربية وله عشرات الكتب عن نجوم السينما،ان كلمة بخيل كانت تطلق على عدد من الفنانيين والكتاب الكبار كنكته ،او مداعبه،وبالنسبة لسيدة الغناء العربي ام كلثوم ،فقد قال البعض أنها بخيله لكن انا من خلال مسيرة عملى بالوسط الفني أرى أنها كانت حريصه وليست بخيله وهناك فرق كبير بينهما،كما أنها كانت انيقه وارتدى اجمل الملابس.

واضاف قاسم :هذا الحرص الذي قد يرى البعض أنه بخل جاء لعدد من الأسباب فهى ابنة الريف التى تعبت في حياتها جدا وجاءت للقاهرة وسكنت الفنادق الكبرى والتقت الملوك والرؤساء وأصبحت سيدة الغناء العربي وخاضت مسيرة من التعب والعمل وبالتالي فهى تدرك معنى ذلك،وكان البعض يستغل شخص ما يتطلب منه المال بأسلوب اقرب للاستغلال.

مع الرئيس جمال عبد الناصر

وعلى كل حال فيكفي أن كلثوم فخر ما قدمته لمصر من دعم لجيشها الوطنى سنوات الحرب أقامت الحفلات في عدد من الدول دون أن تتقاضى شيء وكان لها دور عظيم في إعادة بناء الجيش المصري وهذا يكفي أن نظل نحترمهاونعشق صوتها.

مع مصطفى امين

قصة الخمسة جنيهات التي صنعت الأسطورة

الكاتب الصحفي الكبير مصطفى أمين يروي في كتابه مسائل شخصية أن أحد أفراد فرقة أم كلثوم ذهب يشتكي له منها لأنها رفضت أن تقرضه خمسة جنيهات رغم عمله معها لسنوات طويلة. وعندما واجهها مصطفى أمين بالواقعة قالت بهدوء: “أيوه، رفضت.. علشان بخيلة.”

لكنها ما لبثت أن كشفت سرّ “بخلها” قائلة: “أنا بحب الناس تقول عليّ بخيلة علشان يبعد عني النصابين والطماعين. أما الراجل دا، فكنت عارفة إنه خسر 300 جنيه في القمار، فادّيته درسًا يتعلم بيه قيمة القرش. وبعد ما مشي، كلمت مراته وبعتلها 50 جنيه مع السواق، بس قلتلها ما تقولّوش.”

وهكذا، صنعت أم كلثوم لنفسها “درع البخل” لتحمي كرمها من أن يتحول إلى باب للابتزاز، ولتعلّم من حولها معنى المسؤولية والاحترام للمال.

بين شائعة البخل وواقع الكرم

عام 1951 نشرت مجلة الكواكب تحقيقًا بعنوان أهل الفن بين الكرم والبخل، وأكدت فيه أن المقربين من أم كلثوم يعرفونها كريمة إلى أبعد الحدود، تخصص مرتبات شهرية لأسر فنانين ساعدوها في بداياتها دون أن تُفصح عن أسمائهم كما كانت ترى أن “البقشيش” عادة استعمارية مهينة، وترفض ترك بقايا الطعام على المائدة احترامًا للنعمة.

شهادة من عايشوها

الكاتبة صفية مصطفى أمين روت أن والدها تأكد بنفسه من كرم أم كلثوم الخفي، وأنها كانت تساعد العشرات من الأسر في صمت.

أما الناقد طارق الشناوي فأكد أن من وصفت بالبخل هي نفسها التي جابت العواصم العربية بعد نكسة 1967 مريضةً لتغني دعمًا للجيش المصري، متبرعةً بإيرادات حفلات تجاوزت ثلاثة ملايين دولار، إضافة إلى أكثر من 60 كيلوجرامًا من الذهب جمعتها من الخليج وقدمتها للمجهود الحربي.

ذكاء الريفية ودهاء النجمة

الحقيقة أن أم كلثوم لم تكن بخيلة، بل ذكية ومدبّرة. خرجت من قرية فقيرة  إلى قمة المجد العربي، لكنها لم تنسَ دروس الطفولة التي علمتها أن القرش الذي يُكتسب بعرق الجبين لا يُنفق في عبث، و استخدمت سمعة “البخل” كستار يحميها من المستغلين، بينما كانت في الخفاء تعطي بسخاء دون إعلان،كان كرمها صامتًا، وعطاؤها خفيًا، وإدارتها للمال جزءًا من عبقريتها الإنسانية.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button