ثقافة ومنوعات

كتاب يشرح حروب المنطقة من زاوية تفكك الأمبراطورية العثمانية

روزيت الفار-عمّان

سلام ينهي كل سلام A Peace to End All Peace.

كتاب تاريخي، يشرح فيه ديفيد فرومكين أسباب تفكّك الإمبراطوريّة العثمانيّة خلال الحرب العالميّة الأولى، وكيف أدّت لولادة شرق أوسط جديد أصبح يعيش حتّى الآن بصراع دائم.

ببدايات القرن العشرين، وبينما كانت دول أوروبّا الغربيّة بحالة نمو اقتصادي وتكنولوجي أنتجته الثّورة الصّناعيّة، كانت الإمبراطوريّة العثمانيّة بحالة ضعف وانحدار. تلك الإمبراطوريّة الّتي كانت تعتبر قوّة عظمى مركزها القسطنطينيّة امتدّ حكمها بقارّات العالم القديم الثّلاثة؛ آسيا وأوروبّا وأفريقيا. حرّك ذلك الإنحدار أطماعَ الأوروبيّين المنتشين بالازدهار، للتّعدّي عليها، ساعدهم بذلك تمتّع  المقاطعات غير التّركيّة بالحكم الذّاتي والّذي ساهم في خسارة الإمبراطوريّة للعديد من المناطق ذات الأهمّيّة وأثّر في زيادة ضعفها. وهكذا نشأ نوع جديد من الهيمنة الغربيّة هو الإستعمار البريطاني الفرنسي. 

يشرح الكتاب مدى تأثير جهل المسؤولين الغربيّين وفشلهم الاستخباراتي بمنطقة الشّرق الأوسط الّذي بنوا عليه قراراتهم السّياسيّة وكذلك وعودهم الكاذبة نحو العرب، فضلاً عن المعلومات الخاطئة الّتي تمَّ تبادلها بين الجانبين؛ في خلق حالة الصّراع الّذي تعيشه منطقتنا منذ أكثر من قرن.

في أكتوبر 1912 كان التّخلّي العثماني الضّعيف عن ليبيا لصالح إيطاليا بداية للتّخلّي عن معظم مناطق حكمه الموجودة في أراضي أوروبّا الجنوبيّة الغربيّة كالبلقان واليونان وبلغاريا وأصبح حكمُه في بداية الحرب العالميّة الأولى لا يتعدّى تركيّا الآن، لبنان، الأردن، فلسطين، العراق ومعظم الجزيرة العربيّة.

مستغلّاً خسارة الإمبراطوريّة لحرب البلقان، قاد حزب “تركيا الفتاة” “جمعيّة الاتّحاد والتّقدّم سابقاً”، بالعام 1908 ثورة بهدف تغيير النّظام نحو الدّيموقراطيّة وقام بعمليّة التّحديث، بهدف منع المدِّ الأوروبّي نحو ما تبقّى من مناطقه.

رأت بريطانيا في الحزب تهديداً لمصالحها، فقام فيتزموريس، مستشار سفيرها في القسطنطينيّة، بإرسال تقرير يفيد بأنَّ أعضاء الحزب تديرهم جماعات ماسونيّة يهوديّة. (في الحقيقة أنَّهم كانوا أتراكاً بالعمق يحملون عداءً لكلِّ مَن هو غير تركي.)

ولكسب دعم الإمبراطوريّة لصالحها -طالما أنّ الحزب يحكمه اليهود- وضعت بريطانيا استراتيجيّات تدعم علناً إنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.

ومع بداية الحرب العالميّة الأولى،  شعر العثمانيّون بجدّيّة الحرب وتهديد قوّتهم، فاختاروا ألمانيا للتّحالف سرّاً معها لحماية مناطقهم بعد فشلهم التّحالف مع الإنجليز. تعهّدت ألمانيا بحماية مصالحهم مقابل إلتزامهم (العثمانيين) الحياد بالحرب.

اكتشف البريطانيّون قيام العثمانيّين بتنفيذ أعمال ضدَّهم وعدم الالتزام بالحياديّة.

أدّى هجوم الجيوش العثمانيّة على روسيا حليفة بريطانيا، لإعلان بريطانيا بأُكتوبر 1914 الحرب عليها، ولقيام القِوى المتحالفة، (بريطانيا وفرنسا) للتّخطيط لما بعد الحرب.

لم تعد حينها الدّولة العثمانيّة تشكّل صدّاً يحمي بريطانيا من الأطماع الرّوسيّة. عملت سياسة الدّعم الطّويلة لقوّة العثمانيّين على جعل البريطانيّين يحافظوا على طرق تجارة مربحة مع الهند. وبانتهاء تلك السّياسة وعدم تبقّي الكثير من الأراضي في أفريقيا ليتم استعمارها، أصبحت بريطانيا تفكّر في الأراضي العثمانيّة لاستعمار مستقبلي. ولتحقيق ذلك، شرعت قوى التّحالف برسم خطط طوارئ لإعادة تشكيل الشّرق الأوسط.

في آب 1914 عُيّن هيربرت كيتشنر كوزير للحرب والّذي بنى أفكاره أساساً على طموح شخصي يهدف لأن يصبح مندوباً لبلاده يحكم جميع مناطق الشّرق الأوسط الّتي تتكلّم العربيّة وليس مصر فقط. ولكونِه صاحب الخبرة الوحيد في المنطقة؛ كانت آراؤه دائماً تؤخذ بجدّيّة.

وكغيرِه من الدّبلوماسيّين البريطانيّين، كان كيتشنر كثير الأخطاء، فكان “التّخمينَ وليس الحقيقة” أساس ما تعتمده حكومته عند وضع سياساتها.

انحسرت خطّة كيتشنر في دعم شخصيّة مسلمة (كخليفة) يحكم جميع مَن يتكلّمون العربيّة. معتقدا بأنَّ هؤلاء يشكّلون جماعات موحّدة ومتجانسة، ليُفاجئ بعدها بأنّه كان مخطئاً. حيث كانت تفرّق هؤلاء عواملُ عدّة كالثّقافة والعرق وخاصّة الدّين. فكانت أحدى نتائج جهله إقامة حكم سنّي في العراق، ذات الغالبيّة الشّيعيّة.

حدثت في بريطانيا تغيّرات جعلتها تفكّر بكيف تستفيد من تأثير العرب العثمانيّين لصالحها.

بعد فشلها في كاليبولس نتيجة اعتماد نصيحة كيتشنر وخرائطه المغلوطة، قامت بريطانيا باستبداله برئيس وزراء آخر هو ديفيد لويد جورج. الّذي تبنّى استراتيجيّة جديدة مفادها خلق صدع داخليّ واستغلال مشاعر العرب العدائيّة ضدَّ الأتراك الّذين حكموهم لعقود طويلة.

مارك سايكس -الخبير بالشّرق الأوسط- يختار شخصيّة مسلمة كخليفة يحكم جميع المناطق الّتي تتحدّث العربيّة، هي الشّريف حسين، اعتبره دمية يديرها البريطانيّون حسب رغبتهم. لم تنجح خطُّته، حيث أصرّ الشّريف على المطالبة بإقامة دولة عربيّة مستقلّة لا تخضع لأيِّ تدخّل أوروبّي. الأمر الّذي لم يناسب أطماع بريطانيا الإستعماريّة. فلجأوا لشخصيّة إداريّة عربيّة عثمانيّة هي محمد الفاروقي، الّذي أوهمهم بأنّه على علاقة وطيدة مع قادة القوميّين العرب العسكريّين في دمشق، وبأنَّه أمرهم  بتجهيز مئات الألوف من الجنود لمساعدة البريطانيّين في هزيمة العثمانيّين. ولكي يرضي الجانبين: البريطاني والشّريف حسين، قام الفاروقي بنقل معلومات خاطئة لهما، زاعماً بانَّه انتهى من تأمين ذلك العدد الكبير من الجنود. اقتنع البريطانيّون بأنَّ العرب قد يلعبون دوراً حيويّاً في دحر العثمانيّين. وافق البريطانيّون عندها على طلب الفاروقي بقبول طلب الشّريف حسين وباشروا بمباحثات جدّيّة لإقامة دولة عربيّة مستقلّة.

اعتمدت الاتّفاقيّة على معلومات مزيّفة وخدِع. فادّعاء الفاروقي بوجود مئات الألوف من الجيوش المجهّزة واستعداد بريطانيا للتّخلي عن مطامعها الاستعماريّة في المنطقة، كان مجرّد وهم وخيال. لكن ذلك لم يؤثّر على علاقة الطّرفين واستمرار الدّعم البريطاني للقيام بالثّورة ضدَّ العثمانيين.

*لعب ثومس إدوارد لورنس، لورنس العرب، المسؤول العسكري البريطاني، دوراً مهمّاً في التّواصل مع جيوش الشّريف حسين. وتعتبر مدوّناته مرجعاً مهماً لتلك الثّورة وولادة الدّولة العربيّة المستقلّة. وُصِف بامتلاك عدّة فضائل ليس بينها الصّدق، وقدّم أوهامه على أنّها حقائق. وصف الجيوش العربيّة بأنّها تفتقد للانضباط والتّدريب الّذي تميّزت به الجيوش العثمانيّة المُتدرّبة على الأسلوب الأوروبّي.

ففي صيف 1916 تمكّنت الجيوش المتحالفة من دخول مكّة، وطن الحسين الأم ومركز نفوذه، وفشلت في دخولها للمدينة المنوّرة.

ولم يدم تعثّر الثّورة طويلاً. ففي تمّوز 1917 تمكّنت القوّتان المتحالفتان من دخول “العقبة”، الميناء الجنوبي الوحيد لفلسطين، فبات الوصول لفلسطين سهلاً.

الطّريق لفلسطين وسوريا الآن مفتوحة وهناك قواعد بريطانيّة متمركزة بالقاهرة. عوامل وحّدت الفرق العسكريّة بقيادة لورنس وحسين للتّقدّم نحو فلسطين ودخول القدس.

 

المباحثات بين الإنجليز والفرنسيّين لتقاسم الشّرق الأوسط بعد الحرب.

بعد توقيع الشّريف حسين اتّفاقيّة مع الإنجليز، باشر البريطانيّون، يمثّلهم مارك سايكس، بإجراء مباحثات مع الدّبلوماسي الفرنسي فرانسوا بيكو، المنحدر من عائلة مستعمِرة ويحمل أطماعاً استعماريّة لبلاده في سوريا وفلسطين وإقامة حكم مباشر فيهما، معتبراً أراضيهما جزءاً من حقِّ الإمبراطوريّة الفرنسيّة الّذي كسبته من الحروب الصّليبيّة في القرون الوسطى.

عرض بيكو أفكاره على حكومته ورؤيته حول مستقبل فرنسا في الشّرق الأوسط. وبعد مباحثات طويلة ومعقّدة، مع البريطاني سايكس، تمكّن الطّرفان من توقيع اتفاقيّة –شكّلت أحد الأسباب الرّئيسة لأزمات الشّرق الأوسط الّتي لا تزال مشتعلة حتّى الآن– عُرفت باتفاقيّة سايكس/بيكو، رسمت حدوداً قوميّة جديدة لمناطق الشّرق الأوسط، أخذت فرنسا بموجبها الحكم المباشر على لبنان (الحديث) مع الحفاظ على نفوذها “بسوريا اليوم”، فيما أخذت بريطانيا معظم أراضي العراق الحديث والأردن وميناءَين على السّاحل الفلسطيني.

بالرّغم من معارضة السّوريّين للحكم الجديد وهشاشة استقلال الجزيرة العربيّة، غير أن نفوذ بريطانيا وفرنسا السّياسي والاقتصادي على المنطقة بقي فاعلاً وبقوّة. بقيت فلسطين المعضلة الكبرى، ما جعل بريطانيا تفكّر بمشروع يمنع فرنسا من تحقيق أيّ نفوذ فيها. فكان “تبنّي الصّهيونيّة وإنشاء وطن قومي لليهود” الفكرة الأمثل للصّهيوني جورج لويد. الأمر الّذي عرقل أيِّ اتّفاقٍ بين الدّولتين، فلجأت القوّتان لإنشاء إدارة دوليّة لحلِّ تفاصيل الحكم بفلسطين بعد انتهاء الحرب وخصوصاً بعد أن أدركت فرنسا أن بريطانيا استحوذت على معظم فلسطين ولا تعتزم إعطاءها أيّ جزء منها. وهذا بالفعل ما أسّس لصراع مستقبلي طويل الأمد.

لم يكن مشروع الصّهيونيّة قبل الحرب سهل التّطبيق لسببين رئيسيّين هما: رفض الفلسطينيّين الشّديد للفكرة، وعدم ملائمة الأرض الجديدة للأعداد الهائلة من اليهود الوافدين. وباستخدام المرجعيّة التّوراتيّة الزّاعمة بأنَّ فلسطين أرض موعودة لليهود، أصرَّ لويد على تنفيذه.

اعتقد سايكس وزميله جيرالد فيتزموريس بأنَّ دعم الصّهيونيّة يخدم بريطانيا في:

  • كسب دعم اليهود في الحرب. فكلاهما كانا يظنّان بأنَّ الصّهيونيّة هي الّتي تدير “حزب تركيّا الفتاة العثماني”.
  • الحفاظ على روسيا كجزء من القِوى المتحالفة عبر تأثير اليهود الرّوس.

وبانتصارها بفلسطين عام 1917، أعلنت بريطانيا دعمها الصّريح للصّهيونيّة بتوقيع “وعد بلفور” الّذي أعطى الحقَّ لليهود بالهجرة للأراضي المقدّسة شرط عدم المسّ بحقوق أصحاب الأرض الأصليّين. الإعلان الّذي أجّج الصّراع بالمنطقة إلى الآن.

بالعام الأخير للحرب وزوال الإمبراطوريّة العثمانيّة وتقدّم الحليفان العربي والبريطاني في أراضي حكمها، انكشف زيف جميع الوعود البريطانيّة للعرب. فكان الشّريف حسين أوّل مَن خدعه الإنجليز حين تمَّ عزله واستبداله بابنِهِ فيصل الّذي رأوه أكثر مرونة نحوهم، وكانوا بذلك محقّين، حيث وافق الإبن لاحقاً على إقامة الدّولة اليهوديّة. وبالوقت ذاته، تواصل البريطانيّون مع إبن سعود، الشّخص الأبرز في عائلته، ليحكم مع الزّمن، “السعودية” ويقود شعوب شبه الجزيرة العربيّة.

في أُكتوبر 1918 وصل هذا التّعامل المُخادع الى حدٍّ لا يحتمل السّكوت عنه، واستولت قوى التّحالف على دمشق القديمة.

أخبرت بريطانيا فيصل بخططها لإيجاد “حامية فرنسية” في سوريا، تطبيقاً لمعاهدة سايكس/بيكو السّريّة. وكذلك بأنّه لا يمكنه الحكم على أيٍّ من لبنان أو فلسطين. فما كان من فيصل إلّا الرّضوخ.

وبتوقيعهم اتّفاق هدنة، أعلن العثمانيّون وقف الأعمال العدائيّة ضدَّ بريطانيا وحق قِوى التّحالف من احتلال ما ترغبه من اراضي إمبراطوريّتهم المندثرة، منكرين أمام شعوبهم هذه الهزيمة وبأنَّهم حصلوا على امتيازات مفيدة مقابل تنازلهم. لم يقتنع الأتراك بذلك وقاموا بالعام 1920 بثورة للمطالبة بالاستقلال انتهت بالاستسلام وتبعه استسلامٌ ألماني مماثل. تقدمت بعدها الجيوش البريطانيّة واحتلّت القسطنطينيّة.

انتهت الحرب رسميّا لكنّها كانت بداية لاشتعال عداءاتٍ وصراعات لعقود لاحقة.

قوبل التّمدّد الاستعماري البريطاني والفرنسي في مناطق الشّرق الأوسط بمعارضة محليّة شديدة أنتجت الفكر المقاوم فيما كان الصّراع على السّلطة قائماً بين الشّريف حسين وابن سعود الّذي قامت بريطانيا أثناء الحرب بتمويل حملته لتولّي الحكم وبات بعد الحرب يتعدّى على المناطق الّتي كان يحكمها الشّريف حسين وتمكّن من القضاء على معظم جيشه المدعوم أيضاً من بريطانيا. ومن خلال سلسلة انتصارات بن سعود في شبه الجزيرة العربيّة، أدركت بريطانيا فشل تقييمها لقدراته. قام بن سعود بالعام 1925 بنفي الشّريف حسين وبسط سلطَته على جميع الأراضي الّتي أصبحت بالعام 1932 تدعى رسميّاً؛ السّعوديّة.

قاد كمال أتاترك، الّذي أصبح أوّل رئيس لتركيّا، ومجموعة من الجنود النّظاميّين بالعام 1920 ثورة هزموا فيها وحدة فرنسيّة في شمال البلاد. فتحرّكت بريطانيا الّتي لم تكن تعلم مسبقاً بنمو بذور للثّورات ضدَّها، وأطاحت بالحكومة القائمة.

كانت حينها جميع دول التّحالف ترسم اتفاقيّة لتقاسم الامبراطوريّة؛ ممّا زاد في إشعال ثورة الأتراك وعزّز حسّهم القومي. تمكّن أتاترك بعدها من دحر قوى التّحالف من الأراضي الّتي أصبحت تعرف الآن بتركيّا. وصلت جيوشه بالعام 1922 القسطنطينيّة وأطاحت بآخر سلطان هو محمّد السّادس، منهية بذلك حكماً استمرَّ ستّة قرون.

كان حينها بمنطقة حوض المتوسّط  صراع يختمر. فبعد انسحاب بريطانيا من سوريا عام 1919 ظهرت نسخة معدّلة من اتفاقية سايكس بيكو أوضحت بأنّه، وباستثاء شبه الجزيرة العربيّة، لا يمكن لأيّ بقعة في المنطقة أن تنعم باستقلالها.

أخذت بريطانيا تحت حكمها؛ فلسطين والعراق ومصر بينما أخذت فرنسا؛ سوريا ولبنان. وبالرّغم من تعهّد الدّول المستعمِرة للدّول الجديدة بنيل الاستقلال، غير أنّ ذلك لم يكن ضمن أولويّاتها.

بعد انسحاب الإنجليز من سوريا؛ سعى فيصل لأخذ ما وعده الفرنسيّون بمنحه “كاحتلال غير رسمي“. بمعنى منح سوريا استقلالها وبقاء فرنسا بموقع المستشار. لكنَّ مجيء الكسندر ميّران Alexandre Millerand رئيساً للوزراء، ألغى جميع الوعود السّابقة كما ورفض القوميّون العرب بدمشق تسوية فيصل في منح فرنسا دوراً ولو استشاريًّا في البلاد.

بالعام 1920 أعلن أتاترك استقلال تركيّا، تبعته سوريا. شمل ذلك اراضي سوريا وفلسطين ولبنان. الأمر الّذي نتجت عنه الحرب مع فرنسا وانتهى باحتلالها لدمشق بتمّوز ونفي فيصل.

واجه الانتداب البريطاني بفلسطين المقاومة ذاتها. وبالرّغم من محاولة تفكيكها، اجتمعت معظم النّخب السّياسيّة الفلسطينيّة على ضرورة المعارضة.

أدّى ظهور “العصابات الصّهيونيّة” بالعام 1920 لاقتتال الأطراف السّياسيّة بما فيها القدس. أدرك البريطانيّون جديّة المقاومة الفلسطينيّة وقدرتها على عرقلة المشروع الصّهيوني، فحاولوا اقناع القادة الفلسطينيّين بالمزايا الاقتصاديّة للمشروع والتّحسينات الّتي قد يوفّرها لهم وقرّروا ومعهم الأحزاب الصّهيونيّة، بأنّ بدلاً من أن تكون فلسطين هي الوطن الأم لليهود، أن يقام هذا الوطن داخل فلسطين. لم يقتنع  الفلسطينيّون بهذا واستمروا بمعارضته لكونه لا ينتهك فقط حقوق الإنسان الفلسطيني بل يهدّد وجودهم كشعب.

استمرّ البريطانيّون بمشروعهم. ففي عام 1922 وافقت عصبة الأمم  رسميًّا على الانتداب البريطاني بفلسطين -وهي الصّهيونيّة بشكلها المخفّف- كسياسة رسميّة حاكمة للدّولة الجديدة.

رسمت بنهاية 1922 حدود ما يعرف الآن بالشّرق الأوسط وتمَّ تقسيمه الى دول على الطّريقة الأوروبيّة.

لا شهيّة للاحتلال بعد الآن. تكلفة الحرب عالية بالنّسبة لأوروبّا، فهي تحتاج للطّاقة والقوى البشريّة لرعاية مستعمراتها الجديدة. أمّا بالنّسبة لبريطانا، لم تنتهِ الأحوال كما خُطّط لها. فدعمها للحسين وفيصل كقادة لما بعد الحرب في الشّرق الأوسط كانت نتيجته الفوضى. انتهى الحسين بالمنفى وفيصل حكم العراق وليس سوريا. ووعود بريطانيا بدعم الصّهيونية هدأت قليلاً بتغيير رئيس وزرائها لويد وامتدَّ تأثير تداعيات التّعامل السّياسي المشوّش في المنطقة حتّى يومنا هذا.

النهاية.

انتهى حكم العثمانيّين. حلّ مكانه الاستعمار الغربي تكوّنت ممالكَ في غير مكانها وجماعات معارضة مهمّشة تقاتل في نظام مضطرب جديد. فالمنطقة بأجمعها وخاصّة مناطق الانتداب البريطاني والفرنسي الأولى أصبحت تعاني ومنذ أكثر من قرن من حروب وصراعات كالّذي يجري بفلسطين والعراق والحرب وسوريا ولبنان. علماً بأنّه بعد سقوط إيطاليا بنهاية الإمبراطوريّة الرّومانيّة، أصبحت كل أوروبّا تعاني من صراعات ونزاعات لأكثر من 1000عام. فهل سيكون شأننا شأنهم؟ يبدو أنّ الإجابة، للأسف، “نعم”.

lo3bat elomam

Recent Posts

تراجيديا السّاحل : عندما تُقتلُ مرّتين

مرح إبراهيم ثلاثة أشهر مرّت على اللحظة النفسيّة التي جسّدتها ليلة الثّامن من كانون الأوّل…

1 hour ago

الحدث السوري والغرائز المتوحشّة منذ الثمانينيات حتّى اليوم

سامي كليب: كتب عالِم النفس الشهير سيغموند فرويد منذ عقودٍ طويلة : " إن الإنسانَ…

6 days ago

Le système métrique et le pied du roi!

Le système métrique et le pied du roi ! Nadine Sayegh-Paris Combien de mesures, de…

1 week ago

Et si le cœur n’était pas vraiment un cœur !

Et si le cœur n’était pas vraiment un cœur ! Nadine Sayegh-Paris Comme tout le monde…

2 weeks ago

رواية من خلف خطوط القهر والأمل

ديانا غرز الدين سؤال غريب ، من يصنع من؟ هل الواقع يصنعنا ام نحن نصنعه؟…

3 weeks ago

غرامشي يشرح انقياد الجماهير طواعية الى عبوديتها

روزيت الفار-عمّان أنطونيو غرامشي  الذي تأثر به كثيرون ومنهم المفكّر إدوارد سعيد؟ كيف يمكننا إسقاط…

3 weeks ago