Categories: مقال اليوم

الضاحية الجنوبية بين كَذِب بقرادوني وصِدقِ السبع

د.فيصل حلول *

احتلت ضاحية بيروت الجنوبية حيزا مهما من حلقة تلفزيونية ادارها الصديق والإعلامي المعروف سامي كليب في برنامج “الرئيس” وبثتها “قناة الجديد” اللبنانية (تشرين الثاني 2022).

تناولت الحلقة عهد الرئيس اللبناني الأسبق امين الجميل. وكان بين الضيوف الرئيس السابق لحزب الكتائب اللبنانية كريم بقرادوني والنائب عن حركة امل الأستاذ قبلان قبلان.  

يومها طلب مني الأستاذ سامي تسجيل شهادتي حول ملف الضاحية الجنوبية لتعذر مشاركتي في الحلقة بسبب عودتي من بيروت الى باريس، لبثها في الحلقة بوصفي صاحب الملف الصحفي الأول الذي أطلق على الضاحية هذا الاسم في العام 1983 (كانت معروفة ب ساحل المتن الجنوبي). تحدثت في شهادتي عن محاولة الجميل تفكيك ضاحية بيروت الجنوبية بمباركة من القوات الدولية التي تمركزت في لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي وخروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من البلد.

وكانت جريدة السفير قد قررت مواجهة مشروع تفكيك الضاحية عبر تقديم أحْياء “ساحل المتن الجنوبي” المطروح على التفكيك الى الراي العام اللبناني في ملف شامل وكلفتني بهذه المهمة.

شَكَلتُ فريق عمل من داخل وخارج الجريدة، وعملنا طوال أربعة اشهر حتى وصلنا الى تحقيق شامل موثق بشهادات مباشرة ووثائق رسمية ومصورة نشرته “السفير” على حلقات خلال عشرين يوما وصنفته نقابة الصحافة اللبنانية في اجتماع رسمي في حينه بوصفه العمل الصحفي الأهم في لبنان خلال ربع قرن في لبنان.

سيتسبب هذا الملف في إيقاف مشروع تفكيك الضاحية، بعد ان اكتشف الفرنسيون والأمريكيون ان الجميل يريد التصدي لربع الوطن” ممن يسكنون في تلك الأحياء التي اطلقت عليها اسم ضاحية بيروت الجنوبية تأثرا باطلاعي على تجربة الضواحي المشابهة في فرنسا، وكنت في حينه احضر أطروحة حول لبنان في جامعة السوربون.

سيؤدي هذا الملف الى تمرد أهالي الضاحية و الى اندلاع حركة 6 شباط عام 1984 ومن ثم محاولة اغتيال الأستاذ طلال سلمان رئيس تحرير جريدة السفير الذي نجا من الموت بأعجوبة. وسيؤدي الى هجرتي القسرية الى فرنسا بعد حرماني القسري من جواز سفري اللبناني لستة اشهر نصحني بعدها ضابط الامن العام الذي سلمني جواز السفر بلطف ومحبة ان ابقى في فرنسا و الا اعود الى لبنان خلال العهد المذكور.

في الحلقة، علق السياسي الكاتب الكتائبي كريم بقرادوني على شهادتي بالقول انه اطلع على “ملف الضاحية الجنوبية بوصفه تقريرا مخابراتيا، قبل نشره بشهور في جريدة السفير وانه حصل عليه من مخابرات منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تعمل ضد عهد الشيخ امين الجميل. هذا يعني أن الأستاذ بقرادوني قرأ حوالي اكثر من مئة مقابلة مباشرة مع ناس الضاحية واكثر من خمسين مقابلة مباشرة مع خبراء ومهندسين وتربويين ورجال اعمال واكثر من خمسين أخرى مع اداريين وموظفين جمعنا شهاداتهم خلال أربعة اشهر قبل ان اباشر بتحرير الحلقات ودفعها للنشر !

في حينه، كان الأستاذ باسم السبع مديرا لتحرير السفير وكنت اسلمه الحلقة في اليوم السابق للنشر مباشرة اذ كنت اتولى صياغة الحلقات يوما بيوم، الامر الذي كان يؤدي الى توتر الأستاذ طلال سلمان تخوفا من ان يقع طارئ ما فامتنع عن الصياغة وينقطع تسلسل نشر الحلقات. وهنا أقول للمرة الأولى ان الأستاذ باسم السبع ــــ وأحيانا الأستاذ طلال ــــ كان اول واخر شخص يقرأ الحلقة قبل نشرها. 

هذا الملف زعم الأستاذ كريم بقرادوني الذي يوصف أيضا بالمؤرخ والذي يعتمد كثيرون على كتبه حول الحرب ويمنحونه ثقتهم، زعم انه مجرد تقرير مخابراتي فلسطيني قرأه قبل نشره في جريدة السفير !

وهذه الكذبة المجلجلة، هي التي فضحها مؤخرا الأستاذ باسم السبع أحد اركان صحيفة السفير حين نُشِرَ ملف الضاحية الجنوبية ــــ والشخصية السياسية المقربة جدا من رئيس الوزراء الراحل رفيق الحرير ي واحد اركان حركة 14 اذار ــــ وذلك في اشارته الى ملف الضاحية الجنوبية في كتابه الأخير ” لبنان في ظلال جهنم ” (صفحة 126) مع خطأ مطبعي حول تاريخ النشر الذي تم في صيف العام 1983 وليس في أواسط السبعينات كما ورد في كتابه، علما ان جريدة السفير صدرت للمرة الاولى في العام 1974 أي قبل عهد امين الجميل بعشر سنوات.

لقد كذب كريم بقرادوني في موضوع الضاحية الجنوبية لحماية عهد رئيسه الكتائبي، لكنه لم ينتبه الى ان هذا النوع من الكذب يضعف سردياتهومزاعمه حول الحروب اللبنانية، بل يحيل كتبه الى هوامش غير جديرة بالذكر.

اما ما ذكره الأستاذ باسم السبع فلم يكن ردا على بقرادوني او غيره. كان إشارة الى حقيقة هو نفسه كان جزءا منها وشاهدا على تفاصيلها.

يبقى ان حرية التعبير في لبنان على الرغم من أوجه استغلالها البغيضة،أحيانا كثيرة، تظل المرجع الوحيد الذي يوفر فرصة لا غنى عنها لدحض الأكاذيب بوقائع لا تقبل الشك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*( كاتب وباحث سياسي واستاذ جامعي-باريس)

رابط شهادتي في حلقة تلفزيون الجديد حول الضاحية الجنوبية

https://www.youtube.com/watch?v=cAIZeKul7EM

lo3bat elomam

Recent Posts

La pompe de terre : une invention qui fit jaillir l’eau de l’histoire

La pompe de terre : une invention qui fit jaillir l’eau de l’histoire Nadine Sayegh-Paris…

4 أيام ago

إعترافً بفلسطين ولكن !!!!

سامي كليب ‏مشكورة الدول التي اعترفت وتعترف بالدولة الفلسطينية، فهذا حقٌ فلسطيني طال انتظاره، وأن…

6 أيام ago

مجلة بوليتيس الفرنسية : تدميرٌ ممنهج لغزة وطرد السكّان حتميّ

بقلم : بيار جاكمان في مجلّة Politis منذ الهجوم البري الذي شُنّ غداة عملية حماس…

أسبوع واحد ago

بنغازي وفرحة اللقاء بالزملاء

       سامي كليب       ثمة مؤتمراتٌ تدفع إلى الملل من لحظاتِها الأولى،…

أسبوع واحد ago

Le sang, cette mosaïque invisible qui coule dans nos veines !

Le sang, cette mosaïque invisible qui coule dans nos veines ! Nadine Sayegh-Paris De l’Antiquité aux…

أسبوعين ago

دراسة غربية صادمة:680 الف ضحية في غزة

عن دراسة بعنوان : تزييف التاريخ: السياسة البغيضة لإحصاء ضحايا غزة ريتشارد هيل وجدعون بوليا*…

أسبوعين ago