آخر خبر

عندما كانت غزةُ تستقبلُ تشي جيفارا ومانديلّا

عندما كانت غزةُ تستقبلُ تشي جيفارا ومانديلّا

Jean-Pierre Filiu ( صحيفة لو موند الفرنسية)

ترجمة : مرح إبراهيم

عديدةٌ هي الشخصيّاتُ الأجنبيّةُ التي زارت غزّةَ، من تشي جيفارا إلى نيلسون مانديلّا، مرورًا بمالكولم إكس وجان بول سارتر، ففرانسوا ميتران وجاك شيراك وبيل كلينتون.

قبل عزلِ غزَّةَ عن العالم، بعد الحصار الذي فرضَته إسرائيل عام 2007، بدعمٍ من مصر، طالَما استقبل القطاع الفلسطينيّ شخصيّاتٍ أجنبيّةً مرموقةً. وقد انتظرَ جمال عبد الناصر عامين ونصف ـ بعد توليه السّلطة في القاهرة ـ  قبل أن يزورَ قطاع غزّةَ في آذار/مارس 1955،  الذي كان حينذاك تحتَ الإدارة المصريّة منذ هدنة 1949 مع إسرائيل.

ذلك أنَّ الأراضي الفلسطينيّة في غزَّة، التي تميّزت بفورتها النّضالية، لم تتردد لحظةً في التّظاهر ضد «الديكتاتور عبد الناصر»، قبل أن تخضع للوصايةِ المصريّة التي وجدَت فيها ـ أمامَ التهديد الإسرائيلي ـ أهون الشرَّين.

  ثمّ استغلّت ثلاث شخصيّاتٍ بارزة من اليسار الدوليّ فُرصة وجودها في مصر الناصريّة وزارَت غزة.

تشي ومالكولم إكس وسارتر

 كان أوّلُ هؤلاء الزوّار، في شهر حزيران/ يونيو، عام 1959، إرنستو “تشي” جيفارا، الذي كان قد تُوج، قبلَ خمسةِ أشهر، بنجاح الثّورة الكوبيّة. في الواقع، سارع فيدل كاسترو إلى إرسال رفيقه الأرجنتيني في جولة طويلة حول العالم الثالث الناشئ. استقبلَه عبد النّاصر في القاهرة، ثم ذهب تشي جيفارا إلى قطاع غزّة، برِفقةِ المسؤولين المصريين، حتى أثناء زيارتِه مخيماتِ اللاجئين.

لم تجعل ذكرى إقامة هذا المُناضِل الثوريّ، ذائع الصِّيت،  من “جيفارا” اسمًا شعبيًّا في غزة وحسب، بل في فلسطين كلّها، إذ سُمِّيَ به الذكور والإناث على حدٍّ سواء، وخصوصاً في العائلات ذات التوجّهِ التّقدميّ ( كان أحد الثّوار الماركسيين، الذي قتل في كمين إسرائيلي في آذار/ مارس 1973، بعد مطاردة طويلة، ملقّبًا بـ “تشي جيفارا غزّة”).

في أيلول/ سبتمبر، عامَ 1964، زارَ مالكولم إكس مخيّمَ خان يونس للاجئين، جنوبَ قطاع غزّة. كانَ هذا المناضلُ الأمريكيّ ذو الأصل الأفريقيّ قد أسلم قبل بضعةِ أشهر، وأدّى فريضة الحجّ في مكّة. التقى برجال دينٍ فلسطينيين، وأيضًا بالشاعر الفلسطيني [هارون هاشم رشيد، شاعر العودة] الذي نجا من مذبحة اقترفها الجيش الإسرائيلي عام 1956. وسجّل في مذكّراته أبياتاً من شعره: “لا بُدَّ أن نعود/لا معنى للحدود/لن توقفنا العقبات/سوف نعود” .

 نشر مالكولم إكس، بعد عودته إلى القاهرة، مقالاً عرَّى فيه الصهيونيّة، فلا يعترِف لها بأيّ حقّ في أرض “فلسطين العربيّة”، ويرى أنَّها مجرّد “شكلٍ جديد من الاحتلال”. يبدو التناقض صارخًا مع تحفُّظ جان بول سارتر الذي اقتصرَ على الإعراب عن التعاطف الإنسانيّ البحت حين زارَ مخيماتِ اللاجئين في غزّة، في شهر آذار/مارس، من العام 1967، مما أثار خيبة أملِ الفلسطينيينَ الذين كانوا ينتظرون منه تضامنًا سياسيًّا.

ميتران، وشيراك، وكلينتون ومانديلّا

كان فرانسوا ميتران الشخصيّةَ البارزةَ الوحيدةَ التي زارت غزّةّ بعد أن احتلّها الجيش الإسرائيليّ في حزيران/ يونيو، عامَ 1967. فكانت زيارته في شهر آذار/مارس، عامَ 1972 بصفةِ الأمين العام للحزب الاشتراكيّ، المقرّب تاريخيًا من حزب العمل الإسرائيليّ، الذي كان آنذاك في السّلطة. التقى ميتران بِرشاد شوّا، عمدة غزة المعتدل جداً، الذي سيُقيله الحاكم الإسرائيليّ بعد بضعةِ أشهر. أمّا أكثر ما أثّر في الزعيم الاشتراكيّ، فكانَ بؤس مخيّمات اللاجئين، ممّا دفعه إلى أن يكونَ من أوائل الزّعماء الأوروبيين الذين  تحدّثوا علناً عن ضرورة إنشاء  دولةٍ فلسطينية.

إنّها الدّولة التي اعتقد ياسر عرفات أنه قادرٌ على إقامتِها إذ ترأَّس السّلطة الفلسطينيّة في تموز/يوليو1994 في غزة، ثمرة اتفاقيّة السّلام الموقّعة مع رئيس الوزراء الإسرائيليّ إسحاق رابين. لم تكن السّلطة الفلسطينيّة تسيطر إلّا على ثلاثة أرباعِ قطاع غزّةَ المكتظ بالسّكان، لكنّ ذلك لم يمنع عرفات من استقبال جاك شيراك فيه، في شهر تشرينّ الأوّل/أكتوبر، عامَ 1996، إذ كرَّم الرئيسَ الفرنسيَّ بإطلاقِه اسمَ “شارل ديغول” على أحد الشّوارع الرئيسة في غزّة.

ومرّةً أخرى، استقبل عرفات في غزّةَ، العاهل الأردنيّ، الملك حسين بن طلال، في كانون الثاني/ يناير، عامَ 1997. جاء الملِك على متن طائرته المروحيّة (كان نتنياهو، رئيس الوزراء حينئذ أيضًا، قد منعه من استخدام طائرة). لكنَّ نتنياهو لم يكن يستطيعُ أن يعترض على هبوط طائرة بيل كلينتون الرئاسية Air Force One في غزّةَ في كانون الأوّل/ ديسمبر، عامَ 1998، لبضعِ ساعاتٍ، ضاعفَ خلالَها عرفات الإشاراتِ الخارجيَّة إلى السّيادةِ الفلسطينية.

 وبعد تسعةِ أشهر، زارَ أميرُ قطر، الشّيخ حمد بن خليفة آل ثاني، غزّةَ، لافتتاح تمثيلٍ دبلوماسيّ للإمارة. رافقَهُ فريقٌ من قناة الجزيرة، الفضائيّة التي يقع مقرّها في الدوحة، حيث كانت قد بدأت لتوّها بثّ الأخبار المستمرّة، محدثةً ثورةً في المشهد السمعيّ البصريّ العربيّ.

 كانَ نيلسون مانديلّا آخر ضيوفِ غزّةَ البارزين، الذي زارَها في تشرين الأوّل/أكتوبر، عامَ 1999، بُعيد نهاية ولايته في رئاسة جنوب أفريقيا. حينئذٍ، أعلنَ زعيم الكفاح ضدّ نظام الفصل العنصريّ في غزّة أنّهُ “من غيرِ المجدي أن تتحدّثَ إسرائيلُ عن السّلام بينما تواصلُ احتلال أراضٍ اغتصبتها بالقوة عام 1967”.

كانَ ذلكَ قبلَ ربع قرن.

lo3bat elomam

Recent Posts

غيمةَ العطر..اسكبيها

مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…

3 days ago

Et si le maquillage n’était pas seulement une affaire de femmes !

Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…

5 days ago

هآرتس: لم نحقق شيئًا، ولم نهزم أحدًا، واقتصادُنا منهار وشبابُنا يهاجرون

ترجمة عن صحيفة هآرتس  لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…

5 days ago

ملتقى أبو ظبي: وهم الاستقرار في عالم مضطرب ولكن….

 ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…

6 days ago

Quand changer l’heure devient une affaire d’état !

Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…

2 weeks ago

ماذا سيفعل ترامب في فلسطين واوكرانيا

  Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…

2 weeks ago