أربع قادة عرب إلى الصين العادلة حيال فلسطين
سامي كليب
يزور قادة مصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين وتونس، الصين، حيث يبدأون غدًا الثلثاء وحتى الأول من شهر حزيران/يونيو المقبل محادثات سياسية واقتصاديّة رفيعة، ويشاركون في افتتاح المؤتمر الوزاريّ العاشر لمنتدى التعاون الصينيّ العربيّ الذي يُلقي فيه الرئيس الصيني خطابًا يُنتظر أن يكون كثير الرسائل في هذه الفترة من المواجهة الغربية الصينية بسبب تايوان، والمتزامنة مع الموقف الصيني العادل والشريف والصادق حيال القضيّة الفسطينية وسط نار حرب غزّة.
هذه الزيارة العربية الرفيعة تضم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة والرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيس الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وجميع هؤلاء سيجرون محادثات مع الرئيس الصيني، اضافة الى وزير الخارجية الموريتاني الذي يشارك في رئاسة المنتدى مع نظيره الصيني.
تأتي هذه المحادثات بعد نحو عام ونصف العام على القمّة العربية الصينيّة الهامّة التي عُقدت للمرّة الأولى في السعودية، وأعقبت القرارات الهامة التي اتخذها المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني حول التحوّلات الكُبرى في السياسة الخارجيّة، والتي يتصدّرها مشروع “الحزام والطريق”، والتصدّي لمحاولات الغرب تطويق الصين سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا وتكنولوجيًّا بعدما صارت بكين في صدارة دول العالم في مجالي التصنيع والتكنولوجيا، اضافةً إلى دورها المتنامي في المنطقة التي كانت حتى الأمس القريب حُكرًا على الاميركيين أو الغرب الأطلسيّ.
ثم إنَّ زيارة الوفد العربي الرفيع تحمل اليوم أكثر من رسالة ليس فقط حيال فلسطين، ولكن أيضًا لتأكيد الموقف العربي القائل بوحدة الصين، وهذا كبير الأهمية في الوقت الذي ترتفع حرارةُ المواجهة بين الصين والغرب حول تايوان هذه الأيام.
وإذا كان التبادل التجاري العربي الصيني قد شارف على 350 مليار دولار هذا العام، أي بزيادة وصلت إلى قرابة 40% عمّا كانت عليه في العام 2020، وإذا كانت دول الخليج وفي مقدّمها السعودية والإمارات صارت في طليعة شركاء الصين في المنطقة، وإذا كان الخليج بات موردًا مهما للنفط إلى الصين التي تزداد حاجتُها للذهب الأسود في ورشة التصنيع الهائلة عندها، فإن الرسائل السياسية في هذه المرحلة التي تشهد انهيار صورة أميركا عند العرب والأفارقة والعالم النامي بشكل عام، كبيرة الأهمية والدلالات.
لقد وقفت الصين، وخلافًا لمعظم المنظومة الاطلسية، إلى جانب الحق الفلسطينيّ، وهي بفضل علاقاتها القويّة مع العرب وإسرائيل قادرة على لعب دورٍ أكبر في التسوية السياسية، أليست هي نفسُها التي نجحت في جمع السعودية وإيران على أرضها في أهمّ اتفاق مصالحة بين الجانبين؟ ألم تنزعج واشنطن من هذا التقارب الكبير العربيّ الصينيّ حتّى وصلت المتحدّثة باسم البيت الأبيض إلى حدّ القول في أواخر العام 2022 :” «نحن لا نُملي على أصدقائنا علاقاتِهم الثنائية الخارجية». فردّت عليها السعودية بطمأنتها قائلة على لسان وزير خارجيتها فيصل بن فرحان :” إن التعاون مع ثاني أكبر اقتصاد ضروري، لكنّه لا يعني عدم التعاون مع الاقتصاد الأول. وإن للمملكة مصالحَ مشتركة مع الصين وأمريكا، وسنواصل العمل على تحقيقها.»
كان ولي عهد السعوديّة الأمير محمّد بن سلمان قد رفع قبل كلّ هؤلاء لهجةَ التحذير عاليًّا في وجه أميركا متحدّثًا عن بدائل لها إنْ لم تُحسن التصرف مع بلاده، وهي أضطرت لاحقًا إلى تحسين خطابها وتصرفاتها حين وجدت أنَّ السعودية أوصلت التبادل مع الصين إلى أكثر من 100 مليار دولار سنويًّا، واتفقت مع إيران برعاية صينيّة، واتخذت مواقف نفطيّة مع روسيا داخل أوبك بُعيدَ حرب أوكرانيا رغم أنف واشنطن، لا بل وتبادل البضائع مع الصين باليوان الصيني بدلاً من الدولار.
الصين كانت وما زالت ثابتةً في موقفها من فلسطين، وهذا كبير الأهمية للعرب في الوقت الراهن، ففي بيان القمّة العربيّة الصينيّة في السعوديّة، والتي حملت عنوان «قمة الرياض العربية – الصينية للتعاون والتنمية»، تمّ التأكيد على أنَّ القضية الفلسطينية تظل قضيةً مركزيّة في الشرق الأوسط وتتطلب إيجادَ حلّ عادل ودائم لها على أساس «حل الدولتين». وطالبت القمّة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأكّدت عدمَ شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة.
كما نصَّ الإعلان على أن الدول العربية تتمسك بشدة بمبدأ الصين الواحدة، وتدعم الصين في حماية سيادتها ووحدة أراضيها، وتؤكد مجددًا أن تايوان جزءٌ لا يتجزأ من أراضي الصين. وفي هذا الصدد بالذات، تبدو الزيارةُ العربيّة كبيرة التحدّي، حيث العلاقات الصينيّة الغربيّة الآن في أوج التأزم حيال تايوان التي تُنذر باشتعال الحرب فيها وحولها.
ومنذ 7 اكتوبر الماضي ترفع الصين وروسيا الصوتَ عاليًّا للأهداف عينها، لا بل أن الصين اقترحت مؤتمرًا دوليًّا للسلام ودعت الفصائل الفلسطينيّة للاتفاق على أرضها، وتسعى للتموضع كوسيط بين حماس وإسرائيل، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي استضافت بكين اجتماعاً لوزراء خارجيّة السلطة الفلسطينية وإندونيسيا ومصر والسعودية والأردن لإجراء محادثات تهدف إلى «تخفيف التصعيد» في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر.
ماذا يُريد العرب أكثر من ذلك لاعتماد الصين وسيطًا نزيهًا في صراعٍ مستمر منذ 77 عامًا، كان فيه الغرب الأطلسي بشكل عام وأميركا على وجه الخصوص طرفًا مؤيّدًا وداعمًا لإسرائيل في كل حروبها وخرقها القوانين الدوليّة واعتمادها الإبادة الجماعيّة؟.
إن تعزيزَ الاتجاه العربيّ شرقًا دون قطع العلاقة طبعًا مع الغرب بل موازنتها، صار شرطًا ضروريًّا لتعزيز الدور العربي والتوجّه فعليًّا نحو حلٍ عادل للقضيّة الفلسطينية والحفاظ على ثروات العرب. ;ولا شكّ في أنّ هذه الزيارة العربيّة وما سبقها وما يليها، ستُمهّد لإعادة إطلاق مسيرة السلام العادل على أسس جديدة في الشرق الأوسط.