مقال اليومآخر خبر

المسيحيّة الصهيونيّة تدعم الاحتلال، فماذا يقول مسيحيّو الشرق

المسيحيّة الصهيونيّة تدعم الاحتلال، فماذا يقول مسيحيّو الشرق؟

روزيا الفار-عمّان

لا بدَّ للفكر التّكفيري، وفي أيّ دين، من أن يقود إلى العنف. وقد عاشت معظم الدّيانات هذه الفترة من التّفكير المُكفِّر. وأوجه العنف كثيرة منها: فرض الدّين على جماعة مختلفة بالمُعتقد. والتّاريخ مليء بأمثلة على ذلك. العصبيّة الدّينيّة. بمعنى الادّعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة والتّفرّد بها وإنكارها على الآخرين. ثمّ التّعالي على الآخر المختلف دينيّاً من منطلق أن يكونوا مثلاً “شعب الله المختار” وسواها من المعتقدات المتطرّفة في ديانات أخرى. كذلك الذّبح كما عند الهندوس وهكذا… وبمثل ما ينطبق هذا التّفكير على الدّين؛ كذلك حاله على السّياسة والتّاريخ والثّقافة. فاستعباد البشر في أفريقيا في حقبة الاستعمار؛ هو أيضاً فكر تكفيري بل إنّ الاستعمار الّذي يدعو للقضاء على شعوب بأكملها بتاريخها وحضارتها؛ هو بحدِّ ذاته تطبيق واضح لهذا الفكر. إنَّ ما عاشته وتعيشه فلسطين من قتل وتهجير قسري وإخفاء معالم للتّراث وتغيير أسماء المدن والقرى وتجويع وتنكيل منذ ال 1948 وحتّى الآن؛ ما هو إلّا فكر تكفيري بامتياز.

 نبذة عن المسيحيّة الصّهيونيّة.

المسيحيّة الصّهيونيّة ليست وليدة الأحداث الأخيرة الّتي نشهدها لا سيّما مع قيام  “دولة اسرائيل” بتقسمِ فلسطين الذي تبنّته الأمم المتحدة عام 1948. بالرّغم من أنّ هذا العام أحدث تغييراً نوعيّاً في مواقف المسيحيّة الصّهيونية وفي نشاطها وخصوصاً في فلسطين، غير أنَّ جذورها تمتدّ لأبعد من ذلك بكثير.

مبدأها الأساس هو عودة المسيح مرّة ثانية وبحكمِهِ للأرض مدّة ألف سنة (الألفيّة). وهناك فترة تُدعى ما قبل الألفيّة تقوم على تهيئة الجو لمجيء المسيح أي إعادة جميع اليهود إلى فلسطين؛ لكونِهِ (المسيح) لن يعود إلّا إلى مجتمع يهودي بحت؛ ولن يظهر إلّا في صهيون (القدس). وهكذا يتمّ تقريب نهاية العالم. هذا المبدأ مع ما يرافقه (المسيح الدّجّال، حكم الألف سنة، معركة هرمجدّون النّهائيّة…) كان من الأمور الّتي شغلت المفكّرين المسيحييّن منذ القرون الأولى؛ وهي ما يسمّى بالعقيدة التّدبيريّة.

إن عدنا لجذور المسيحيّة نرى أنّ المسيح وبولس الرّسول كانا يقاومان النّزعات الرّامية إلى التّهويد والتّعصّب المتطرّف. كما رفض معظم أساقفة الكنيسة في القرون الأولى هذا التّفكير واعتبروه هرطقة (إحداث تغيير بالعقيدة سواء بالحذف أو الإضافة) وأدانوه.

عاد نمط هذا التّفكير للظّهور في القرون الوسطى لدى بعض المفكّرين اليهود ونما بعد طرد اليهود من اسبانيا، وشدّد هؤلاء المفكّرون على أهميّة دراسة العهد القديم من الكتاب المقدس. ثمّ أتت حركة الإصلاح وتبنّت مبدأ اعتبار الكتاب المقدّس مرجعاً أساسيّاً ووحيداً في الإيمان والعمل. وفي غمرة هذا التّرويج للتّفسيرات الكتابيّة ونظام الّلامركزيّة في الكنيسة؛ دخلت ضلالات وكأنّها تعاليم مسيحيّة مقبولة.

كانت بريطانيا أوّل الدّاعين والدّاعمين لقيام هذه الحركة بل واعتبرت نفسها -بفترة ما- إسرائيل؛ حيث طالب أحد أعضاء برلمانها عام 1615 لقيام الحركة في فلسطين، قبل أن يقوم المسيحي الصّهيوني بلفور عام 1917 بإصدار وعده المشؤوم بثلاثة قرون.

ثم لحقت أمريكا بهذا الرّكب في القرنين  18و 19 اعتماداً على حسابات وأرقام وردت في العهد القديم وسفر الرّؤيا.

لم تشكّل المسيحيّة الصّهيونيّة نظاماً لاهوتيّاً واضحاً حتّى النّصف الثّاني من القرن ال20. واعتُبر قيام دولة اسرائيل 1948 تأكيداً على صحّة نظريّة ما قبل الألفيّة وعلى قرب عودة المسيح الثّانية. وجاءت حرب 1967 والاستيلاء على القدس، -حيث أصبحت بأكملها تحت سيطرتهم- تعزيزاً لذلك الاعتقاد والاقتراب من الأزمنة الأخيرة.

اعتمدت إسرائيل بعد منتصف السّبعينات؛ برامج سياسيّة صهيونيّة استُغلّت فيها أفكارٌ توراتيّة، وتم انتخاب رؤساء أمريكييّن بالاعتماد على أصوات إنجيلييّن أُصولييّن مثل جيمي كارتر ورونالد ريغان، وتمّ افتتاح السّفارة المسيحيّة الدوليّة في القدس 1980 كمؤسّسة صهيونيّة مسيحيّة ترى  في دولة اسرائيل تحقيقاً لنبؤة كتابيّة وعودة شعب الله المختار إلى أرض الميعاد وتدعو جميع المسيحييّن الّذين يحبّون الكتاب المقدّس للنظر إلى العهد القديم على أنّه التّاريخ الوحيد الصّحيح لمنطقة الشّرق الأوسط، وبأنّ عودة المسيح الثّانية مرتبطة حتماً بدعم دولة اسرائيل اليهوديّة، وبأنّه لا يمكن القضاء على عداء السّاميّة ومحاربة “محور الشّر” -الإسم الّذي أطلقه الأمريكان الصّهاينة على كلّ مَن هم ضدّ اسرائيل- إلّا بإقامة دولة إسرائيل ولليهود فقط وبفلسطين. وكان الاهتمام بالشّعب اليهودي وحقِّه بالعيش بسلام وحماية دولته وخصوصاً القدس، أهمّ ما سعت إليه تلك المؤسّسة.

وفي عامي 1985 و1988؛ عقد المؤتمران: الأوّل، في بازل السّويسريّة، وبالقاعة ذاتها الّتي عقد فيها ثيودور هيرتزل مؤسّس الحركة الصّهيونيّة السّياسيّة الحديثة، المؤتمر المسيحي الصّهيوني الأوّل عام1897. والثّاني، في القدس بالذّكرى الأربعين لقيام إسرائيل، جمع الأخير أكثر من 6000 مسيحي صهيوني من 100 دولة وتزامن مع إعادة انتخاب نتنياهو رئيساً للوزراء، الأمر الّذي اعتبروه برهاناً على وجود الله في السّماوات.(حسب اعتقادهم).

لهذه العقيدة المتشدّدة والحرفيّة؛ تبعات سياسيّة تخصُّ الأرض والشّعب والعلاقة المترابطة بينهما. منها:

  • إيمان المسيحيّة الصّهيونيّة بأنّ الله دعاها لدعم ومساندة اسرائيل دون قيد أو شرط.
  • إنّ بإمكان كلّ من يؤمن بحقيقة الكتاب المقدّس؛ رؤية الارتباط الّذي لا يمكن فصم عراه بين المسيحيّة ودولة إسرائيل الحديثة.
  • إعادة تكوين دولة اسرائيل عام 1948 هي بالنّسبة لكلّ مسيحي مؤمن بالكتاب المقدّس تحقيقٌ لنبؤة وردت في كلّ من العهدين القديم والجديد.

تبعها مناشدة للدّول لإقامة سفاراتها في القدس للتّأكيد على ربطها بشعبها (الخالد) حسب ما يدّعون.

 موقف الكنائس المسيحيّة العام من المسيحيّة الصّهيونيّة.

لا تستطيع الكنائس المسيحيّة بطوائفها الرّئيسة الثّلاث: الكاثوليكيّة، الأرثوذكسيّة والبروتستانتيّة في العالم إلّا أن تأخذ موقفاً واضحاً وصريحاً رافضاً لتلك العقيدة الدّينيّة المتشدّدة وعلى عدم الاعتراف بها ككنيسة أو حتّى كتجمّع كنسي، باعتبارها خارجة عن تعاليم المسيح الدّاعية  للسّلام والمحبّة وللتّسامح وقبول الآخر والّتي تنظر لجميع النّاس نظرة متساوية لكونهم قد خُلِقوا على صورة الله ومثاله ولا فرق بينهم وكلّهم أخوة متساوون أمام أبيهم السّماوي.

ومن بعض المواقف الرّسميّة الرّافضة؛ يقول مجلس كنائس الشّرق الأوسط في بيان له صدر عام 1985:

  • أنّنا ندين استغلال التّوراة واستثمار المشاعر الدّينيّة في محاولة لإضفاء صبغة قدسيّة على إنشاء إسرائيل ولدمغ سياستها بدمغة شرعيّة.
  • إنَّ المسيحيّين الصّهاينة لا يعترفون لكنائس الشّرق الأوسط بتاريخها وبشهادتها وبرسالتها الخاصّة ويحاولون زرع رؤية لاهوتيّة غريبة عن ثقافتها ومعتقداتها.
  • لا نوافق على ما تقوم به هذه الجماعة لهذه الصّهيونيّة المبنيّة على الأساس الّلاهوتي، ونحن طبعاً ضدّ هذه المعتقدات جملة وتفصيلاً وخاصّة أنّها تقسّم التّاريخ إلى سبع حقبات تاريخيّة وتفترض وجود فصل بين اسرائيل، الّتي تعتبره الشّعب اليهودي، وبين الكنيسة الّتي هي شعب الله في السماء. هذه الجماعة تؤمن أنّ الأرض ملكٌ للشّعب اليهودي وللأبد.

ومن هذا المنطلق؛ صرّح رياض جورجي، الأمين العام لمجلس كنائس الشّرق الأوسط، بأنَّ مجلس الكنائس الوطني الأمريكي في نيويورك مع مجلس الكنائس العالمي في جنيف؛ ندّدوا بتصريحات ( فولويل وبات روبرتسون) وهما من أشهر ممثّلي المسيحيّة الصّهيونيّة وداعميها، وبعدم قبولها. ثمّ أنَّ الكنائس المسيحيّة بطوائفها الرّئيسة الموجودة في أمريكا لا تتعامل مع المسيحيّة الصّهيونيّة وتقاطعها وترفض فكرها رفضا تامّاً وتعتبره فكراً دخيلاً عليها مع رفض استقبال أيٍّ من قياداتهم أو زوّارهم. وكما رفضت أفكارهم داخل أمريكا؛ كذلك رفض الفاتيكان مساعيهم وتحالفاتهم السّياسيّة مع الصّهيونيّة اليهوديّة لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وأنّ ذلك سيلحق ضرراً بمسيحيّي الشّرق. وفي 15/5/2022 وجّه الفاتيكان مذكّرة رسميّة لعصبة الأمم تنتقد قيام وطن قومي لإسرائيل بفلسطين وبأنّه لا يمكنه أن يوافق على منح اليهود امتيازات على غيرهم من السّكان.

أمّا رفض الكنيسة الفلسطينيّة من المسيحيّة الصّهيونيّة، فهو الأهمّ، حيث الأمر يختصّ بالعقيدة ولأنّ معظم التّبعات السّياسيّة تهمُّ أرض فلسطين ولها انعكاسات دينيّة ووطنيّة وسياسيّة على الصّراع العربي الإسرائيلي. والموقف الأهم هو ما أصدره رؤساء الكنائس المسيحيّة في القدس والذي قال: “إنَّ الهيئة الّتي تدعو نفسها السّفارة المسيحيّة الدّوليّة لا تمثّل كنائسنا في هذا البلد ولا تستطيع تمثيل غالبيّة المسيحييّن في العالم. إنّنا لا نعترف بهذه السّفارة ولا بنشاطاتها ولا بمؤتمراتها. وبما أنّ المسيح وهدى الإنجيل ونوره إنطلقوا من هذه الدّيار حيث نمثّل نحن ديانتنا المقدّسة ونجتهد في تكريم المقدّسات والمحافظة عليها، فإنّنا لسنا بحاجة إلى أناس يأتوننا من الخارج ليتحدّثوا أو يتصرّفوا بإسمنا وخصوصاً أنَّهم غير واعيين لواقعنا. ونرفض أيَّ تفسير سياسي للكتب المقدّسة. ولا مجال لأيدولوجيّات مسيحيّة صهيونيّة متحيّزة تشكّل تشويهاً خطيراً للإيمان المسيحيّ بل يتوجّب على جميع مسيحيّي العالم رفض كافّة أفكار التّفوّق لشعب معيّن على غيره من بقية الشعوب ضمن خليقة الله.”

كما جاء على لسان المطران عطالله حنّا ممثّل الكنيسة الأرثوذكسيّة والكنيسة المشرقيّة بشكل عام -والّذي وصفها بالمجموعات المتصهينة الّتي تدّعي المسيحيّة- نحن لا نعترف بشيء إسمه الكنيسة المسيحيّة الصّهيونيّة للتناقض الكبير بين تعاليم المسيح الرّوحيّة والإنسانيّة وما تقوله وتقوم به تلك الكنيسة/المجموعات من عنف واحتلال وإجرام؛ حيث هذه الجماعة أداة مسخّرة لخدمة المشروع الصّهيوني. واستشهد بقول البابا شنودة، بابا الأقباط بمصر: “إنّ هؤلاء احتلّوا فلسطين بوعدٍ من بلفور وليس بوعدٍ من الله”.

وممّا جاء في كلمة للبطريرك الّلاتيني، ميشيل صباح: “من أراد أن يكون أميناً لإيمانه ولكلمة الله؛ يجب أن يحرّر نفسه من جميع الضّغوط الواعية والّلاواعية النّاجمة عن الانتماءات والمواقف السّياسيّة الرّاهنة. كلمة الله يجب أن تكون نوراً ودليلاً وليس أداة صراع مع أو على أيّ طرف ولا يجوز إخضاع الكتاب المقدّس للاستغلال السّياسي وإهمال جوهره ورسالته الّتي أتى من أجلها. الأرض ملك لله، وشعب إسرائيل نزيل فيها.

نرى بالمحصّلة أنّ هناك تصادماً جذريّاً بين مفهوم المسيحيّة وبين مفهوم المسيحيّة الصّهيونيّة، لا بل أن المسيح رُفِض وصُلِب من اليهود لأنّه لم يرد أن يكون صهيونيّاً وملكاً على الأرض؛ وقد أظهر ذلك بوضوح في محاكمته أمام بيلاطس البنطي عندما قال: “مملكتي ليست بهذا العالم بل في السّماء”.

المصادر: موقع www.abouna.orgأبونا كانون ثاني 2018.

www.Christianitytoday.com

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button