حرب المئة عام على فلسطين. رشيد الخالدي.
روزيت الفار
خارجاً عن الأسلوب التّقليدي المألوف الّذي يعتمده المؤرّخون في أعمالهم الكتابيّه كالمراجع والبحوث الأكاديميّة، ارتأى رشيد الخالدي أن يضيف لتلك المصادر بعداً مختلفاً يتعلّق بتجربته الشّخصيّة، وبأرشيف عائلته المقدسيّة المرتبطة بالتّاريخ الفلسطيني، كذاكرة وطن معرفيّة عميقة اعتمده الكاتب في كتابه؛ وخصوصاً أنّ بعضاً من عائلته كان قد شارك في الأحداث وشهد عليها، إضافة لغنى أرشيفهم الزّاخر بتقارير ومدوّنات ومقابلات لشخصيّات من ذوي المكانة المجتمعيّة والسّياسيّة والثّقافيّة العالية، يُظهر بُعد وجهات نظرهم نحو ما كان يجري حولهم من قضايا. مستخدماً لغة سرديّة وأسلوباً سلساً كي يعرّف القارئ، وخصوصاً في الغرب، بالقضيّة الفلسطينيّة؛ ويسهّل عليه فهمها المعقّد.
كان للجدِّ الأكبر للعائلة، الحاج راغب الخالدي، مكتبة تضمُّ 1200 مخطوطة و2000 كتاب صدر معظمها بالّلغة العربيّة و ترجم بعضها للغات أجنبيّة كالتّركيّة والفارسيّة، اعتمدها الخالدي أيضاً في مؤلّفاته المتعدّدة كمرجع موثوق ومهم.
يتألّف الكتاب من ستّة فصول؛ اعتبر المؤلّف كلّاً منها إعلان حرب مثّل تحوّلاً مفصليّاً في الصّراع الفلسطيني.
نقاط مهمّة ركّز عليها الكاتب:
“استحلفكم بالله أن تتركوا فلسطين وشأنها”.
بعام 1899، قام يوسف ضياء الخالدي، محافظ القدس (Mayor) بإرسال كتاب تودّدي إلى ثيودور هيرتزل، الصّحافي النّمساوي وقائد الحركة الصّهيونيّة، مبدياً إعجابه بشخصه وواصفاً اليهود والمسلمين بأبناء العم، ومعرباً بالوقت ذاته عن قلقه تجاه رؤية هيرتزل الخاصّة بإقامة دولة لليهود في الشّرق الأوسط -بعد زيارة الأخير لها للمرّة الوحيدة 1898- ومستشعراً خطر ذلك على تجريد السّكّان الأصليّين من ملكيّة أراضيهم. واختتم الرّسالة بالتماس جاء فيه: “استحلفكم بالله” أن تتركوا الفلسطينيّين وشأنهم”.
وبخلال شهر، جاءه الرّد مطمئناً إيّاه من أنّ تدفّق اليهود الأوروبيّين إلى فلسطين سوف يجلب معه الخير للفلسطينيّين ويحسّن من مستوى العيش للجميع. بالطّبع كان ذلك عكس ما حصل تماماً.
الحكم البريطاني ووعد بلفور.
بقيت فلسطين طيلة 4 قرون؛ تحت الحكم العثماني وبأغلبيّة سكّانيّة مسلمة شكّلت 94%، وأقليّة من المسيحيّين واليهود. وبالوقت الّذي كانت فيه دول المنطقة تعتبر زراعيّة، كانت فلسطين تتقدّم نحو الحداثة وتقوم بإنشاء سكك حديديّة ومحطّات توليد كهرباء وتعمل على تطوير التّعليم. لكنَّ ذلك تغيّر عام 1917.
انتهت الحرب العالميّة الأولى؛ وجاء الانتداب البريطاني ليحلَّ محلَّ العثماني. وفي نوفمبر من العام ذاته، صدر وعد بلفور المشؤوم والّذي قضى بإعطاء اليهود وطناً قوميّاً لهم في فلسطين، متضمّناً وجوب احترام الحقوق المدنيّة والدّينيّة للسّكان غير اليهود، دون أيِّ ذكرٍ لحقوقهم السّياسيّة أو حقِّهم في تقرير المصير.
وبليلة وضحاها؛ حصلت الحركة الصّهيونيّة على دعم أكبر امبراطوريّة استعماريّة عالميّة. الحقيقة السّياسيّة الّتي أغضبت الفلسطينيّين الّذين كان لهم هويّة وطنيّة كغيرهم من شعوب الدّول المجاورة، (سوريا ولبنان والعراق).
أراد الفلسطينيّون فكَّ قبضة المستعمر الأوروبّي عنهم. ومن أجل ذلك عقدوا خلال الأعوام الممتدّة بين 1919 و1928 عدّة مؤتمرات ملتمسين الاستقلال من الإنجليز، الطّلب الّذي لم يلق أيَّ تجاوب من الطّرف المقابل؛ بل على العكس، استمرّ المشروع الصّهيوني بالتّقدّم دون أيَّ اعتراض.
وفي عام 1922 أصدرت عصبة الأمم صكَّ الانتداب البريطاني والّذي جاءت بنوده ال28 مرسّخةً للحكم الذّاتي لليهود في المنطقة دون أيّ احترام لرغبات الأغلبيّة العربيّة أو حتّى اعتراف بحقوقها.
وبحماية شرعيّة مؤيِّدة، تمكّن عشرات الآلاف من اليهود الأوروبيّين من التّوافد سنويّاً والاستقرار بفلسطين، كانت الغاية الأساسيّة من ذلك التّوافد استعمار المنطقة، متمتّعين بالوصول للاستثمارات الخارجية.
بنهاية عشرينات وبداية ثلاثينات القرن الماضي، كانت فلسطين لا تزال تحت الانتداب البريطاني الّذي سعي لإحداث توازن بين المجموعات المتنازعة آنذاك من الفلسطينيّين واليهود -الّذين أصبح عددهم يشكّل ما نسبته 20% من العدد الكلّي للسّكان- بوضع خطّة تقسيم بإدارة الّلورد بيل Lord Peel توصي بتخصيص 17% من الأرض الفلسطينيّة لليهود ليقيموا عليها دولتهم. الأمر الّذي لم يرض عنه الفلسطينيّون وثاروا ضدّه، لتلقى ثورتهم قمعاً عنيفاً ذهب ضحيّته 10% من الذّكور البالغين بين قتيل وجريح وسجين.
9 أبريل 1945 تمّ تنفيذ أكثر من 100 حالة ذبح لأهالي دير ياسين؛ وعشرات الإعدامات الميدانيّة الأخرى، إذ كان يكفي وجود رصاصة واحدة بيد فلسطيني كي يعدموه. فما كان ذلك إلّا ليؤسّس لعنف مستقبلي أشدّ.
وبانتهاء الحرب العالميّة الثّانية ونتائجها وأعادة هيكلة النّظام السّياسي للمنطقة، بقيت بريطانيا محتفظة بعلاقات طيّبة مع بعض الدّول حديثة الاستقلال مثل مصر والأردن. وباتت الولايات المتّحدة الأمريكيّة وروسيا؛ القوّتين العظميين في المنطقة، دون أطماع استعماريّة للأخيرة بالمنطقة.
كان لهذا التّحوّل تأثيرٌ سلبيٌّ على مشروع الاستقلال لدى الفلسطينيّين؛ بسبب تعاطف تلك القوّتين للجانب الصّهيوني بعد فظائع الهولوكوست.
النّكبة وقيام دولة إسرائيل.
صدر قرار أممي بعام 1947 يحمل رقم 181 مدعوماً من أمريكا والاتّحاد السّوفييتي؛ يقسّم فلسطين بين دولتين: يهوديّة بنسبة 56% والباقي عربيّة. لكنَّه لم يدم.
وفي ربيع 1948 باشرت حملة عسكريّة صهيونيّة ضخمة تدعمها مجموعات من المليشا، بتنفيذ الخطّة D والّتي تقضي باقتحام مدن يافا وحيفا والقرى المجاورة والاعتداء على سكّانها. تمّ ترحيل 60000 من العائلات اليافويّة فقط، تبعه بعد شهر حصارٌ ثمّ هجومٌ شرس، لم يلق حينها مقاومة أهليّة قويّة، تمكّن فيه الصّهاينة من احتلال 78% من كامل أرض فلسطين وتدمير مدن وقرى بأكملها وترحيل وقتل مَن رفضوا الرّحيل، (أقامت إسرائيل فيما بعد فوق هذه القرى، الجنائن الخضر الّتي يمكن لأيّ زائر أن يشاهدها عند زيارته لفلسطين المحتلّة دون أن يعرف بأنّها أُقيمت فوق جثث أصحابها) كما تمَّ تهجير 720000 فلسطينى للخارج مع بقاء 160000 يجهلون مصيرهم. وهذه هي النّكبة الفلسطينيّة الّتي أُعلنت إسرائيل على إثرها بتاريخ 15 أيّار 1948 قيام دولتها.
حرب السّتّة أيّام.
بقي التّوتّر بعدها قائماً بين الجانبين واستمرّت إسرائيل بممارساتها الإجراميّة -الّتي غفل عن ذكرها الكثيرون- ومنها الإعدامات الميدانيّة الّتي نُفّذت بأكثر من 450 فلسطيني مدني في رفح وخان يونس بعام 1956.
وفي عام 1967 قامت إسرائيل بتعزيز جشعها التّوسّعي وبتوجيه ضربة جوّيّة استباقيّة طالت القوّة الجوّيّة للدّول المجاورة ودمّرتها تدميراً كاملاً، نتج عنها احتلال أراضي الضّفّة الغربيّة من الأردن و(قطاع) غزّة وكامل شبه جزيرة سينا المصريّة ومرتفعات الجولان السّوريّة. تزعم إسرائيل بأنّ شرارة الحرب جاءت نتيجة لإغلاق مصر لمضائق تيران أمام الملاحة الإسرائيليّة بعد احتلالها للأراضي الفلسطينيّة.
حدث كلّ ذلك بأقلّ من أسبوع وهو ما سمّي بحرب الأيّام السّتّة الّتي، وبالرّغم من قصر مدّتها، استطاعت اسرائيل من خلالها، تحديد مصير فلسطين لعقود لاحقة، ساعدها في ذلك تفوّقها العسكري وحسن الاستعداد للمعركة. أمران افتقدهما الجانب العربي، إضافة لثقة الجانب العربي بالوعود الأمريكيّة الّتي كانت تدّعي الحرص فيها على مصالحه وحقوقة، والّتي ظهرت بالنّهاية بأنّها كاذبة. إضافة للدّعم الأمريكي لهذه الدّولة الّتي رأى فيها الرّئيس الأمريكي آنذاك “لندن جونسون” حصناً رادعاً بوجه الاتّحاد السوفييتي، فكان تأييده للضّربة خطوة مهمّة نحو تحالف أمريكي إسرائيلي مستقبلي متين. تبعه قرار 242 للأمم المتّحدة الّذي جاء ليرسّخ هذا الاحتلال بمراوغة في تحديد هويّة فلسطين إن كانت أمّة أو شعباً.
ظهرت بعد ذلك أجيال تحمل أسلوباً جديداً من النّضال وقوّة من نوع جديد. ففي السّتّينات والسّبعينات كان للفلسطينيّين المُبعدين، إميل حبيبي وغسّان كنفاني، إسهامات في الدّفاع عن القضيّة من خلال التّركيز في أعمالهما الأدبيّة من روايات وقصص قصيرة، على موضوع الهويّة الفلسطينيّة. إضافة لقيام فصائل شعبيّة وتنظيمات مقاوِمَة تنادي بالتّحرير، وعلى رأسها منظّمة التّحرير الفلسطينيّة .PLO
حرب لبنان 1982.
في 4 حزيران 1982. سُمع دوي انفجارات يهزُّ وسط بيروت. لم تكن تلك الأصوات غريبة على سمع الكاتب الّذي كان بتلك الفترة يعمل استاذاً بالجامعة الأمركيّة ببيروت والّذي كان قد اعتاد على سماعها طيلة سنوات الحرب الأهليّة. لكنّ هذه المرّة أتت مختلفة فهي صوت انفجارات شديدة من عدوّ لئيم. كان الهدف منها بطبيعة الحال، القضاء على منظّمة التّحرير الفلسطينيّة والّتي كانت حينها متواجدة هناك مع عدد يفوق ال300.000 لاجئ فلسطيني، إضافة لرغبتها في كسر روح المقاومة داخل الأراضي المحتلّة.
تابعت إسرائيل قصفها الجوّي مصحوباً بضربات من البحر والبرّ بمساندة عسكريّة أمريكيّة وإمدادات مستمرّة، ما جعل فِعل المقاومة ضعيفاً وأصبحت طرفاً نفذ سلاحُه دون أيّ إمداد من الجانب العربي بعد تخلّي الأخير عنها نتيجة قيام بعض من عناصرها بأعمال نضاليّة قبل الحرب. فاضطرّت المنظّمة أن تخرج من لبنان في آب من العام ذاته؛ تاركة مدينة بيروت مدمّرة مع 19000 من القتلى الفلسطينيّين واللّبنانيّين.
بالرّغم من محاولات التّهدئة الّتي قامت بها المنظّمة؛ غير أنّ أعمال العنف بقيت مستمرّة. ففي أيلول قام حزب الكتائب اللّبناني وبدعم وبتنسيق إسرائيلي برئاسة أرئيل شارون، رئيس حزب اللّيكود المتطرّف، قام المنفّذون بذبح وقتل ما لا يقل عن 3000 من أهالي مخيّمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيّين العزّل. وهو ما عرف لاحقاً بمذبحة صبرا وشاتيلا.
إنتقال المقاومة من الخارج إلى الدّاخل وبدء المفاوضات.
لكنّ ذلك لم يبطل فكرة المقاومة بل على العكس، ما كان منه إلّا ليزيد الفلسطينيّين داخل الأرض المحتلّة حماساً. جاء اندلاع “الانتفاضة الأولى” بديسمبر 1987 كردّة فعل مباشرة لقيام السّلطات الإسرائيليّة بدهس وقتل 4 فلسطينيّين من مخيّم جباليا؛ ما دفع لخروج مظاهرات واعتصامات تطوّرت لتنتج “انتفاضة” جاءت بعض الشّيء متأخّرة، لكنَّها استمرّت ثمان سنوات.
بعد أن عاش الفلسطينيّون، ولعقدين بعد حرب ال67 حياة محفوفة بالمخاطر في ظلِّ تراكم الضّغوطات والفقر والتّجريد من الملكيّة والإحباط، كان لا بدَّ من القيام بعمل لمواجهة هذا الظّلم.
كانت الإنتفاضة كبداية، خياراً واعداً. لكنّ إمكانيّة تحقيق التّحرير -كما سيأتي لاحقاً- قد أهدرت.
صحيح أنّ الانتفاضة قادت الإسرائيلي للتّفاوض لكنّ نتائجها كانت عقيمة وأنتجت معاهدة بائسة.
ضاعفت إسرائيل من شدّة قبضتها على جميع الأراضي المحتلة وقامت ببناء أكثر من 200 مستوطنة داخل حدودها المقرّرة أمميّاً، ترافق ذلك مع عمليّات قمع لأيٍّ من مظاهر الوطنيّة الّتي مارسها الفلسطينيّون سواء رفع الأعلام أو تنظيم اتّحادات تجاريّة، حيث قامت إسرائيل بفرض قيود ومخالفات نقديّة كبيرة عليها، وبالضّرب والسّجن وبجميع أشكال التّعذيب.
انشقّت الانتفاضة عن النّهج المسلّح للمنظّمة. فدعت إلى العصيان المدني كالقيام بإضرابات واتّباع سياسة المقاطعة والخروج بمظاهرات عامّة. امتدّت قاعدتها الشّعبيّة ولاقت دعم الطّبقة المتعلّمة من أصحاب المهن، وبالمثل من الطّبقة الفقيرة، واتّخذت المرأة فيها أدواراً قياديّة. لكنّ الرّد الإسرائيلي كان يأتي دائماً عنيفاً وغير متكافئ وصل حدّ القتل.
تمكّنت الانتفاضة من جرِّ إسرائيل لمحادثات سلام -كانت منذ بدايتها فاشلة- جلست فيها المنظّمة، لأوّل مرّة، كممثّل شرعي للشّعب الفلسطيني. ولسوء الحظ، برئيسٍ فاقدٍ للخبرة الدّبلوماسيّة، حيث كان منفيّا منذ 1967 وبعيداً عمّا يجري داخل الوطن. عدا عن أنَّ أمريكا، حليفة إسرائيل، هي مَن كان وسيط المباحثات الّتي لم يتمّ تقديمها إلّا بعد اطّلاع إسرائيل المُسبق على مسوّدتها وإعطاء الموافقة عليها.
فما كان لتلك المباحثات إلّا أن تتمخّض عن اتّفاقيّة أوسلو (الأولى والثّانية) والّتي كانت بمثابة نكبة جديدة حلّت بالفلسطينيّين. سُمح بموجبها لياسر عرفات وأعضاء المنظّمة بالدّخول للأراضي المحتلّة ومنحه سلطة ذاتيّة هزيلة “السّلطة الفلسطينيّة” فهي مجرّد صورة بائسة من الحكم الذّاتي، مقابل اعتراف المنظّمة الرّسمي بإسرائيل كدولة تحتفظ بالسّيطرة على قضايا حسّاسة كالأمن والسّكن وحق بناء مزيد من المستوطنات.
احتفل عرفات بهذا الإنجاز واعتبره تاريخيّاً وخطوة أوّلية نحو التّحرير والاستقلال.
قيام حركة المقاومة الإسلاميّة (حماس).
لم تأتِ اتفاقيّات أوسلو كما التّوقّعات، بل زاد حال الفلسطينيّين سوءاً. فُصلت المناطق عن بعضها وتناثرت الحواجز وكثرت نقاط التّفتيش بينها وأصبح التّنقّل والسّفر والوصول يشكّلوا عبئاً كبيراً على الفرد الفلسطيني؛ إذ كان ذلك يتطلّب الحصول على إذن مسبق من السّلطات الإسرائيليّة وهذا لوحده عمليّة معقّدة غير مضمونة النّتائج. وفي حال تمّ أخذ الإذن فعلى الفلسطيني أن ينتظر التّأخير والمماطلة والإذلال والتّحقير في عمليّة التّفتيش قبل مروره، علماً بأن كان هناك طرق خاصّة بالمستوطنين صمّمت لراحة تنقّلهم ووصولهم.
تمّ حظر التّجارة الصّناعيّة وتدهورت حالة الاقتصاد وارتفعت نسبة البطالة الى 50%. مع ذلك، رغبت المنظّمة بالحفاظ على الوضع الراهن. لكنّ على الجهة المقابلة؛ ظهرت مجموعة جديدة تَعِدُ بإحداث تغيير جذري.
ساهم استمرار إسرائيل بالقمع والتّعنيف بتعزيز نوايا هذه المجموعة، زد على ذلك فشل المنظّمة من الدّفاع عمّا وقّعت عليه في أوسلو.
تمادت إسرائيل بتمسّكها بما احتلّته من أراضي الفلسطينيّين. إلى أن قام شارون بخروج مُستَفِز للقدس الشّرقيّة. الأمر الّذي أثار سخط الفلسطينيّين فأشعلوا القتال مستخدمين الرّصاص الحي ليتلقّوا ردّاً إسرائيليّاً أشدَّ وأعنف. تفاقم الوضع تدريجيّاً إلى أن أدّى لولادة انتفاضة ثانية أعنف من سابقتها والّتي قتلت إسرائيل فيها 5000 فلسطيني معظمهم من المدنيّين.
اعتمدت حماس -وهي فصيل ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين- في انتفاضتها الجديدة أسلوب العودة للسّلاح والتّفخيخ الانتحاري حين تأكّدت من عجز السّلطة على تحقيق الوعود عبر نهج الدّبلوماسيّة.
تصاعد التّوتّر عام 2006 حين نجحت حماس بالانتخابات ووصلت للحكم، ما دعا إسرائيل لفرض حصار على غزّة وقطع الماء والكهرباء وجعلها سجناً مفتوحاً. كانت حماس تطلق صواريخ محليّة الصّنع عبر الحدود من حين لآخر. وبلباس الضّحيّة الّذي اعتمدته إسرائيل في انتقامها الهمجي، قامت باجتياح القطاع 3 مرّات كان أعنفها 2014 الّذي أطلقت فيه حماس 4000 صاروخاً قتلت 5 إسرائيليّين ممّا جعل الأخيرة تقوم بقصف القطاع لمدّة 51 يوماً وشن 6000 غارة جويّة و50000 تفجير وبتنفيذ عدد لا يحصى من هجمات المروحيّات والطّائرات دون طيّار. ما أسفر عن تدمير شامل للمباني وكافّة المؤسّسات والبنى التّحتيّة وقتل الآلاف من الغزّيين.
2017: ترامب من القدس وما اعتبره “صفقة القرن، وبكل عنجهيّة وصلف: “لقد أزلنا مسألة القدس عن الطّاولة ولا مجال للحديث عنه مجدَّدا”. والّذي تمّ من خلاله الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل والأمر بنقل سفارة الولايات المتّحدة الأمريكيّة من تل أبيب إليها.
هذا القرار المتسرّع Rash Decision كما وصفه الكاتب. قلب تسوية 70 عاماً رأساً على عقب، والّتي كانت تعتبر المدينة المقدّسة؛ أراضٍ حياديّة. جاء هذا -كما القرارات السّابقة- محقّراً للحقّ الفلسطيني غير معترف به بالأصل.
هكذا ممارسات، مضافاً إليها ما تنفّذه إسرائيل من سياسات داخليّة قمعيّة متعسّفة فيه تهميش للحق الفلسطيني، من شأنه أن يفاقم نهجها الجائر الّذي اتّخذته بالأصل. فمثلاً قيام الكنيست بعام 2018 بتبنّي قانون يشرّع حق تقرير المصير لليهود فقط. كذلك تشريع بناء المزيد من المستوطنات، تتعارض كلّها مع قيم الدّيموقراطيّة الّتي تعهّدت بها إسرائيل تجاه نفسها.
برأي الكاتب إنّ الطّرفين ارتكبا جرائم مع اختلاف بمستوى الحدّة.
بعد كلّ هذا. هل بقي هناك أمل للسّلام؟
كيف سينتهي الاحتلال الاستعماري؟ إذا اعتمدنا على الرّواية التّاريخيّة، يقول الكاتب، فإنّ الحل يكمن في 3 طرق:
وأيٌّ من تلك الحلول يصلح للقضيّة الفلسطينيّة؟
الرّسالة الّتي يحملها الكتاب هي أنّ الشّعب الفلسطيني يعاني منذ مئة عام من احتلال استعماري جائر لأرضه؛ بدأته واستمرّت به قوى أوروبيّة، ولا يزال يتلقّى دعماً أمريكيّاً؛ سياسيّاً ومادّيّاً.
وبالرّغم من كلِّ الضّغوطات، لا يزال الفلسطينيّون يناضلون من أجل الاعتراف بحقوقهم.
وحسب رأي الكاتب، فإنّ أيّ حل يجب أن يؤكّد على وجوب حصول جميع سكّان الأراضي حقوقاً كاملة للعيش والعمل والتّنقّل ممارسة حق تقرير المصير.
وإلّا، ستبقى فلسطين تواجه مصيراً مجهولاً.
لكنّ العدالة والسّلام، ليسا مستحيلين ولا يزالان خياراً قابلاً للتّطبيق.
رشيد الخالدي. مؤرّخ فلسطيني أمريكي بارز ويعيش حاليّاً هناك. يعمل أستاذاً للدّراسات العربيّة الحديثة بجامعة كولومبيا وشغل مقعد الرّاحل إدوارد سعيد لقسم التّاريخ بهذه الجامعة.
عاش 15 عاماً من عمره في لبنان شهد خلالها الحرب الأهليّة والاجتياح الإسرائيلي 1982.
عمل مستشاراً للوفد الفلسطيني في مباحثات السّلام بين عامي 1991-1993.
له عدّة مؤلّفات؛ فيها للتّاريخ والقوميّة، والقوميّة الفلسطينيّة بالذّات، نصيب كبير. له العديد من المقالات حول جوانب مختلفة من تاريخ المنطقة والشّرق الأوسط.
مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…
Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…
ترجمة عن صحيفة هآرتس لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…
ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…
Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…
Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…