ثقافة ومنوعات

هل فكّرت بأنك تعيش في الحياة الخطأ؟

ديانا غرز الدين

هل تساءلت مرة عن مكان وجود الحياة ؟ و هل خطر لك اننا قد نكون نحيا حياتنا في الزمان او المكان الخاطئين؟ و اننا في زمن اخر او مكان اخر ، وأنه كان يمكن ان تكون لنا  حياة اخرى تختلف عن حياتنا الراهنة ؟. هل دار صراع مدو في داخلك اشعرَك بتوقٍ لملء فراغ حياتك عن طريق خلق و عيش حياة خاصة بك من خلال الاحلام او كتابة الاشعار او الرسم و محاولة إثارة اعجاب الاخرين كي تشعر بالقليل من الرضا عن نفسك؟ و هل جاهدت للتحرّر من قيود حب خانق و ناضلت كي تجد مكانا و تجد نفسك و ” أناك” اي الانا الخاصة بك في عالم ينظر إليك باستخفاف يدفعك للثورة على ذاتك قبل ثورتك على الاخرين؟

 ربما ستجيب بنعم، او بلا؟ ولكن الأكيد ان الناس كافة يتأسفون لعدم تمكنهم من عيش حيوات اخرى غير عيشتهم الوحيدة الفريدة، أتريدون أنتم ايضا ان تعيشوا كل حيواتكم الافتراضية التي لم تتحقق؟ كل حيواتكم الممكنة؟ فروايتنا تشبهكم، هي ايضا تتوق لان تكون روايات اخرى، تلك التي كان من المحتمل ان تكونها، ولم تكنها.”

لا يمكن لغير رائعة كونديرا الادبية ” الحياة في مكان ٱخر” ان تنقلنا الى عالم الشعر والموسيقى و الفن على خلفية احداث سياسية و اجتماعية حدثت خلال و بعد الحرب العالمية الثانية في تشيكوسلوفاكيا من خلال اسلوب هزلي ساخر سلس و جذاب يتميز به الكاتب حيث يجعلنا نقع اسرى ابطال روايته المتقلبي المزاج فننفر منهم حينا و نعجب بهم احيانا..

في هذه الرواية الممتعة جعل كونديرا من البطل الاساسي انساناً محكوما بالبله والسطحية وبشخصية مبتذلة تافهة تجعل مشاعرنا تختلط بين الاشفاق عليه وكرهه.

تحكي الرواية حياة شاعر شاب من لحظة ولادته التي كانت وهم وغلطة واصبحت واقعا لا مفرَّ منه.  فهو وُلِدَ نتيجة نزوة فتاة وطيش مهندس شاب فكانت الضريبة ان فقدت الام روحها في زواج خال من الحب وما لبثت مشاعرها الجارفة ان تحولت الى طفلها الذي وجدت فيه تعويضا عن حب زوجها المفقود و الذي كان مصدر فخرها منذ نعومة اظفاره بسبب كلماته الاكبر من سنه، فأحكمت قبضتها عليه و خنقته بحبها حتى مماته.

“ياروميل المسكين، لن تتخلص ابدا من هذا الاحساس، ستجوب العالم مثل كلب مقيد بحبل طويل! و حتى عندما تكون مع النساء، و تنام معهن في السرير، ستشعر بالرباط الطويل يطوق عنقك، و أمك تمسك بطرفه في مكان ما، و ستعلم من اهتزاز الحبل في يدها بما تاتي من حركات خليعة.”

نشأ الشاعر وشب على شخصية خاوية مغرورة وفظة.  و كان لخلو حياته الرتيبة من الاحداث و المفاجآت دورٌ حاسمٌ في ميله الى الاحلام و الشعر اللذين كانا يُغنيان حياته الفارغة بمغامرات و قصص وهمية جعلته يحصد اعجاب الاخرين غير امّه التي كان يناضل للتحرر من قيودها.

خنقه ايضا حبه لفتاة لا يجدها جميلة جعلته يضيع بين الحب الحقيقي ومتطلبات الجسد فصارع للتحرر من تعلقه بها. شبّ شاعرنا في ظل نظام ديكتاتوري قمعي وتأثر بأفكار أستاذه الرسام فتبنى شعارات الثورة الشيوعية وايديولوجيتها وحارب بأسلحة الحب والشعر والثورة لكن صوت الرسام واشعار بطلنا بدأتا ايضا بخنقه كما خنقه حب امه وفتاته القبيحة.  

هي رواية ثورية، ثورة على الذات في الدرجة الاولى ورفض ماهيتنا المزيفة والبحث عنمّا يمكن ان نكونه بصدق. قد اعطى الكاتب للرواية معتقداته في السياسة والفكر وفي الفن والموسيقى. وهي ثالث عمل أدبي له.

 ولد ميلان كونديرا الكاتب والفيلسوف والشاعر عام ١٩٢٩ وهو فرنسي من أصول تشيكية انصهر في وقت ما مع الشيوعية (عام ١٩٤٨) ثم طرد منها مرارا، فلا يمكن للمرء ان يكون حرا بفنه و شعره و فكره في ظل نظام يضع قيودا خانقة. بعد ان طرد من الحزب الشيوعي عام ١٩٧٠ اضطر للهجرة الى فرنسا عام ١٩٧٥ وحصل على الجنسية الفرنسية بعد ان أسقطت عنه جنسيته التشيكية بسبب رواية. هو عضو في الاكاديمية الاميركية للفنون والعلوم و نال عشرات الجوائز عن اعماله. أبرزها و اكثرها رواجا هي روايته الشهيرة ” خفّةُ الكائن التي لا تُحتمل” و هي من اجمل اعماله و من اصعبها نقدا و قد حولت الى فيلم فرنسي يحمل نفس العنوان.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button