التوغل الأوكراني في المنعطف الخطير
محمد محمود شحادة
لا شك ان الهجوم الأوكراني في شهر اب الماضي على منطقة كورسيك الروسية يعتبر أهم منعطف في الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا، وحتماً سوف يشكل نقطة تحول خطيرة في مسار هذه الحرب، لماذا؟
بعد سنتين ونصف على الحرب التي شنتها روسيا و التي أعقبها فشل أوكرانيي في حزيران ٢٠٢٣ خلال القيام بهجوم مضاد ،هلل له الغرب وأميركا و قد فشل فشلاً ذريعاً خاصة في إقليم دومباس الذي احتلته روسيا في البدايات، ولكن بمجرد الهجوم اليوم تم نقل الحرب الى العمق الروسي .وحسب رئيس اركان الجيش الفرنسي بأنها للمرة الأولى تتعرض روسيا لاحتلال جزء من أراضيها منذ ١٩٤١. دخلت أوكرانيا في منطقة كورسيك الحدودية وإحتلت بعض القرى ومنها سودجا التي يبلغ عدد سكانها ما يقارب ٦٫٠٠٠ نسمة و أعلن الحاكم حالة الطوارئ في تلك المنطقة و تم إجلاء العديد من السكان تحت أعين الروس الذين استوعبوا الهجوم، و قرر بوتين بتهديده المعتاد استعادته وربما استعمال النووي حفاظاً على كرامة روسيا.
طيلة سنتين ونصف السنة منذ بدء الحرب الأوكرانية لم توافق امريكا والدول الغربية على استعمال السلاح الغربي لقصف موسكو أو للتمدد الأوكراني داخل العمق الروسي فما هي أسباب هذا الهجوم المتأخر الأوكراني ضد روسيا؟
تريد أوكرانيا بدعم الغرب تقوية موقعها في مفاوضات مقبلة و ربما أيضاً تريد مقايضة منطقة كورسيك مع دومباس المحتلة من روسيا في اي مفاوضات مقبلة ولكن السؤال المطروح كيف يمكن لأوكرانيا أن تطور هذا الهجوم وأن يكون لها القدرة والإمكانيات على الحفاظ على هذه المنطقة كورسيك و هل سيسمح الغرب لأوكرانيا من جديد بإستهداف العمق الروسي و ضمان مد أوكرانيا بالأسلحة المتطورة لمواجهة هذه التحديات الميدانية لأن الحرب بهذا المستوى على الرغم من أن أوكرانيا مدعومة من كل سلاح الناتو و ٤٠ دولة لم تستطع أن تقف في وجه موسكو، لذلك ما الذي تغير الان؟ هل نحن باتجاه وقف اطلاق نار ام نحن باتجاه مفاوضات ؟ هل الصين ستحاول تجديد وساطتها أم أن احتمال وصول ترامب الى البيت الأبيض سيغير المعادلة خصوصًا أنه يُردد دائماً أنه سيقف باتجاه تسوية ووقف الحرب في هذه المنطقة؟
يمكن القول ان أوكرانيا بعد أن أخذت الضوء الأخضر من الدول الغربية وأمريكا بشن هذا الهجوم ارادت القيام بعملية استباقية لتقوية موقفها في اي مفاوضات مقبلة و من اجل اثبات فعالية هذا الدعم الغربي لها بمواجهة روسيا و الحصول على مواقع جغرافية داخل الأراضي الروسية وبذلك تكون قد قامت بعملية دفاعية استباقية تكتيكية أيضاً من أجل مقايضة أراضي احتلتها سابقاً روسيا.
و في هذا السياق تبقى الأسئلة والإشكالات مطروحة فيما خص الهجوم الأوكراني فهل فعلاً واشنطن كانت ترغب بهذا الهجوم أم انها أرادت القيام بصدمة ضد الروسي أو بوقف تهور القيادة الروسية – حسب التعبير الأوكراني – داخل أوكرانيا بالإضافة الى الخوف على الرئيس الأوكراني أو الوصول الى العاصمة كييف و خاصة أن بيلاووسيا ممكن أن ترسل قوات من الشمال لتلتقي مع القوات الروسية وبالتالي يدفع الثمن زيلينسكي من مصيره وحياته.
بالنسبة لروسيا، فإنها استوعبت الضربة و بدأت بتحركات عسكرية تكتيكية في الميدان من أجل استعادة هذه الأراضي التي احتلت. وهي بدأت في دومباس بتركيز ثقلها العسكري للسيطرة على مناطق استراتيجية و بدأ بوتين بالحديث عن تهديد بالورقة النووية و بنفس الوقت هدد الغرب أنه اصبح متورط أكثر بالاعتداء على روسيا وبالتالي من الممكن ان تتوقع موسكو ان توقف أوكرانيا هذا الهجوم السريع وتجلس الى طاولة المفاوضات ربما قبل ان يقوم بوتين بهجوم مضاد و قوي لاستعادة هذه الورقة التي اصبحت بحوزة زيلينسكي. كما يقول رئيس وزراء فرنسا السابق بأن دول غربية سيما فرنسا تستدرج بوتين الى حروب كبيرة ولو بلغت حرب عالمية ثالثة من خلال اسفزازه عبر الاعتداءات المتكررة على روسيا . وبالفعل فان التوغل في العمق الروسي يصب في هذا الاتجاه، ولكن يبقى السؤال الى اي مدى سوف ترضى ألمانيا و فرنسا و الدول التي تمد أوكرانيا بالسلاح المتطور والمقاتلات العسكرية و منصات الصواريخ ان تستعملها أوكرانيا في العمق الروسي مع علمها المسبق بأن التكلفة ستكون كبيرة على الفريقين الا اذا دخلت الصين من جديد على خط الوساطة.
من الواضح ان اميركا تريد اطالة امد الحرب بغية اضعاف روسيا، فعناوين الإستراتيجية الأميركية في العالم توضحت منذ فترة والتي تتركز على احتواء الصين وهزيمة روسيا بالحرب الاوكرانية وحتى استنزافها بإلإضافة لإضعاف أوروبا وتركها تلتحق بأمريكا بشكل دائم، والدعم المطلق لإسرائيل وهذا ما أكدته الحرب الاسرائيلية على غزة، واذا اردنا ايجاد خيط من الترابط بين حرب غزة و حرب أوكرانيا، نقول إن حرب أوكرانيا هي نموذج للحروب الاسرائيلية الاميركية على منطقة الشرق الأوسط، من حيث الاستمرارية واستنزاف القوة باتجاه إلغاء القضية الفلسطينية واضعاف العرب وتقسيمهم و إلحاقهم باميركا لانتقالهم تدريجياً الى عمليات التطبيع.
في هذا المشهد هناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة:
الأول: ان موسكو تقتنع بإيقاف الحرب و تنسحب من دومباس مقابل انسحاب أوكرانيا من كورسيك، وهذا السيناريو وان كان مطروحاً الا ان روسيا لن ترضى به حفاظاً على سمعتها الدولية وهي التي اعلنت عن ان دومباس هي اراضي روسية وقد تم استعادتها.
السيناريو الثاني هو ستاتيكو أي فرض الأمر الواقع كما يريد الأميركي من خلال استنزاف الروسي الى اقصى الحدود وتستمر عملية الإستنزاف سنين .
السيناريو الثالث هو أقرب للواقع ويتمحور حول إنكسار أوكرانيا وتوقف الحرب بإنتصار روسيا ووضع طاولة مفاوضات برعاية صينية، هذه ألحرب هي على البوابة الأوروبية فإن أوروبا هي التي تدفع الثمن الغالي اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً بالتالي ستحصل ضغوطات كبيرة في ظل تغيير الحاصل في أوروبا لصالح اليمين المتطرف وبالتالي يجب أن يعي الأوروبي ان مخارج الحرب ليست لصالحه خاصة إذا اراد أخذ الإعتبارات الأمنية بجدية والتي يجب أن تاخذ العبر والدروس من الحروب السابقة سيما الحربين العالميتين اللتا حصلتا على الأراضي الأوروبية.
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً إننا لن نسمح بانتصار روسيا، أمّا مدير سي اي اي فقد صرح بأن الحرب ستنتهي قبل نهاية عام ٢٠٢٤ إذا استمرت أمريكا بدعم أوكرانيا بالمال والسلاح، هكذا تصريحات تؤدي الى إحتمالات نشوب حرب كبيرة، وكل المؤشرات تشير إلى ذلك، فاذا ما نظرنا الى الأسباب المباشرة للحربين العالميتين فإننا نجدها أسباب شكلية إذا ما تمت مقارنتها بعمق الأسباب الكبرى للصراعات الدولية.