افتتاحيةآخر خبر

الحزب: الاستراتيجيا أهم من الرئيس

حزب الله: الاستراتيجيا أهم من الرئيس.

 سامي كليب:

استبقَ حزبُ الله مؤتمر باريس الخُماسيّ حول لُبنان، فرفع لهجة التحذير، وقال النائب عن حزب الله حسن فضل الله:” لو اجتمعت كلُّ دول العالم لتفرض اسمًا على اللبنانيين، لن تستطيع أن تفعل ذلك، وإذا اتَّفقت غالبيّة المجلس النيابي على اسم وطني، فإنَّها تستطيع أن تفرضه على الداخل والخارج، وأن توصله إلى الرئاسة”، ماذا يُريد الحزبُ فعلاً من الرئاسة والسياسةِ في لُبنان؟

مؤتمر باريس الذي ضمّ ممثلين عن الولايات المتحدة الأميركيّة وفرنسا والسعوديّة ومصر وقطر، لم يُصدر مواقفَ حاسمة ولا حازمة، وذلك لأنّه بالأصل مؤتمر تشاوريّ ولأنّ قراراته غير مُلزمة، لكنّه جمع دولاً كانت سابقًا خلفَ مؤتمر “الدوحة”، ثاني المؤتمرات بعد ” الطائف”، وهو سيُستكمل باجتماعات أرفع مستوى لو استمرّ التعقيد سيّد الموقف في لُبنان.

وكي نفهمَ موقف حزب الله الذي رفع لهجته على الأقل على لسانِ ثلاثةٍ من مسؤوليه (محمد رعد، حسن فضل الله، نبيل قاووق) عشيةَ المؤتمر الباريسي، يجب توسيعُ دائرةِ البحث، ذلك أنّ مواقفَ الحزب، لا تُعبّر دائمًا عن ردّة فعلٍ داخلية، بل عن رؤية استراتيجية أوسع. فهذه المواقف تزامنت مع رفع اللهجة الفرنسية ضدّ إيران وسوريا، حيث وصفت وزيرة الخارجيّة كاترين كولونا، طهران بلعب دورٍ تخريبي في المنطقة وهدّدت بموقف حازم ضد برنامجها الإيراني، وقالت عن الرئيس السوري بشّار الأسد إنّه ” كاذب”، ونعتت النظام اللبناني ب ” الفاشل” محمّلة قادته السياسيّين مسؤوليّة هذا الفشل.

الواقع أنّ الحزب الذي يعتبر أنّه قدّم خيرة شبابه في الحرب السوريّة، وقاتل أشرسَ مجموعات تكفيريّة في سوريا ولُبنان، لا يُمكن أن يتصرّف من موقع ” المهزوم” في الداخل اللُبناني، ولن يقبل بالتَّالي أيّ قرارات قد تناقضُ مشروعه السياسي و ” الجهادي” في الداخل أو الخارج. هو يرى أنّه سار في مشاريع ترفُضُها ايديولوجيته، مثل ترسيم الحدود البحريّة، كي يُسهّل الحلول الاقتصاديّة لبلد منهار، وتجنّبًا لتعرّضه للاتّهام بعرقلة المشاريع الانقاذيّة.

لا يُمكن فهمُ تفكيرِ حزب الله الاّ من هذه الزاوية، أيّ من خلال استراتيجيّته الأوسع في المنطقة. بمعنى أوضح، هو يعتبر نفسه ومحوره منتصرين في 3 مسائل أساسيّة: أولاها، ضرب المشروع الأطلسي في المنطقة خصوصًا عبر منع سقوط الرئيس بشار الأسد، وعدم هزيمة الحوثيّين في اليمن، وفرض واقع عسكريّ سياسي مغاير في العراق، والدخول بقوّة على خط الداخل الفلسطينيّ، وثانيتُها التأسيس لتوازن ردعيّ مع العدوّ خصوصًا عبر منظومة الصواريخ والمسيّرات، وثالثتُها، الانخراط في توازن عالميّ من خلال تحالفات إيران الواسعة حاليًّا مع روسيا والصين وما أثمره ذلك من دعمٍ إيرانيّ عسكري لفلاديمير بوتين في أوكرانيا.

لا يُفكّر الحزب بردود فعلٍ آنيّة الاّ حين يُضطرُّ لذلك، كمثل الوقوف ضد انتفاضة تشرين 2019 في لُبنان (حين شكّ بأنّها مؤامرة ضدّه)، أو مهاجمة القاضي طارق بيطار بعد تفجير المرفأ ( حين ذكّره بمرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري) وغير ذلك. هو يتبع استراتيجيّة دقيقة تقوم على مجموعة من الثوابت التي لم ولن تتغيّر في سياق ترسيخ أقدامه واقدام المحور الذي ينتمي إليه، ويطبّقها على مراحل، تارة بالتفاوض والاقناع والاغراء وغضّ الطرف، وتارة أخرى بالقوّة، ورفع الصوت والتهديد والوعيد.

انطلاقًا من ذلك، فإنّ الحزبَ سيعمل على إيصال الرئيس الذي تتفق استراتيجيته معه مهما كلّف الأمر ومهما طال الانتظار. ويمكنه أن يذهب الى صفقة أو تسوية على اسم غير سليمان فرنجيّة في حالة واحدة، وهي أن يكون المُرشّح الآخر المُقترح منسجمًا مع استراتيجيته أو على الأقل لا يقف في وجهها، مع ضماناتٍ أكيدة تتعلّق أيضا بالحكومة العتيدة وقيادة الجيش وغيرها.

ليس اسم سليمان فرنجيّة مُقدّسًا في هذه المرحلة عند الحزب، والاّ لكان قال اليوم كما قال قبل سنوات عن ميشال عون، إنّ سليمان فرنجية مرشّحُنا الوحيد. المُقدّس والثابت بالنسبة له، هي الاستراتيجيّة الأوسع، وحولها فقط يمكن التفاوض والمناورة مع الجميع. فرئيس الجمهورية في لُبنان هو من أسس استراتيجيّة الحزب ولا يُمكنه بالتالي الإيحاء بالضعف أو التنازل مهما طال وقت الرئاسة.

يتوافق موقف الحزب اليوم مع حليفه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي لا يُريد مهما تأخر الوقت أن يكون لرئيس التيار الوطني جبران باسيل أي بصيص أمل بالرئاسة أو بالتأثير عليها، وعلى الأرجح هو تمامًا كالحزب ورئيس الحزب التقدميّ الاشتراكي وليد جنبلاط، لا يحبّذون وصول قائد الجيش الى رئاسة الجمهوريّة، كلّ من أسبابِه الخاصّة.

باختصار، إنّ حزبّ الله بعد الحرب السوريّة، ليس كما قبلها، والذي ينتظر منه تنازلات، ربما يُحارب طواحين الهواء، خصوصًا الآن، أي مع ارتفاع لهجة الأطلسي وإسرائيل مُجدّدا ضد إيران.

لُبنان مُهمّ لحزب الله كجزء من الاستراتيجيّة الأوسع، ليس الاّ. وهو بالتالي يحسب كما إيران أنّ خطر حرب أوسع مع اسرائيل ما زال كبيرًا. هذا هو الأهم. وهنا تكمن معضلتُه، ذلك أنه صار كما الأحزاب والزعامات السياسيّة الأخرى في لُبنان يتحمّل وزرَ معاناة شعبٍ لم يتعرّض مثلُه شعبٌ في العالم لكلّ هذا الظُلم والحرمان من أدنى مقوّمات الحياة. فهل ينجح في التوفيق بين استراتيجيته وبين مطالب الناس؟ السؤال مهم اذا ما نظرنا الى كل التجارب المسلّحة السابقة في لُبنان من لُبنانيّة وفلسطينيّة.

 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button