زلزال المغرب،بين خطاب العقاب الإلهي والرحمة
زلزال المغرب..بين خطاب العقاب الألهي والرحمة.
أيمن مرابط – الرباط
لا تزال جهود الإنقاذ والإغاثة في المناطق المتضررة جراء الزلزال المدمر بالمغرب مستمرة بعد مرور خمسة أيام على الفاجعة، ارتفعت حصيلة القتلى والجرحى في إقليم الحوز مركز الزلزال حيث لا يزال البحث بين الأنقاض جاريا للعثور على المفقودين سواء أحياء أو أموات.
الزلزال غير المتوقع حسب المعهد الوطني للجيوفيزياء المغربي، أتى على بلدات صغيرة وقرى ودواوير ومداشر بسيطة معظمها مشهورة بالمنازل الطينية ذات الطراز التقليدي، ومناطق جبلية تشكل شريانا سياحيا وطنيا ودوليا بمناظرها الطبيعية الساحرة وهدوئها، وكذا كرم وجود الأهالي وطيبتهم التي يشهد بها السياح من كل العالم.
حجم الكارثة الطبيعية والدمار الذي ألحقته بالأهالي المنكوبين، استنفر كل مكونات الدولة المغربية من الشعب والملك وكل المؤسسات العسكرية والمدنية، تجندت جميعها لإنقاذ أبناء البلد، فرُسمت صور تلاحم وتضامن غير مسبوق من رحم المعاناة، وبرزت قيم أخلاقية عالية منبعها ثقافة المغاربة المرتبطة بالدين الإسلامي والرحمة الإلهية التي زرعت في قلوبهم.
العقاب الإلهي..قراءات دينية خاطئة
ولكن، في زاوية أخرى مُعاكسة، انتشر خطاب ديني ولا يزال في وسائل التواصل الاجتماعي يختلف عن الثقافة الدينية المغربية، يُصور أن الفاجعة التي أصابت منطقة الحوز الطيب أهلها هي عقاب إلهي لهم، مستدلين في ذلك بسور وآيات وقصص من القرآن الكريم تصف وعد الله بالخسف والزلازل والأعاصير والدمار للأقوام الكافرة بالرسالة الإلهية، وأن أمر الله بالكوارث الطبيعية هو عبرة وعقاب لمن لم يعتبر أو يتعظ.
في هذا الصدد، طرحنا السؤال على الأكاديمي المتخصص في الدراسات الإسلامية والتصوف الدكتور محمد التهامي الحراق، فكان جوابه أن “اعتبار الكوارث الطبيعية عقابا إلهيا يعد من مظاهر سوء فهم الدين وحقيقة الدين، وهذه القراءة للخطاب الديني في هذه المسألة غير سليمة لا من حيث فهم النصوص والمتعاليات التي ينبني عليها الدين ومقاصده”.
وأشار التهامي الحراق في حديث لموقع لعبة الأمم إلى أن “الآيات الكريمة التي تتحدث عما حصل للأمم السابقة من كوارث وما عاقب به الله المُكذبين، كانت في سياق آخر قبل البعثة المحمدية الخاتمة” واصفا إياها “بالبعثة الرحموتية الخالصة”، وأن “من مظاهر رحمتها أن أجل الله تعالى العذاب إلى يوم القيامة، وشمل بهذه الرحمة كل الخلق”.
الرحمة الإلهية عالمية
وأضاف الأكاديمي المغربي أن من مظاهر الرحمة “أن لا يُؤاخَذ الناس بذنوبهم ولا بمعاصيهم وأن يظل باب التوبة وباب الله مفتوحا لكل إنسان إلى أن يأتي الممات”، موضحا أنها “من خصائص الرسالة النبوية الخاتمة، والرحمة المحمدية العالمينية، نسبة لقوله تعالى “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” ومُفسرا أن “هذه الرحمة لا تشمل فقط الأمة الإسلامية، بل تشمل كل الإنسانية بعد الدعوة المحمدية”.
وتابع الحراق حديثه بالقول أن “الكوارث هي من قدر الله في الطبيعة، ولها أبعاد أخرى مرتبطة بتكوين الطبيعة وحكمة إلهية لا نستطيع فهمها”، مؤكدا “أن البشر مطالبون بأمرين هما التسليم بقضاء الله وقدره في الأمر وبذل ما في الوسع لفهم سنن الطبيعة لتسخيرها لفائدة الإنسان ومصلحته.”
ويُعد الزلزال الذي شكل إقليم الحوز الجبلي مركزه وانتشرت موجاته العنيفة إلى مدينة مراكش ومناطق إقليم تارودانت وورزازات وأزيلال هو الأعنف في تاريخ المغرب، مخلفا خسائر بشرية ناهزت ثلاثة آلاف ضحية وخسائر مادية قدرتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في عشرة ملايين دولار، كما أعاد إلى المشهد العام بالمغرب ضرورة الاهتمام بخطوط الزلازل وبؤرها التي تُهدد البلد بين الفينة والأخرى، والتفكير في إيجاد حلول جادة للتخفيف من حدة الخطر الطبيعي.
العدل صفة الله..والمعرفة العلمية ضرورة إنسانية
بنبرة صوته الهادئة، ووسط مكتبته الزاخرة بكتب الفكر الإسلامي، يشرح لنا الدكتور التهامي الحراق جزئية العدل في هذا الموضوع والتي هي من صفات الله تعالى، ويتساءل “إذا كانت الكوارث الطبيعية عقابا إلهيا فماذا ذنب الأطفال الصغار والدواب والكثير من غير المذنبين”، لافتا إلى أن الله تعالى يقول في كتابه “ولا تزر وازرة وزر أخرى”، وفي آية أخرى “وما ربك بظلام للعبيد”.
ويشدد المتحدث ذاته على أن “الأمر مرتبط بتكوين طبيعي يجب معالجته معالجة علمية تنظر إلى سنن الله في الطبيعة على المستوى الفيزيائي”، وتُجيب حسب تعبيره عن أسئلة “كيف أسهم الإنسان بعبثه في الطبيعة في إخراجها عن سلامة نواميسها، وكيف يستطيع الإنسان أن يجعل من هذه الأحداث مدخلا للتفكير في طبيعة هذه السنن والقوانين الفيزيائية كي يُطور من قدرته على تسخير الطبيعة.”
واختتم المتخصص في الإسلاميات والتصوف حديثه بأن “ما يتعلق بالأمور الغيبية هو موكول أمرها إلى الحق سبحانه وتعالى”، مُوصيا بالرجوع إلى كتابه “مباسطات في الفكر والذكر” الصادر سنة 2019 عن دار أبي رقراق للنشر بالرباط في مقالته المعنونة ب “الكوارث الطبيعية من منظور رحموتي”.