التطرّف الديني في الجيش الإسرائيلي،برميل بارود
التطرّف الديني في الجيش الإسرائيلي، برميل بارود
باسكال لافارج-باريس
يواجه الجيش الإسرائيلي، المعروف أيضًا باسم “جيش الدفاع الإسرائيلي”، تحديًا متزايدًا يتعلق بالتطرف الديني داخله. هذه الظاهرة، المرتبطة أساسًا بصعود القومية الدينية، ستكون لها عواقب مثيرة للقلق على وحدة الجيش الإسرائيلي وانضباطه وقدرته على الاضطلاع بمهامه.
ما هي أصول ومظاهر التطرف الديني في هذا الجيش، وآثاره على مستقبل الأمن الإسرائيلي؟
- أصول التطرّف
بدأت القومية الدينية في تأكيد نفسها داخل صفوف الجيش الإسرائيلي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، متزامنةً مع توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة والتي تخرق قوانين كثيرة وضعيّة وانسانيّة. تم تعزيز هذه القوميّة من خلال إنشاء مدارس دينيّة-عسكريّة تجمع بين دراسة التوراة والخدمة العسكرية. ساهمت هذه المؤسسات في تشكيل جيل جديد من الجنود والضباط المتحمسين الذين تلعب معتقداتهم الدينية والأيديولوجية دورًا متزايدًا في إدارة العمليات العسكرية.
- مظاهر التطرف الديني
يتجلى التطرّف الديني في الجيش الاسرائيليّ بطرق مختلفة، منها مثلاً عصيان الأوامر، وتطرف الخطاب، وتسييس المهام العسكرية والميل نحو خطواتٍ عسكريّة تُمليها معتقداتٌ دينيّة تتعلق بالأرض وبالنظرة الفوقيّة للآخر. على سبيل المثال لا الحصر، رفض بعض الجنود والضباط القوميين الدينيين إخلاء المستوطنات في الضفة الغربيّة وغزّة أثناء انسحاب إسرائيل من جانب واحد في عام 2005، متذرّعين بأسباب دينية وأيديولوجية. كذلك تمّ الإبلاغ عن حوادث وتصريحات قام بها أو عبّر عنها جنود متشدّدون دينيًّا، تحملُ ميولاً عنصرية وبغيضة ضد الفلسطينيين، أو رفضوا الخدمة إلى جانب المجندات لأسباب تتعلق بالمنع الدينيّ لايّ اختلاط.
- الآثار المترتبة على وحدة وانضباط الجيش.
يمكن للتطرف الديني أن يقوض وحدة وانضباط الجيش، ويخلق انقسامات بين الجنود العلمانيين والدينيين إضافة إلى تأثيره على الاقليَّات الدينيّة الأخرى داخل الجيش، ويطعن في شرعية الأوامر والقرارات العسكرية وصولاً الى حدّ التمرّد عليها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يعزّز هذا التطرّف ثقافة الإفلات من العقاب والعنف المفرط، لا سيما ضد السكان المدنيين الفلسطينيين، الذين غالبًا ما يعتبرهم المتطرفون الدينيون أعداء لا يمكن التوفيق بينهم للدولة اليهودية
- خطر ذلك على الأمن القومي الاسرائيلي
من المتوقّع أن يكون لهذا التطرّف الدينيّ في الجيش الاسرائيلي أثرٌ سلبيٌ على الأمن القومي والاستقرار الإقليمي. فهو أولاً، يمكن أن يضرّ بقدرة الجيش على القيام بعمليات عسكرية فعّالة وقانونيّة، لانّ التطرّف سيشجّع من خلال ما تُسمّى ب “الضرورات الدينيّة” وليس الاستراتيجيّة على القيام بأعمال تناقضُ القانون والأخلاق وحتّى الانسانيّة. ثانيًا، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم التوترات بين إسرائيل وجيرانها العرب والمسلمين، مما يعزز صورة إسرائيل كدولة يهودية وتوسعية فحسب.
- كيف تردّ الحكومة؟
في مواجهة هذه التحديات، اتخذت الحكومة والجيش الإسرائيليَّان بعض التدابير لمكافحة التطرف الديني، فتمّ التثقيف المدني والتدريب الأخلاقي للجنود، مع التركيز على القيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والسعيّ إلى تعزيز التنوع والشمول داخل الجيش، من خلال تشجيع مشاركة النساء والأقليات العرقية والدينية. لكنّ كلّ هذا بدأ يأخذ مناحٍ خطيرة في الوقت الراهن وذلك مع تنامي تأثير التيارات الدينيّة والمتطرّفة حتّى داخل الحكومة، حيثُ يُنظر مثلا الى الحكومة الأخيرة لبنيامين نتنياهو على أنّها الأكثر تطرّفًا وتديّنًا.
لذلك نُلاحظ أنّه وبالرغم من كلّ الجهود التي بُذلك لمواجه التطرّف ليس فقط لأجل الآخر وإنّما وخصوصًا لأجل سمعة إسرائيل ومستقبلها ووحدة مجتمعها، فانّ التطرف الديني في الجيش الإسرائيلي يُشكّل حاليًّا مصدر قلق كبير للمجتمع الإسرائيلي والمنطقة ككل.
هذا يفترض الإسراع في تشجيع إجراء حوار مفتوح وشامل بشأن القضايا الدينيّة والإيديولوجيّة، يشمل جميع شرائح المجتمع الإسرائيلي، وتعزيز آليات المساءلة والرقابة المدنيّة على الجيش لضمان أن تسترشد الأعمال العسكرية دائما بالمصالح الوطنية، في مجتمع قد يتفكّك.
خلاصة القول إنّ هذا التطرف الديني في الجيش الإسرائيلي يُشكّل تحديا معقدًا ومستمرًّا وخطيرًا لأمن واستقرار إسرائيل والمنطقة، ولا بُدّ بالتالي من مكافحة هذه الظاهرة داخليًّا، ومن تكثيف الضغوط الخارجيّة لإفهام إسرائيل أنّ مثل هذه التصرفات التي قد تُشعل حروبًا جديدة في المنطقة، يجب أن تُعاقب بقوانين صارمة وعقوبات كما حصل في دول معادية لإسرائيل مثل إيران وسوريا مثلاً. ذلك أن قناعة إسرائيل بأنّها مهما فعلت لن تُعاقب بسبب وقوف الولايات المتحدة الأميركية وقوى أطلسيّة كبيرة خلفها يجب أن يُعاد النظر به جذريًّا.
ما لم يحصل ذلك، فانّ التطرّف الدينيّ في الجيش والمجتمع والسياسية في إسرائيل، سيضعها أمام مستقبل محفوف بكل المخاطر والتفكّك، ويضع المنطقة فوق برميل بارود قابلٍ للانفجار في أيّ لحظة، ذلك أنّ الشرق الأوسط يعيشُ حاليًّا صراعًا أكثر تديُّنًا من السابق، من خلال المواجهة المفتوحة بين إسرائيل من جهة وايران وحزب الله وحماس والجهاد وغيرها من جهة ثانية، وهذه أيضًا أطرافٌ تستندُ الى قناعات دينيّة تقول ضمنيًّا بإزالة إسرائيل عن الوجود.
هذه مسؤوليّةٌ داخليّة وعالميّة عاجلة، ذلك أن شرقَ تصديرِ الأديان الكُبرى الى العالم، قد يُصبح جحيمًا حقيقيًّا بسبب تصارع هذه الأديان والتشدد والتطرف.