وفي غضون أسبوع واحد، أصدر الرئيس بايدن أمراً تنفيذياً لحماية البيانات الشخصية للأميركيين من الخصوم الأجانب، بما في ذلك الصين، وأطلقت إدارته تحقيقاً في التهديدات الأمنية المحتملة من الآليات التي تستخدم التكنولوجيا الصينية، وفرضت عقوبات على كيانات صينية لدعمها غزو روسيا لأوكرانيا.
وجاءت هذه الإجراءات ضد الصين في أعقاب اجتماع بين وزيري خارجية البلدين وانغ يي وأنتوني بلينكن، على هامش اجتماعات مؤتمر ميونيخ الأمني، الشهر الماضي. وفي الاجتماع، حذر وانغ، بلينكن، من أن تحويل عملية تقليص الأخطار إلى «إزالة الصين»، و«بناء ساحات صغيرة وجدران عالية»، والانخراط في «الانفصال عن الصين» (في إشارة إلى تايوان) سيؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج عكسية على الولايات المتحدة.
وبالفعل، فإن الإجراءات التي اتخذها بايدن تتناقض مع الأجواء الإيجابية التي نتجت عن القمة التي عقدها مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في كاليفورنيا، وخُصصت لتحسين العلاقات الثنائية التي تضررت العام الماضي، ووصلت إلى أدنى مستوياتها. كما زادت في الأشهر الماضية اللقاءات الدبلوماسية بين الجانبين، واستؤنفت الاتصالات العسكرية التي جمدت في أعقاب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي عام 2022 إلى تايوان. وهو ما ساهم في ضمان عدم حصول أي حادث «غير مقصود» في مضيق تايوان، التي أجرت انتخاباتها الرئاسية في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي.
كما أطلق البلدان مجموعة عمل مشتركة لوقف تدفق المواد الصينية المستخدمة في صناعة مخدر «الفنتانيل» وغيرها، إلى الولايات المتحدة، وهو ما عُدّ إشارةً واضحةً عن نية البلدين تعزيز تعاونهما. فلماذا اتخذت إدارة بايدن هذه الإجراءات ضد الصين الآن؟
قلق أمني من الصين؟
رغم تجنب البيت الأبيض الرد على هذا التساؤل من عدد من الصحافيين في أعقاب الإعلان عن تلك الإجراءات، اكتفت نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض، أوليفيا دالتون، بالقول إن بايدن «قلق بشأن دول مثل الصين»، مضيفة أن «الصين تتطلع الآن إلى إغراق السوق هنا في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم بمركبات مجهزة بتكنولوجيا متقدمة… إنها قضية أمن قومي نأخذها على محمل الجد».
قال مسؤول في الإدارة للصحافيين خلال مؤتمر صحافي إن التحقيق الذي أطلق وزارة التجارة يوم الخميس للتأكد من أن السيارات الصينية التي تسير على الطرق الأميركية لا تقوض الأمن القومي الأميركي، هو «مكمل ومتميز» عن الأمر التنفيذي الذي أصدره بايدن، لحماية البيانات الشخصية للأميركيين من الصين وغيرها من الخصوم الأجانب، ويمنع عمليات النقل الجماعي للبيانات مثل معلومات تحديد الموقع الجغرافي والقياسات الحيوية والصحية والمالية إلى «البلدان المثيرة للقلق».
وكان بايدن قد حذر من تلك الأخطار، وقال في بيان إن «المركبات المتصلة من الصين يمكنها جمع بيانات حساسة حول مواطنينا وبنيتنا التحتية وإرسالها مرة أخرى إلى الصين».
سيارات «بي واي دي» الصينية
غير أن مراقبين أشاروا إلى أن هذه الخطوة بدت استعداداً «لغزو متوقع» من السيارات الصينية الكهربائية منخفضة الأسعار، للأسواق الأميركية، بعدما فتحت شركة «بي واي دي» الصينية العملاقة مصنعاً في المكسيك، من شأنه أن يستفيد من تخفيضات جمركية كبيرة، بموجب اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
ورغم ذلك، أشار آخرون إلى أن بايدن، الذي يواجه حملة انتخابية قاسية ضد خصمه الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترمب، أراد الظهور بموقف قوي تجاه الصين، في مواجهة التحريض الذي يمارسه ترمب ضده، متهماً إياه بالضعف في التعامل مع الصين، وبأنه يوازن في علاقته معها بين تعزيز التعاون وبين الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة.
وأعلنت إدارة بايدن، الأسبوع الماضي، فرض عقوبات على شركات وكيانات صينية، في إطار الإجراءات التي اتخذتها بمناسبة الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا. واستهدفت العقوبات التجارية كيانات في روسيا وفي دول تعدها الإدارة داعمة للمجهود الحربي لموسكو.