قِمّة الجزائر بين المأمول والمرغوب لُبنانيًّا
سامي كليب
حين تبدأ قمّةُ “جامعةِ الدّول العربيّة” أعماَلها في الجزائر مطلع الشهر المُقبل، يكون الاحتقان اللُبناني قد بلغ ذروةَ انهيارِه على كافّة المستويات السياسيّة والاقتصاديَة، وربّما يكون آخر الآمال بالترسيم البحريّ والاتفاق مع صندوق النقد الدوليّ قد انهار تمامًا، وانطلق الدولار الأميركي صوب تحليقٍ أشدّ خطورةً دافنًا الليرة اللُبنانيّة، في حين دِيَكةُ الطبقة السياسية اللُبنانية مستمرّون في الصراع فوق جُثّة الوطن.
ثمّة فرصة حقيقيّة في الجزائر للمساهمة في وقف التدهور اللبنانيّ والمساعدة على انتخاب رئيسٍ بالرغم من سوداويّة المرحلة. وهذا سيكون إنجازًا كبيرًا للدولة المُضيفة، وإنقاذًا عربيًّا للُبنان، وعودةً حقيقيًّة للعرب الى الساحة اللُبنانيّة من البوَّابة الواسعة.
ثَمّة عواملُ تُحتّم هذا الواجب العربي، ويُمكنها فعلاً أن تؤدّي الى بعض الحلحلة، وهي التالية:
- أوَلاً، إن الجزائر ليست طَرَفًا في لُبنان، بل هي وقفت دائما وتقف الآن الى جانبه،وهي ساعدت كثيرًا بلاد الأرز دون بهرجة إعلاميّة، وتستطيع أن تُساهمَ في عملية الإنقاذ الاقتصاديّ خصوصًا إذا ما أحسنَ المسؤولون اللبنانيّون التعاطي معها بما تستحقّه من احترام لحلّ قضية “سوناطراك” والحصول على نفط جزائري. ولو أن ذاكرةَ اللُبنانيّين جيّدة لتذكّروا الجولات المكّوكيّة والجهود الجبّارة التي بذلها وزير الخارجية الجزائري الأسبق والدبلوماسيّ العريق الأخضر الإبراهيمي لإنقاذ لُبنان في أوج حربه وأزماته.
- ثانيًا، تستطيعُ الجزائر عبر علاقاتها العربيّة الواسعة، وعلاقاتِها الجيدة مع عواصم القرار المؤثرة في الشأن اللُبناني من أوروبا وأميركا الى الخليج وإيران، تشكيل لجنةٍ تنبثقُ عن القمّة العربية، تكون مهمّتها جمع القيادات اللُبنانيّة حول ضرورة انتخاب رئيسٍ وتشكيل حكومةٍ حقيقيّة تبدأ بمسيرة الإصلاحات المطلوبة. ولا شكّ في أنّ دولةً كفرنسا لن تُعارض جهودًا جزائريّة في هذا المجال، لمعرفتها بأن ردة الفعل الجزائريّة ليست سهلة.
- ثالثًا، إذا كانت دولٌ عربيّةٌ عديدة تقول إنَّ ” حزب اللّه” يُهيمن على القرار، وإنَّ لا مساعدة للُبنان طالما الهيمنة مُستمرّة، فإن للجزائر نظرةً خاصةً لمبدأ ” المقاومة” و” التطبيع”، وهو ما يجعل الحزب وحلفاءه أقلّ توجّسًا من أيّ دخولٍ عربيّ على الخط اللُبناني برعايةٍ جزائريّة.
- رابعًا، إنَّ في الأمر لو تحقّق، فُرصةً عربيّةً حقيقيّة للعودة الى لُبنان، والمساهمة في دفعِ قادته (المتصارعين على وَهْمٍ) الى اللقاء تحت رايةٍ عربيّة، إذا ما كان العربُ يُريدون فعلاً عدمَ ذهابِ لُبنانَ بعيدًا في العلاقة مع إيران أو غيرها.
ليس لُبنان بندًا أوَلاً في القمّة المُقبلة، وإنَّما يُطرح من بين القضايا التي تتطلّب حلولاً سياسيّة . ذلك أنَّ ثَمّة ملفّاتٍ أشدّ إلحاحًا، ومنها مثلاً: إعادة الجسور والتقارب بين العرب، والتعاون الاقتصاديّ، وكيفيّة التعامل مع التطوّرات الدوليّة بعد الانقسام الحاد الذي خلّفته الحرب الأوكرانيّة، والمصالحة الفلسطينية (التي رعتها الجزائر بجدارة حتى الآن) وإخماد ما بقي من نيرانٍ في بعض الجبهات العربية. لكن التطوّرات المأساوية الحاصلة حاليًا في لُبنان على حلبةِ المصارعة بين الأطراف، ستفرضُ نفسها حتمًا كأحد البنود الواجب مناقشتُها، أو على الأقل، التطرّق اليها بإهتمامٍ أكثر.
المعروف حتّى الساعة، أن بؤر التوتّر والقضايا العربية المُعقّدة ستُبحثُ في قمّة الجزائر على مستويات مُختلِفة، فبعضُها أمنيّ-سياسيّ، وهذا يتعلّق بليبيا واليمن وسوريا والسودان والصومال وغيرها، وبعضُها الآخر سياسيّ ذو أبعادٍ محليّة وإقليميّة ودوليّة، على غرار العراق ولُبنان وأيضًا ليبيا. وفي كلّ هذا تسعى الجزائر لتغليب الحلول السياسيّة والحوار وحلّ مسائل الفراغ الدستوري، أما في مسألة فلسطين، فسيُصار على الأرجح إلى التأكيد على قرارات قمة بيروت العربية للعام 2002 ،والقرارات العربيّة والدوليّة ذات الصلة، إضافة الى ضرورة توحيد الصفّ الفلسطينيّ المُشتّـت.
هذه فرصةٌ حقيقيّةٌ يجبُ الإفادة منها، ولا شكّ في أن الجزائر، لن توفّر جُهدًا للمضي قُدُمًا في هذا المجال. فليتَ الدبلوماسيّة اللُبنانيّة تتحرّك صوب العاصمةِ الجزائريّة قبل فوات الأوان.