الذكاء الإصطناعي، ثورة الرفاهية المُقبلة أم البطالة القاتلة

الذكاء الإصطناعي، ثورة الرفاهية المُقبلة أم البطالة القاتلة؟
كارين بياريتّي- روما
يُعد الذكاء الاصطناعي (AI) واحداً من أبرز الإنجازات في مجال التكنولوجيا المعاصرة، وقد ساهمت أفكار وأعمال علماء مثل ألان تورينغ، وجون مكارثي، ومارفن مينسكي، وآلان نيويل وهيربرت سيمون، في وضع الأسس لما نعرفه اليوم بالذكاء الاصطناعي، لكن يومًا بعد آخر يتفاقم القلق من مستقبل الشباب، فهل سيُساهم هذا الذكاء في توفير فرص عملٍ جديدة، أم أنه سيُزلزل أسواق العمل ويرمي ملايين الشباب في أتون البطالة؟
منذ خمسينات القرن الماضي ، شهد الذكاء الاصطناعي تطورات متسارعة، من البرامج البسيطة إلى الأنظمة المعقدة التي تحاكي الذكاء البشري في التعلم واتخاذ القرارات. وهو يُستخدم اليوم في مجالات متعددة مثل الرعاية الصحية، والقيادة الذاتية للسيارات، والألعاب الإلكترونية، والتحليلات البيانية، وانتاج دراسات وكتبٍ ومقالاتٍ في مختلف مجالات الحياة، ناهيك عن قدرته الهائلة في المجالات البصريّة المُختلفة.
وقد أصبح الذكاء الاصطناعي كذلك، عنصراً مهماً في تطوير حلول فعّالة للتحديات العالمية، مثل تغير المناخ، إدارة الموارد، وتطوير العلاجات الطبية. كما يسهم في تحسين كفاءة العمليات الصناعية وتعزيز التفاعلات الرقمية في الحياة اليومية.
مع تقدم التكنولوجيا، من المتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر تطوراً وتخصصاً. يُرجح أن يسهم في تطوير التكنولوجيا المتقدمة مثل الروبوتات المتطورة، الأنظمة الطبية الذكية، وحتى في مجالات الفن والترفيه. كذلك، قد يلعب دوراً رئيسياً في فهم ومعالجة البيانات الضخمة، مما يساعد في اتخاذ قرارات أكثر دقة وفعالية في مختلف المجالات.
من المُنتظر أن يُغيّر الذكاء الاصطناعي في الاستراتيجيات العسكريّة والسياسيّة الكُبرى، حيث تنتقل الحروب إلى مجالات أخرى غير السلاح، مثل تعطيل الأجهزة والهجمات الالكترونية، وشلل المؤسسات، وكشف الكثير من أسرار الأعداء، ناهيك عن تحليل البيانات على نحو هائل لوضع أسس أي قرار. وهذا يعني أن من يملك الذكاء الاصطناعي والقدرة على التحكم به في المستقبل، سوف يستطيع السيطرة على الكثير من قرارات البشر وثرواتهم.
الذكاء الاصطناعي والبطالة:
يثير الذكاء الاصطناعي قلقاً حول مستقبل سوق العمل، حيث يمكن أن يؤدي إلى استبدال البشر في بعض الوظائف، خاصةً تلك التي تتطلب مهارات روتينية أو متكررة. ومع ذلك، يُتوقع أيضاً أن يخلق فرص عمل جديدة في مجالات مثل تطوير البرمجيات، الصيانة، والإشراف على الأنظمة الذكية. بالتالي، من المهم التركيز على تطوير المهارات والتعليم لتأهيل الأجيال المقبلة للتعامل مع هذه التغييرات.
تشير الإحصائيات إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يؤثر بشكل كبير على الوظائف في مختلف القطاعات. يمكنه مثلاً أن يؤتمت بعض الأنشطة في 60% من المهن ( أي نقلها الى المجال المعلوماتي والتخلي عن التعامل المُباشر بين الناس)، خاصةً في مجالات مثل الزراعة، الهندسة، العلوم، والنقل. ومع ذلك، قد تكون الوظائف التي تتضمن إدارة الأشخاص وتطبيق الخبرة والتفاعل الاجتماعي أقل تأثراً بالأتمتة.
من ناحية أخرى، هناك توقعات بأن الذكاء الاصطناعي قد يخلق أيضًا فرص عمل جديدة. ومع ذلك، يتوقع الخبراء أن الذكاء الاصطناعي قد يزيل 375 مليون وظيفة خلال العشر سنوات القادمة، لكنه قد يخلق 97 مليون وظيفة جديدة، وهو ما لا يكفي لتعويض الوظائف المفقودة.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الاستطلاعات أن العمال في الولايات المتحدة وحول العالم لديهم آراء سلبية إلى حد كبير حول استبدال الذكاء الاصطناعي لوظائفهم. ومن المتوقع أن يؤدي هذا التطور التكنولوجي إلى زيادة الحاجة إلى تدريب وتأهيل العمال للتكيف مع الوظائف الجديدة.
في النهاية، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يمثل ثورة تكنولوجية مهمة تحمل في طياتها تحديات وفرصاً كبيرة. يعتمد مستقبله وتأثيره على البطالة على كيفية استخدامنا لهذه التكنولوجيا وتكييف سياسات التعليم وسوق العمل لتلبية الحاجات الجديدة التي يخلقها.
هل تكون الأجيال المُقبلة أمام آفاقٍ علميّة هائلة تجعل حياتَهم أكثر رفاهية وأمانًا، وصحتهم أكثر جودة، أم أننا سنشهد ثوراتٍ إجتماعية كُبرى لتحطيم الآلات والمطالبة بالحفاظ على الوظائف؟ الاحتمالان واردان جدًّا، وكل ذلك يعتمد على قدر البشر خصوصًا في العالم النامي على الاختراعات في مجال الذكاء الاصطناعي وليس فقط على شراء هذا الذكاء واستخدامه.