أشعر بالعارِ ممّا يقترفهُ بلدي إسرائيل في غزّة
“أشعر بالعارِ ممّا يقترفهُ بلدي إسرائيل في غزّة “
بقلم الفيلسوف دانييل ميلو
ترجمة مرح إبراهيم
يعربُ الفيلسوف الفرنسيّ الإسرائيليّ عن استيائه من حربٍ يعدُّها “انتقامًا” بحتًا، ويدعو الدّول الغربيّة إلى ثني إسرائيل عن الاستمرار في هذا النّهج.
وهذا أبرز ما قاله في حديثه إلى المجلّة الفرنسية Nouvel Obs:
لو كانَ عليَّ اصطحابُ كلمة واحدةٍ فقط إلى جزيرةٍ نائية، لاخترتُ كلمة “العار”، فإنّني حقًّا مسكونٌ بعارٍ حادٍ فظيع إزاء ما يرتكبه بلدي، باسمي، كمواطن إسرائيليّ ، في غزّةَ والأراضي المحتلّة. أجل، أشعر بالعار، وصدّقوني، لست المستعرّ الوحيد في إسرائيل. ثمة الآلاف ممّن يعتريهم هذا الشعور. ليس بوسعي أن أعطي إلّا نسبة تقريبيّة هنا، وآمل أن يُغفر لي ذلك، لكنّي أخمّنُ أن حالي حالُ ربعٍ صغيرٍ من قرّاء صحيفة “هآرتس” اليساريّة اليومية : إنّنا نشعرُ بالعار.
إنّ ما ارتكبته حماس في السّابع من تشرين الأول/أكتوبر، جريمةٌ شنيعةٌ وستبقى، وهي حقيقةٌ لا تحتملُ النقاش أو الملابسة. كانَ عليّ أوّلًا أن أفهم الغضب الذي يسكن أبناء وطني، وحتى أن أشاركهم فيه. في الحقيقة، أتفهّم رغبتهم في الانتقام، كما شعرتُ بها لفترةٍ من الزّمن، لكن ثمّةَ فجوةٌ تفصلُ بين هذه الرغبةِ وإشباعِها. وعلينا ألّا ننسى أنّ الإنسان، ككائنٍ ذي عقل وضمير، لا يملكُ الحقّ في تخطّيها. إنّ دولة إسرائيل لا تدافع عن أمنِها، كما يحقّ لأيّ دولةٍ أن تفعل شرعًا : إنّها تحاول إشباعَ رغبة انتقامٍ لا شيء يخمد نارّه.
بعد مذبحة كيشينيف عام 1903، كتب شاعرُنا الوطنيّ، حاييم نحمان بياليك، في قصيدته المشهورة :”عن المجزرة”: “ملعون من يقول: “انتقم” !الانتقام بدمِ طفلٍ صغير، نهجٌ لم يسلكه الشيطان [نفسه] “. إنّ الانتقام لدماء مجازر السّابع من تشرين الأول/أكتوبر بدماءِ آلاف الأطفال الفلسطينيين، والنساء والرجال، غير المنتمين إلى حماس، يجعلُنا، نحنُ أيضًا، شيطانيّين.
كان والدي، يوسف ميلفيتسكي، ضابطًا عسكريًّا في دولة إسرائيل النّاشئة. وُلدت وترعرعتُ في ما كان يسمىّ آنذاك “حيّ الجنرالات “. كان إسحاق رابين (رئيس الوزراء السّابق، الحائز على جائزة نوبل للسلام عن اتفاقيات أوسلو) يسكنُ مقابلنا. أمّا أرييل شارون (رئيس الوزراء السّابق) وموشيه ديان (قائد أركان الجيش ووزير الدفاع ـ لعبَ دورًا مهمًّا في بلورة اتفاقيّات كامب ديفيد) فكانا يسكنان في الشّارع المجاور. استطاعَ جيش الدفاع الإسرائيلي، تساحال، الذي ضمّ لفترةٍ طويلة نخبة بلادنا، أن يكونَ يومًا مصدرَ فخرها وهيبتها، لكنّه تحول إلى جيشٍ ضحلٍ، يقوده أشخاصٌ ذوو صفاتٍ إنسانيّةٍ متدنيّة، شغل فيهِ المتدينون والمستوطنون، المنبثقونَ من اليمين المسيانيّ، مكانةً متعاظمة. والحالُ أنّ هؤلاء ليسوا موجودين لضمان سلامة أحد. إنهم يبتهلون إلى لله قبل محاربةِ أولئك الذين يريدونَ رؤيَتهم مصعوقينَ بقذيفةِ الحقد.
أمّا رجال السياسيّة، فليسوا أفضل حالاً. عندما يزعم جيش هزيلٌ حمايتك، لا يمكنك أن تشعر بالأمان، واليوم أخشى على سلامةِ أبنائي وأحفادي، كما أخشى على سلامتي. إنها رسالةُ استغاثة، ودعوةٌ يائسةٌ أوجّهها إليكم، يا بشر البلدانِ المتحضّرةِ في أوروبا وأمريكا الشمالية وغيرها : أنقذونا من أنفسنا!
عن الكاتب
ولد دانييل ميلفيتسكي، المعروف باسم دانييل س. ميلو، عامَ 1953 في تل أبيب، وهو ابن أحد أوائل الضّباط في دولة إسرائيل النّاشئة. لجأ إلى فرنسا عامَ 1982، بعد اعتراضه على حرب لبنان. ناقش أطروحةً في الفلسفة، في مدرسة الدّراسات العليا في العلوم الاجتماعية، حيثُ أصبحَ محاضرًا في ما بعد. نشرَ العديد من الأعمال، بما فيها “اختراع الغد” (2011 ،Belles Lettres)، ومؤخّرًا “بقاء الأقزام” (جاليمار، 2024).