افتتاحية

            هل يحين زمن التفاوض بعد الطوفان؟

            هل يحين زمن التفاوض بعد الطوفان؟

سامي كليب

في اليوم الرابع لطوفان الأقصى، دخل جيشُ الاحتلال الإسرائيلي في حرب الأرض المحروقة انتقامًا من غزّة ومقاتليها ومدنييها، فلم يميّز بين مقرِ قيادة ومستشفى ومسجد وبيوت الناس الآمنين والزملاء الصحافيين. وبعد استدعاء 300 ألف جندي احتياطي، وإعلان وزير الامن القومي الإسرائيلي عن تسيير رحلات من الخارج تحمل جنودَ احتياط، كشف عن شراء أكثر من عشرة ألاف بندقية لتوزيعها على المواطنين، ما يشي بأن الحرب طويلة وستزداد تعقيدا واجرامًا.

 الفصائل المقاتلة من جانبها مستمرّة في ما بدأته، وهي تعِد وتتوعّد بالمزيد وتواصل الاختراقات، ولم يكن القصف غير المسبوق لعسقلان واختراقها عبر البحر بالأمر العادي.  أما الاختراقات المتقطّعة عند الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة فهي وإن اقتصرت الآن على حدود الإنذارات المُتبادَلة، فقد تنتقل الى فتح جبهة حقيقيّة ما لم تنجح الوساطات في لجم اندفاعة بنيامين نتيناهو وحكومته التي انضمت اليها المعارضة، نحو الاجتياح البريّ. فالمحور الذي تقوده إيران يعتبر ذلك خطًّا أحمر، وهو مستعد لفتح جبهتي جنوب لُبنان وسورية لو احتاجت كتائب القسّام ذلك وفق ما قال لنا أحد قياديي الحركة في لُبنان علي بركة وكذلك العميد السوري تُركي الحسن.

حركةُ حماس دعت إلى ما أسمته “النفير العام” ليوم الجُمعة، وحثّت في بيانِها الشباب الفلسطيني “للانتفاض والخروج في حشود هادرة، والاشتباك مع الاحتلال في عموم الضفّة الغربية والقدس المُحتلّة.”

 واشنطن تعاملت مع إيران في الأيام الأربعة لهذه الحرب، أولاً من باب التحييد حين قال وزير خارجيتها أنتوني بلينكن “إن لا مؤشراتٍ فعلية عن وقوف إيران خلف طوفان الأقصى”، وثانيا من باب الوعيد، حيث قال  تشارلز براون الرئيس الجديد لهيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة  الأميركية   “نريد أن نبعث برسالة واضحة للغاية. لا نريد أن يتوسع هذا الصراع، ونريد ان تصل رسالتُنا إلى أيران بصوتٍ عالٍ وواضح ” . وهو ما كرّره على نحو غير مُباشر أمس الرئيس جو بايدن داعيًا إسرائيل للرد بحزم على حماس ومُهدّدا باستخدام كل الوسائل لو حاولت دولة أو طرف استغلال ما يجري حاليًّا، وهو بطبيعة الحال يتوجه بالتحذير خصوصًا الى إيران والحزب.

الرسالة وصلت على ما يبدو قبل أن تُعلن، وكان الجواب الإيراني أنّ كلّ ما يحصل حتّى الان هو عملٌ فلسطيني، فمُرشد الجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي قال : “إننّا نُقبّل جبين وأيادي مخططي ومنفذ عملية طوفان الأقصى، ومَن يقولون إنّه عمل غير فلسطيني، فهم عالقون في حسابات خاطئة، وإنّ الشباب الفلسطيني هو الذي صنع هذه الملحمة التي ستكون خطوة كبيرة لإنقاذ فلسطين،  وحذّر خامنئي من أن هذا الكيان وقادتَه وداعميه ان مواصلة الجرائم ستُلحق بهم بلاء أكبر وان الردّ سيكون صفعة أثقل”.

نحن ما زلنا إذًا في باب التحذيرات المُتبادلة القابلة للانتقال الى مستوى أعلى وربّما سريعًا، فماذا لو اشتدّ الخناق على غزة، هل يتحرّك المحور بقيادة إيران، وماذا لو انزلقت الأمور وخرجت عن بعضِ ضوابِطها كما حصل في اليومين الماضيين بين حزب الله وإسرائيل؟

الواضح أننا ما زلنا في ذروة الحرب، وهي مفتوحة على كل الاحتمالات، داخليًّا لو توسّع مجالُها الى الضفة والقدس وغيرها ، وخارجيًّا لو انتقلت الى حرب محاور، لكن هل يحين وقتُ التفاوض؟

لنتذكّر أنّه بعد حرب ثلاثة وسبعين، وُقّعت اتفاقية السلام الإسرائيلية المصرية، وبعد الانتفاضة الأولى وحرب الخليج الأولى جاء زمنُ مدريد ثم أوسلو، وبعد حرب 2006 على لُبنان، حصل تفاوضٌ سوريٌ إسرائيلي منذ نهاية العام 2007 .

كيفَ يُمكن التفكيرإذًا بعدم التفاوض لاحقًا، بينما إسرائيل كشفت على لسان سفيرها في الأمم المتحدة أن عدد الاسرى الإسرائيليين عند المقاومة يتراوح ما بين 100 و 150 أسيرًا، بينما ذهب بعضُ إعلامِها الى الحديث عن 200 قتيل؟

ثمة تحليلات تقول أن لا تراجُع ولا تفاوض اسرائيليًا قبل تدمير كلّ بُنية حماس لإخراجها من اللُعبة والمعادلة، وتعتقد إسرائيل أنّ مثل هذه الخطوة قد تخدم أطرافًا كثيرة وبينها عربيّة تناهض حماس والاخوان المسلمين، وأخرى تؤكد أنّ نتيناهو الذي كاد يسقط قبل الحرب بتُهمٍ فسادٍ كثيرة وصار رهينة الأحزاب الأكثر تطرفًا وتديُنًا وتعصُّبًا، وهرب باتجاه توسيع وعود التطبيع، يُدرك أنّه حتّى لو جذب المعارضةَ مؤقّتا إلى الحكومة لمواجهة الحرب، فهو قد يتعرّض لحسابٍ قاسٍ لو خرج من الحرب بلا انجازاتٍ  بالدم الفلسطيني؟  لذلك فالأولوية بالنسبة له الآن ، هي استكمالُ حرب الأرض المحروقة، وذلك فيما حرائق الضمير العالمي تتواصل من خلال بياناتٍ غربيّة تدعم إسرائيل، ومحاولةَ تشبيهَ طوفان الأقصى بالعمليات الإرهابية التي وقعت في ذاك الخريف من العام 2001 على برجي التجارة في نيويورك. وكأنّما في الأمر تمهيدٌ لاجتياح غزّة كما اجتيح العراقُ بناء على كذبتي أسلحة الدمار الشامل وتعاون صدّام حسين مع القاعدة.

هو اجتياح آتٍ لا محالة، يقول الكثير من المحلّلين، ذلك أن صورة إسرائيل بحاجة الى ترميم بالدم الفلسطيني بعد ما أصابها من نكسة لم تعهدها منذ احتلالها الأرض عام 1948 في كل الحروب العربيّة الاسرائيليّة. ويقولون أيضًا أنّ زمن التفاوض سيأتي بعد المجزرة الكُبرى التي تستعد لارتكابها بغطاء غربيّ واضح، ودعم أميركي أوضح.

لذلك ارتفع الصوت العربي، خصوصًا بعد التصريحات الإسرائيلية الوقحة باحتمال تهجير سكان غزّة الى مصر وسكان الضفّة الى الأردن. وهذا بالضبط ما دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للتحذير والحديث عن الأمن القومي المصريّ.  وكذلك ارتفع الصوت داعمًا للقضية الفلسطينية من السعوديّة التي كان نتنياهو قبل الحرب يُمنّي نفسه بعقد معاهدة تطبيع سريعة معها. وما سرعة الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية الدول العربيّة سوى محاولة للجم اندفاعة إسرائيل الدموية، والضغط على الغرب، وربما أيضًا لسحب البساط من تحت أقدام إيران وحلفائها، واستعادة المبادرة العربيّة استعدادًا لتفاوضٍ لاحق.

لو أضفنا الى كلّ هذا لعبةَ المحاور الإقليمية والدوليّة، فإنّ الحرب تبدو، على الأقل حتّى الساعة، مُنذرة بالأقسى والأخطر، خصوصًا إذا ذهبت باتجاه فتح الجبهات مع وصول حاملة الطائرات الأميركية، وفي ظل الاعتراض العلني من الصين وروسيا على ما يجري والدعوة للعودة الى السلام وحل الدولتين وقيام دولة فلسطينيّة. فثمة رؤوسٌ متطرّفة في إسرائيل تعتبر (سياسيًّا وعسكريًّا وايديولوجيًّا ودينيًّا) أنها في لحظة تاريخيّة تتطلب الحرب الحاسمة، وثمة محورٌ يواجهُها يستعدّ لمثل هذه الحرب الكُبرى، وفي استعداداته أيضًا بعدٌ دينيٌ أيديولوجي حول نهاية التاريخ.  

مهما كانت نتيجة ما حصل، فالدرس المُستخلص حتّى الآن، هو أنّ لا احتلال يستطيع ترويضَ شعبٍ يُريد الحريّة، وأنّ القضاء على جيلٍ سيؤدي الى ولادة جيلٍ آخر أكثر تمسُّكًا بالأرض، وأكثر رفضًا لنظام التمييز العنصري والسجن الكبير والقمع والاذلال. ولذلك فإنّ القضيّة تبقى حاضرة ومُشرقة من خلال الشباب الفلسطينيّ أولاً وأخيرًا حتّى لو أن أطرافًا أخرى دعمت وناصرت. فهذا الجيل هو الذي أصاب إسرائيل بنكسة كُبرى وهو الذي ستضطر لمفاوضتِه عاجلاً أم آجلاً حتّى لو قتلت كلّ أهله.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button