سامي كليب
فعلتها مجموعات انتفاضة 17 تشرين 2019، دكّت حصون أحزاب السُلطة التي كانت وما زالت تقفز فوق كل خلافاتها من أجل الاستمرار بالقبض على كل مفاتيح الحكم والنقابات. لكن هذه المرة تغيّر الوضع تماما، فاللائحة المنضوية تحت شعار ” النقابة تنتفض” خطفت كل الضوء وفازت على نحو كبير لا بل وكاسح وحصلت على 282 مندوبا من أصل 300 مندوب في النقابة، بينما كانت أحزاب السُلطة التي جاهرت بتوحيد صفوفها تتبادل في الغرف المُغلقة عمليات الانتقام وتبادل الاتهامات بين بعضها البعض فهذا يشطُب ذاك، وذاك يلوم هذا في مشهد باهت وبائس.
وإذا كانت لائحة ” النقابة تنتفض” قد ضمت معظم مجموعات انتفاضة 17 تشرين، الا أنها ضمت اليها أيضا حزب الكتائب والحزب الشيوعي وبعض أطراف المعارضة الأخرى، لكنها رفضت مشاركة حزب القوات اللبنانية على أساس أنه من السلطة، رغم كل محاولاته لابعاد هذه الصفة عنه منذ فترة غير قصيرة.
وفيما برّرت أحزاب السُلطة فشلها المدوي بامتناع البعض عن التصويت، او بعدم قدرتهم على الوصول الى مقر الانتخابات بسبب عدم توفّر البنزين، الا ان ما حصل اليوم، بعد فترة على فوز المعارضة أيضا في نقابة المحامين، يُشير بوضوح الى أن ثمة ضياعا فعليا عند هذه الأحزاب، وثمة تغييرا جذريا يحصل في عقليات المعارضين، وان الناس ضاقوا ذرعا بالمحاصصة والطائفية والفساد والمحادل الانتخابية السابقة، وأن الأحزاب التقليدية التي تشاركت كل السلطات، باتت بحاجة الى إعادة النظر بداخلها والقيام بنقد جدي عميق كي تواكب غضب الناس.
ويقول أحد الذين شاركوا بالتصويت اليوم للوائح أحزاب السلطة :” نعم لقد أصبنا بفشل ذريع، وذلك لان ثمة من لا يزال بيننا يعتمد على ثقافة الأشخاص لا على جدوى البرامج الفعلية، وما حصل هو محاولات تمرير لأسماء مرشحين مشتركين بين أحزاب هي بالأصل ضد بعضها البعض وتتباغض في ما بينها ، ومعظم اسماء مرشحي الأحزاب لا يتمتعون بقدرة الجذب، بينما رأينا مرشحي المعارضة يتحدثون عن برامج وهم في معظمهم من الخريجين حديثي العهد ويضخون دما جديدا وأعمارهم صغيرة ، فيشبهون بكل ذلك هموم الجيل الجديد”
إن هذا الفوز الكاسح للمعارضة في نقابة المهندسين اليوم هو رسالة كبيرة حول ما يُمكن ان تكون عليه كل انتخابات مقبلة مهما بلغ حجم التركيبات السياسية والقوانين والخزعبلات التي كانت توضع على مقاسات من يقبض على البلاد.
ولعل ّ الرسالة الأهم من كل هذا تقول: إن الشعب لو أراد يستطيع، وان بيده التغيير والإصلاح لأن الجماعة السياسية التقليدية فقدت بمعظمها كل اعتبار لها أمام الكثير من الناس، بعد أن دُمّر الوطن وجاع الناس.
معظم ثورات العالم وعمليات الإصلاح الكُبرى والتغييرات الجذرية بدأت بالنقابات أو استندت اليها، ولا شك أن ما يجري اليوم في لبنان على مستوى النقابات والجامعات وغيرها ، يُفسح في المجال أمام الأمل بأن التغيير ممُكن، وأن الإصلاح السلمي الراقي المُحترم متوفّر حين تحصل انتخابات بلا تزوير. ليت ما حصل في نقابة المُهندسين ينسحب أيضا على نقابات القضاء والإعلام والطب والتربية وغيرها. فبهذا يُمكن إصلاح الوطن بعد إنقاذه.