من هو المغربي عُمر زنيبر رئيس مجلس حقوق الانسان الأممي
عُمر زنيبر الرئيس المغربي لمجلس حقوق الانسان الأممي. بورتريه
جاسم اهداني*
عمر زنيبر، الرئيس المغربي الجديد لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هو دبلوماسي مخضرم، خبير بوكالات الأمم المتحدة، كان ممثلاً دائمًا للمملكة المغربيّة لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف منذ عام 2018.
اسمه كان حديث الصحافة يوم الأربعاء 10 كانون الثاني/ يناير. حتى ذلك التاريخ، لم يتمكن الفريق الأفريقي، الذي يتولى رئاسة المجلس بالتناوب، من الفصل بين عمر زنيبر، ابن مدينة سلا، والسفير الجنوب أفريقي، مكسوليسي نكوسي. لكن، بعد معركة شرسة خاضها ضد جنوب أفريقيا، فاز الدبلوماسي المغربي البالغ من العمر 67 عامًا بـ 30 صوتًا من أصل 47 عضوًا في المجلس، مقابل 17 صوتًا لمنافسه.
“كان يستعد لذلك منذ أشهر”، هذا ما أكدته مصادر مقربة من الدبلوماسي. في أروقة وزارة الخارجية بالرباط، يُعرف الرجل بأنه “عملي لا يحسب ساعاته، حتّى على حساب صحته”. يصفه السفير المغربي السابق لدى الأمم المتحدة، محمد لوليشكي، لمجلة “جون أفريك” بأنّه دبلوماسي كبير، خبير بالملفات ومتخصص كبير في حقوق الإنسان. يتحدث الأستاذ في جامعة محمد السادس التقنية (UM6P) عن “عامل مجتهد جدًا مخلص لوظيفته، لديه إتقان جيد لتقنيات الدبلوماسية المتعددة الأطراف.”
يؤكد لوليشكي أنَّه في عام 2024، ستكون رئاسة المجلس الجنيفي “بأيد أمينة”، وأنَّ زميله القديم سيجلب الشرف للمغرب. “لو كان بالإمكان الاختيار، فإنَّ اسمَه سيأتي في المقدمة لأنَّه تعامل لفترة طويلة مع الملفات المتعلقة بحقوق الإنسان”، يشهد ذلك الباحث الكبير في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد (PCNS).
الثقافة العائلية
من جانبه، لم يكن الرئيس الجديد للمجلس الأممي متكلمًا كثيرًا عن مساره أو اصله، حتّى خلال تدخلاته الإعلامية النادرة جدًا. في بودكاست في حزيران/ يونيو 2022 مع مدير مكتبة وأرشيف الأمم المتحدة في جنيف، فرانشيسكو بيزانو، شرح زنيبر بإيجاز أنَّ اختيار هذه المهنة جاء بعد “مسيرة طويلة أكاديمية وعائلية”. “طبيعة العمل الدبلوماسي، كما قال لمضيفه، بدت له طريقة مثيرة للاهتمام للمساهمة قليلاً [في تمثيل بلده]”.
كما يشير أحد المقربين من عائلة زنيبر التي تحدثت إليها “جون أفريك”، قائلاً “منذ صغره، شاهد عمر تدفق نخبة سياسية في المنزل العائلي الكبير في سلا”. ولد في عام 1956، عام استقلال المملكة، وتربّى في جو من القومية. نشأ في أسرة من العلماء الأندلسيين، وترعرع في رأس الشجرة، الحي التاريخي داخل أسوار سلا، بالقرب من مدرسة المرينيين. كان جده، أبو بكر زنيبر، قاضي المدينة.
والده، طاهر زنيبر، هو واحد من الشخصيات المحلية في الإستقلال (أقدم الأحزاب السياسية المغربية). خلال دراسته في مصر في عصر الناصريّة في الخمسينيات، كان أحد الشبّان المخلصين لزعيم الإستقلال علال الفاسي، الذي كان في المنفى في القاهرة في ذلك الوقت. بعد الاستقلال، أصبح والد عمر زنيبر أحد أولى الشخصيات العليا في الدولة، مسؤولاً عن العربيّة، قبل أن يتولى إدارة المدرسة الوطنية للإدارة العامة .
أما عمُّه الراحل، محمد، فقد كان كاتباً وأستاذاً في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. حاصل على دكتوراه في الدورة الثالثة في باريس في الستينيات، وكان قريباً من الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية . ومع ذلك، لم يثبت عمر زنيبر نفسه في الساحة الحزبية، بل كان لامعًا أكثر في مسيرته الأكاديمية المتعددية والبراغماتية:
فبعد حصوله على درجة الماجستير من جامعة محمد الخامس بالرباط في عام 1981، غادر السلاوي إلى فرنسا حيث حصل على دبلوم الدراسات المعمقة من جامعة باريس-بانتيون أسّاس في عام 1983. وبعد أربع سنوات، ناقش رسالة دكتوراه بعنوان: “تعاقب الدول ومعاهدات الحدود البرية في إفريقيا”. ومن هنا فُتحت أمامَه أبوابُ الدبلوماسية على مصراعيها.
قال عبد اللطيف بندحان، المدير السابق لإفريقيا في وزارة الخارجية المغربية، والذي عمل معه لفترة طويلة: “إنه أحد أفضل سفرائنا الذين مروا بمدارس جيدة، وأحد أفضل من عرفتهم خلال 40 عامًا من الدبلوماسية”. بين عامي 1989 و1996، كان عمر زنيبر رئيسًا لمكتب أحمد الشرقاوي، وزير الشؤون الخارجية، وتم تعيينُه مديرًا للأمم المتحدة والمنظمات الدولية بين عامي 1999 و2003.
تتابعت المهام بعد ذلك لهذا العامل المجتهد ومنها :
- مستشار في البعثة الدائمة للمملكة في جنيف حول قضية نزع السلاح في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، ثم في منظمة الصحة العالمية (WHO). كما صار المثل الدبلوماسي للمغرب في مكتب شؤون نزع السلاح (UNODA) ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW). ويقول عبد اللطيف بندحان إنّ: “كان دائمًا ميالًا للتعددية. إنه يعرف جيدًا جميع تفاصيل الأمم المتحدة وأجهزتها”.
- في بداية الألفية، انتقل زنيبر إلى البعثات الدبلوماسية الأجنبية في شرق أوروبا، حيث كان سفيرًا في سلوفينيا وسلوفاكيا، ثم في النمسا وألمانيا، التي منحته الصليب الكبير لوسام الاستحقاق في عام 2018، وذلك تقديرًا لخدماته المتميزة في تعزيز العلاقات الثنائية بين برلين والرباط.
- في العام 2017، بعد تعيينه من قبل الملك محمد السادس كممثل للمملكة في الأمم المتحدة بجنيف، حيث خلف محمد أوجار (RNI)، وصل زنيبر إلى مرحلة جديدة. من خبير يعمل وراء الكواليس إلى الظهور تحت الأضواء. وأصرَّ بندحان على أنَّ شخصيته ظلَّت كما هي: “كان دائمًا شخصًا هادئًا، متزنًا، يجمع بين الذكاء والكرم. ولكنه أيضًا قادرٌ على الإستجابة بسرعة للقرارات التي تُطرح على الطاولة”.
هذه المقالة نُشرت في مجلة جون افريك بقلم جاسم أهداني