وهمُ المثاليّة قد يوصل إلى الهلاك…مليار شخص يعانون نفسيًّا.
أدهم ياغي
خلال القرن العشرين، كان ألم الظهر المزمن يعتبر أحد أكثر المشاكل الصحية انتشاراً في العالم. أما اليوم، ومع الرفاهية التي وفرتها التكنولوجيا وانخفاض الجهد البدني، فقد طغت الاضطرابات النفسية على المشهد العالمي كأكثر المشاكل شيوعاً وما زالت في تنامٍ مستمر. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تجاوز عدد الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية المليار شخص. وبرأيي الشخصي، تعتبر إحصائيات المنظمة متفائلة للغاية، فمن الأسهل أن نحصي الأشخاص الذين “لا” يعانون من هذه الاضطرابات في عالم يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.
ولكن الأمر لا يتوقف هنا، فالمشكلة الحقيقية أننا نشهد توجهاً خطيراً يتمثل في تبني بعض هذه الاضطرابات النفسية من قبل شريحة كبيرة من الأشخاص، سواء من العامة أو مدربي التنمية البشرية “life coach”، ومن ثم محاولة تزيين هذه الاضطرابات والدفاع عنها. و من بين هذه الاضطرابات، المثالية والرغبة بالكمال. حيث نشاهد يومياً عشرات الفيديوهات “التحفيزية” التي تقدس العمل الشاق وتدعو الجيل الجديد إلى التوحش في مساعيهم نحو الكمال وامتلاك الثروات الفاحشة قبل تقاعدهم في سن الثلاثين!
فإذا كنت تعاني عزيزي القارئ من الرغبة المفرطة في فعل الأشياء بأعلى وأفضل المعايير الممكنة وتَجلِد نفسك بقسوة أمام أي فشل تواجهه، وتتوقع من نفسك ومن الآخرين معاييراً خارقة للطبيعة وأداءً أسطورياً في شتى الميادين، والأهم من ذلك إذا كنت تفضل أن يشتمك الآخرون على أن توصف بأنك إنسان (عادي)، فأنت ربما تنتمي لمن يسعون للمثالية والكمال. وغالباً ما تعاني من الاحتراق النفسي الدائم لرغبتك في إرضاء نفسك والآخرين وإبهارهم.
يعزو العالمان النفسيان توماس كوران وأندرو هيل هذا التوجه المثالي إلى ظهور النيو ليبرالية والميريتوقراطية، وهو نظام يعتمد في تقدمه على المقدرة والعطاء الفردي. وكدلالة على استفحال مشكلة المثالية والقلق المرتبط بالأداء، تشير إحصاءات الهيئة التنفيذية البريطانية للصحة والسلامة في بيئات العمل إلى أن 595 ألف شخص في المملكة المتحدة وحدها كانوا يعانون من الضغوط النفسية المرتبطة ببيئات العمل في عام 2018.
في المقابل، ظهرت الكثير من المقالات والكتب التي سلطت الضوء على مشكلة “المثالية”، ومنها كتاب “متعة عدم الكمال” للكاتب ديمون زهاريادس، الذي حذر من حجم كراهية الذات التي يعاني منها الساعون للكمال. حيث أورد الكاتب تقريراً مخيفاً عن حالات الانتحار في ألاسكا، والذي بين أن 56% من أولئك الذين انتحروا بين سبتمبر 2003 وأغسطس 2006 كانوا قد وُصفوا بالأشخاص “المثاليين” من قبل عائلاتهم وأصدقائهم. ويشرح زهاريادس في كتابه أعراض النزعة المثالية وأسبابها ويقترح مجموعة من الخطط البسيطة للتغلب عليها، مشيراً إلى أن تبني نظرة أقل تشنجاً للحياة يمكن أن تفضي في نهاية المطاف بحسب المؤلف إلى فهم المتعة الحقيقية للاسترخاء وتبني نظرة أقل تشنجاً للحياة ، حيث ربطت الكثير من الدراسات الحديثة بين الاسترخاء والقدرة على تحقيق النجاح ، واعتبرت أن الأشخاص الأقل سعياً نحو المثالية والكمال هم الأكثر تركيزاً وثقة بالنفس والأقدر على تحقيق أهدافهم وهذا ما يتمحور حوله أيضاً كتاب “فن اللامبالاة” الذي اشتهر عالمياً منذ سنوات.
لا شك أننا سنشهد في المستقبل المنظور تزايداً في الكتب والدراسات وحتى التطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي ستحاول التعامل مع هذه المشكلة، وتسهم في توعية الأفراد والمجتمعات بأهمية التوازن بين العمل والعائلة، وبين القيم المادية والروحية. ورغم وجود بعض هذه الجهود حالياً، إلا أنها ليست كافية أو عميقة بما يكفي، خاصة في ظل التشجيع العالمي على المثالية في الأداء وتقدير العمل الخالي من الأخطاء. والأهم من ذلك، تأثر الجيل الجديد من الأطفال والمراهقين بمجموعة من المدونين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين يسهمون في تقديم نماذج مشوهة حول طرق النمو الشخصي والمهني.
مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…
Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…
ترجمة عن صحيفة هآرتس لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…
ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…
Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…
Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…