جبل جليد السلطة الفلسطينية، هل ينهار؟
هناء الأعرج-الأردن
إذا كان التوصيف المجازي يفيد بأن جبل الجليد في السلطة الفلسطينية ورأسها، تمثله المنظومة الأمنية ومقصّات الرقابة الداخلية، فأن هذا الجليد بدأ بالذوبان فوراً، بعد حادثة اغتيال الناشط الفلسطيني نزار بنات والذي كلفته حياته ثلاثين دقيقة
تحت التعذيب لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية. كذلك بدأ بالذوبان جبلُ الفساد، في ظل موجات غضب شعبي تتضاعف يوما بعد آخر، وتضع السلطة وقياداتها في موقع الإدانة.
نظرة سريعة على مشاهد التوتر والغضب الشعبيين التي تكستح المدن الفلسطينية وعلى رأسها ” رام الله ” ، تكفي للدلالة على عمق الأزمة التي تعصف بالسلطة، التي يتلاشى الوثوق بها منذ اغتيال بنات ، ما يشي بأن هذا الاغتيال وما سبقه ( اغتيال عمر النايف مثلا في ساحة السفارة الفلسطينية في بلغاريا وموت كثيرين في أقبية التعذيب) صار يُشكل نقطة تحوّل جدية في مستقبل السلطة، خصوصا أن الأمر لا يتعلق فقط بالغضب الشعبي، الذي يبقى الأساس، وانما أيضا بتحولات محلية واقليمية ودولية لافتة .
الواقع أن اهتزاز مكانة السلطة يأتي وفق تراكمات ، وتسارع أحداث يمكن قراءتها فيما يلي :
- الاطاحة التاريخية باليمين الاسرائيلي من السلطة السياسية في اسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو، ما كشف ظهر السلطة التي نسّقت طويلا مع هذا اليمين حتى اتهمها خصومها بأنها متحالفة عضويا معه منذ 12 عاما . وهو أمر حاولت السلطة تداركه من خلال الانفتاح غير المشروط على الحكومة الاسرائيلية الجديدة بحثا عن شرعية اضافية وتمديد عمرها السياسي .
- الحرب الاخيرة على قطاع غزة، والتي بقت فيها السلطة في موقع الصامت المتفرج ، حتى اتهمها البعض بالتماهي مع المُحتل، بعد ان تعرّضت المظاهرات المؤيدة لغزة ومقاومتها للملاحقة والقمع، ناهيك عن التنسيق الأمني مع إسرائيل، ثم محاولة السلطة استغلال نتائج الحرب عن طريق اقحام نفسها في ملف المساعدات المالية والانسانية واعمار غزة .
- تبدلات طارئة في مزاج التحركات الدبلوماسية لقوى حليفة تاريخيا للسلطة الفلسطينية، على رأسها مصر والأردن، اذ شهدت الدبلوماسية الخارجية لكلا الدولتين تحركات بهدف الانفتاح على حركة حماس واحتوائها.
وقالت المعلومات الموثوقة إن ” عباس كامل ” مدير الاستخبارات المصرية، واثناء زيارته لمقر المقاطعة في رام الله في ايار الماضي همس في أذن محمود عباس رسالة مصرية رفيعة المستوى ، تتعلق بضرورة اجراء تبديل على قاعدة الانتخابات التشريعية والرئاسية ، الأمر الذي رفضته قيادة السلطة وتهربت منه.
أما الأردن فقد قام مؤخرا بمجموعة من التحركات على ايقاع الانفتاح القلق مع حماس وذلك من خلال السماح للشارع الاردني بالتعبير عن رأي جمعي شعبي مؤيد لحماس وفصائل المقاومة، مع ما تبعه من استضافة ” خالد مشعل ” في مهرجان شعبي وسط عمان، ناهيك عن الرحلة التي قامت بها قناة “المملكة ” القريبة جدا من القصر الملكي، الى قطاع غزة حيث حملت معها رسائل من أعمق نقطة في نادي الحكم الاردني الى قيادة حماس ، وهو ما تنبّه له المكتب السياسي لحركة حماس في غزة ، وباشر على اثرها ” اسماعيل هنية ” في مدح الاردن قيادة وشعبا ، وأجرى اتصالات مع نواب أردنيين سابقين ، وناشطين سياسيين من أصول أردنية ، وأمناء أحزاب عامين.
بناء على كل ما تقدّم، يُمكن الجزم بأن الايام القادمة ، حبلى بالمفاجئات العاصفة وبأن موقع السلطة الفلسطينية في معادلات الحل الفلسطيني بات مهدّدا ، لا بل ومهدّدا جدا