روايةٌ عن شاعرة عزلت نفسها في غرفة فأبدعت
ديانا غرز الدين
” الشعر هو مجرد دليل على الحياة، اذا كانت حياتك تحترق، فالشعر هو الرماد.”
هذا ما قاله شاعر من مونريال بعد مائة عام على وفاة إميلي ديكنسون.
” بمجرد ان تغلق إميلي باب غرفة نومها خلفها و تدخل الى الصمت، تبدأ في سماع الصوت الذي يتحدث، او لا يتحدث، في اعماق رأسها.
فهي عندما تغلق باب غرفتها، تشعر بأنها اغلقت باب الكون، و تستعد للإبحار في عالمها الخاص.”
” قد عاشت منذ فترة طويلة في منزلها الورقي الخاص، لا يمكن للمرء ان يمتلك الحياة و الكتب معا، الا اذا اختار الكتب بدلا من الحياة الى الأبد، ليسجل حياته فيها.”
” انها لا تكتب حتى يلاحظها الآخرون، تكتب لتشهد و تؤرخ: “هنا عاشت زهرة، لمدة ثلاثة ايام، في يوليو عام …. قتلت بسبب زخات المطر. كل قصيدة هي قبر صغير أقيم لذكرى شيء غير مرئي.”
هذا بعض مما كتبته الكاتبة و المؤلفة الكندية دومينيك فورتييه في كتابها “بيوت من ورق” الفائز بجائزة رينودو للأدب عام ٢٠٢٠. و هي جائزة أدبية مرموقة تمنح للرواية المكتوبة باللغة الفرنسية. اما الرواية فهي سيرة حياة احدى ابرز الاسماء في الادب الاميركي، الشاعرة الاشهر في القرن ال١٩, إميلي ديكنسون ، شاعرة العزلة التي كانت تكلم زوارها من وراء باب غرفتها. الرواية تغوص في اعماق شخصيتها، و هي التي اختارت حياة الوحدة، و ترافق تفاصيلها المثيرة للتأمل، حيث انها لم تتلق اي تقدير خلال حياتها القصيرة نسبيا” ١٨٣٠-١٨٨٦”.
و لم يتم الإعتراف بها و نشر قصائدها الا بعد موتها. و قد كتبت اكثر من ١٨٠٠ قصيدة نشر منها ١١ فقط خلال فترة حياتها.
“عندما كانت فتاة صغيرة، و كانت أمها تعاقبها بحبسها في غرفتها و حرمانها مما يحبه الاطفال، لم تكن الام تلاحظ بعد انتهاء عقوبة إميلي ان ابنتها غالبا ما كانت تشعر بالأسف لانتهاء فترة عزلتها، ربما هي لا تعرف ابنتها بما يكفي لتعتقد ان حبسها بعيدا في صمت، وحيدة بافكارها، لا يمكن ان يكون عقوبة.”
” قال الناس، انها في البداية لم تعد تذهب الى المدينة، ثم عزلت نفسها في الحديقة، ثم اصبحت بالكاد تغادر المنزل، ثم الطابق الثاني، و أخيرا سكنت غرفة نومها لا تغادرها الا عند الضرورة القصوى.”
عانت إميلي من مشاكل نفسية جعلتها تختار حياة العزلة . و قد كان لفقدانها العديد من افراد عائلتها الدور الحاسم في ابتعادها عن الناس. لم تكن حقيقة تؤمن بوجود الرب، لكنها آمنت بالطبيعة و النبات و الطير. كانت مرهفة الحس عميقة الشعور، تغوص في اعماق الاشياء و تبني عالمها الخاص من الحبر و الورق . و قد تركت خلفها حياة و قصائد جديرة بالتأمل و الاعجاب، ما دفع الكاتبة الكندية ان تصدر روايتها بعد الكثير من دراسة شخصية إميلي و العودة الى زمنها، و زيارة مسكنها الذي تحول الى متحف في مدينة امهرست الأميركية .
بدا واضحا تأثر الكاتبة بشخصية الشاعرة . و قد مررت شذرات من حياتها الخاصة في سياق الرواية، بين مونريال و بوسطن حيث عاشت هي و زوجها و ابنتها. تشاركت مع إميلي تعلقها بالاماكن التي تسكنها و التي تترك بها جزءا من روحها.
من اقوال إميلي الشهيرة: ” الأمل هو شيء مكسو بالريش، يجثم في ارواحنا، و يغني اغان بدون كلمات، لا يتوقف ابدا”
صدرت الرواية مترجمة الى العربية عام ٢٠١٨ عن دار العربي .