أنفاق الإدارة الذاتية ومقابرها في شمال سورية وشرقها
يُكثر أنصار ما تسمّى “الإدارة الذاتية الديمقراطيّة” في شمال سورية الحديث عن محاسن هذه السّلطة، التي يديرها حزب العمّال الكردستاني (التركي) من وراء السّتار، وأنّها أنموذج للحكم الرّشيد في سورية والمنطقة، والحلّ الأمثل للقضيّة الكرديّة في البلدان الأربعة التي تقتسم الجغرافيا الطبيعيّة والبشريّة الكرديّة. بل يعتبرون “الإدارة الذاتيّة” حلّا لكل معضلات الشّرق الأوسط والعالم ومشكلاتهما، ويدعون الأنظمة الأوروبيّة إلى التخلّي عن ديمقراطيّاتها، وتبنّي أطروحات القائد عبدالله أوجلان في “الإدارة الذاتيّة”، و”الأمّة الديمقراطيّة”… إلى آخر تلك الشّعارات المتداولة بينهم! وأيّ انتقاد لـ”الإدارة” في شمال سورية، أو أيّة إشارة إلى الدّور السّلبي للحزب الأوجلاني في تسيير أمورها، وإمساكه بخناق قراراتها، يعتبرهُ أنصار “الكردستاني” خيانةً وعمالة للاستخبارات التركيّة، ودعمًا ومساندة لـ”العدو التركي” واستنجادًا به! ويزيدون بالقول: إنّه لولا بنادق “الكردستاني” لهتك مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أعراض الكرد. ويتناسون أنّه لولا دعم كرد سورية الحزب الأوجلاني في حقبتي الثّمانينيات والتّسعينيات، وحتّى هذه اللّحظة، ولولا دعم النّظامين في طهران ودمشق له، لما كان هناك شيء اسمُه حزب العمّال الكردستاني. هكذا، وبتلك الطّريقة التي لا تختلف عن أداء أنصار حزب الله اللبناني، الذين ما إن يتمّ انتقاد سلوك طهران في سورية والعراق ولبنان والشّرق الأوسط، يعتبرونه دعمًا للاحتلال الإسرائيلي! فلا أنصار “الإدارة” الأوجلانيّة في الشّمال السوري، ولا أنصار حزب الله، يحاولون التفكير في جديّة (وحقيقة) الانتقادات الموجّهة إلى حزبهم.
وإذا دخل أنصار “الإدارة الذاتيّة”، أو المستفيدون منها، في مأزق الدفاع عنها، وعجزوا عن إبراز الحجج التي تبرّر الانتهاكات والفساد والقمع والاختفاء القسري، وتجنيد القاصرات…، يصارُ إلى الاعتراف بعيوب هذه السلطة ومثالبها وكوارثها، على أنّها مجرّد أخطاء وهوامش بسيطة وعابرة، لا مناص من أن تعتري متن النّهوض والبناء والديمقراطيّة، وتمكين المرأة، وحماية البيئة… إلخ في أداء إدارتهم! وإمعانًا منهم في تصدير “بريق” سلطتهم و”سحرها”، يقارنونها بحال السّلطات البائسة الأخرى، الموجودة في أماكن سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، أو “القاعدة” في تسمية أخرى، في محافظة إدلب، أو المناطق الخاضعة لسلطة تركيا والجماعات الإسلاميّة الموالية لها، أو أماكن سلطة نظام بشّار الأسد، على أنّ “الإدارة الذاتيّة”، على علِلها، أفضل من السّلطات الأخرى. ذلك التصدير لأوهام سلطة “الكردستاني” وخرافاتها، في الشّمال السوري، تلقى رواجًا في الإعلامين، الأميركي والأوروبي، سواء النّاطق منها باللغة الإنكليزيّة أم العربيّة والكرديّة والتركيّة. إلى درجة أن تلك الخرافات الديمقراطيّة، لشدّة تكرارها وكثرتها، في الإعلام الأوروبي، تحوّلت إلى حقائق، من الصّعب إقناع بعض الصّحافيين والسّاسة الأوروبيين بعدم صحّتها. ربّما ليس حبًّا في الحزب الأوجلاني، بل كرهًا في أردوغان وجماعته، من جهة، ومن جهة أخرى، لأنّهم يعتبرون حزب العمّال الكردستاني الحليف الخفي للغرب، في حربه على إرهاب الجماعات الإسلاميّة، بخاصّة تنظيما داعش والقاعدة! لكن، الغرب نفسه، خاصّة الأميركيين، فشلوا في تحرير تلك الإدارة الذاتيّة وتخليصها من بين مخالب الحزب وبراثنه وتسلّطه، وهو المصنّف على قوائم الإرهاب، أو أقلّه؛ تحسين أداء تلك الإدارة!
تقاطعت تصريحات الشركة البريطانيّة مع مثيلاتها الصادرة من الخارجية الصينيّة عن سرقة ثروات مناطق الجزيرة السوريّة (قمح، نفط) وبيعها لدول الجوار، بالتنسيق بين التحالف الدولي (أميركا) و(قسد)
بعد طول إنكار أيّة علاقة بين “الإدارة الذاتية” وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مع “الكردستاني”، صرّح، في منتصف سبتمبر/ أيلول 2020، قائد “قسد”، مظلوم عبدي، لمجموعة الأزمات الدوليّة، ومقرّها بروكسل[1]، واعترف بوجود آلاف من مقاتلي الكردستاني ضمن “قسد” والتشكيلات الكرديّة المسلّحة الأخرى في الشمال السوري. وأشار إلى أن هناك نحو ثلاثة آلاف عنصر من غير السّوريين موجودون حاليًا، سيُصار إلى إخراجهم، ضمن جدول زمني. ثم لم يسأل أحد مظلوم عبدي: ماذا جرى بوعود إخراج عناصر “الكردستاني”؟ وكم بقي منهم، بعد مرور ثلاث سنوات على تصريحاته لمجموعة الأزمات الدولية؟ والحال أن عبدي نفسه، الآن، تحت الحماية الأميركيّة، ومغضوب عليه من “الكردستاني”، ولولا الدعم الأميركي له، لأعفاه الحزب من منصبه.
النفط والغاز
لا على زمن النّظام السوري، ولا على زمن سلطة حزب العمّال الكردستاني أو الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة، مبدأ الشفافيّة في الكشف عن أرقام واردات النفط والغاز وعوائدهما، ما يزال مُعطّلاً أو غير معمول به، فمنذ إعلان هذه الإدارة، و(الحكومات) التي تعاقبت عليها، لم يُصر إلى الكشف عن تفاصيل الواردات ومصادر الموازنة العامّة، وكيف يجري صرفها. وأصلاً، يمسك الحزب بالملفّ الاقتصادي للإدارة الذاتيّة، بالتوازي مع إمساكه بالملفّ الأمني والعسكري، فضلاً عن أدلجته نظام التربية والتعليم في شرق الفرات، ليخدم ترويج “الكردستاني” ونمذجته في المجتمع. إذن، والحال تلك، ماذا بقي من “ذاتيّة” الإدارة وديمقراطيّتها، إذا كان الكردستاني (التركي) هو الآمر الناهي، وصاحب قرارها، وقيادات الإدارة وحزب الاتحاد الديمقراطي، مجرّد واجهة أو ديكور سياسي سوري، فيها؟
في يوم 09/01/2023، كشفت شركة غولف ساندز (Gulfsands) البريطانيّة عن استثمار الحقول التي كانت تديرها في الشمال السوري، بطريقة غير شرعية وغير قانونيّة، كيانات وجماعات تابعة لقوات سوريا الديمقراطيّة (قسد) وقوات الحماية الشعبية (YPG)[2]. وبحسب التصريح الصحافي لـ”Gulfsands” فإنّها توقّفت عن العمل في الحقول الواقعة ضمن المربّع 26، شمال سورية، منذ 2017، التزامًا بالعقوبات التي أعلنتها المملكة المتّحدة ضدّ النظام السّوري. وإن كيانات تابعة للإدارة الذاتيّة لشمال وشرق سورية (AANES)، وحدات الحماية الشعبيّة (YPG)، وقوات سوريا الديمقراطيّة (SDF)، ومجلس سورية الديمقراطيّة (SDC)، تستثمرها بشكل غير قانوني. ووصلت كميّات البترول المسروقة إلى أكثر من 41 مليون برميل نفط، ما يعادل 2.9 مليار دولار، إلى حين صدور ذلك التصريح (9/1/2023). وإذا أضفنا الكميات المسروقة إلى غاية كتابة هذه الأسطر، فغالب الظنّ أن القيمة الإجماليّة لها ستتجاوز ثلاثة مليارات دولار.
تقاطعت تصريحات الشركة البريطانيّة مع مثيلاتها الصادرة من الخارجية الصينيّة عن سرقة ثروات مناطق الجزيرة السوريّة (قمح، نفط) وبيعها لدول الجوار، بالتنسيق بين التحالف الدولي (أميركا) و(قسد). نفت الإدارة الذاتية، على لسان المتحدّث باسم العلاقات الخارجية، ما جاء في تصريحات المسؤول الصيني، والمسؤول في شركة “غولف ساندز”، واعتبرها ناجمة عن “مواقف سياسيّة”! وأضاف: “كميّات القمح تكاد لا تكفي حاجة الأهالي. أمّا بالنسبة للنفط (…) معظم الآبار تم تدميرها، وهي خارج الخدمة. والطاقة الإنتاجية ضعيفة..، بالكاد يتم استهلاكه للحاجة المحليّة، وقسم منه، يتم استخدامه للداخل السوري”. وربط توزيع الثروات، بضرورة إبرام اتفاق سياسي مع النظام السوري. وإنهم منفتحون على ذلك[3].
الواقع الخدمي
منذ 2012 وحزب العمّال الكردستاني الآمرُ الناهي في تلك الإدارة، كما سلف ذكره. هذا الأمر، يعرفه الأميركيون، ولا يعترفون به. لأن الاعتراف سيترتّب عليه تبعات خطيرة، تنعكس سلبًا على العلاقة مع تركيا، والتزامات واشنطن إزاء الحلفاء داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) لجهة أنّ الكردستاني، مصنّف جماعة إرهابيّة أميركيًّا وأوروبيًّا. ولكن، ليس هنا بيت القصيد القانوني، السياسي والأخلاقي، بل في تلك الأموال الطائلة التي كانت، ولمّا تزل، تدخل الدورة الاقتصاديّة لهذا الحزب، تحت أسماع واشنطن وبروكسل وبرلين ولندن وباريس وأبصارهم، ولم يستفد منها كرد سورية، على الإطلاق. والواقع الخدمي، الاقتصادي، التعليمي، البائس في تلك المناطق، يفقأ الأعين. الأميركيون والأوروبيون يعرفون أن تلك الأموال تذهب إلى حسابات سريّة تابعة لحزب العمّال الكردستاني، ناهيكم عن الفساد والسلب والنهب الذي تتعرّض له الموارد هناك.
كذلك مستويات البطالة والفقر، معدّلات الهجرة العالية، تدنّي التعليم، التسرّب من المدارس، وتجنيد الأطفال القُصَّر[4] لصالح “العمّال الكردستاني” والكيانات العسكريّة الموالية له، وسوء الطرق والمواصلات، نِسب التلوّث العالية، شحّ المحروقات، انقطاع التيّار الكهربائي، ذلك كله، مع وجود الوفرة المالية، وتدفّق المنح من الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الإمارات، والسعوديّة…، سواءً للكيانات العسكريّة أو للمنظّمات الخدميّة، ذلك كله يفتح قوسًا كبيرًا لسؤال الفساد ومبدأ المحاسبة والشّفافيّة هناك. لكن، لا أحد يجرُؤ على مساءلة “الكردستاني” ومندوبيه في “الإدارة الذاتيّة” حول الوارد والصّادر، وأين تذهب كلّ تلك الأموال التي يمكنها أن تدير اقتصادات دول؟
يتحدّث العمال الكردستاتي عن الانتصارات التاريخيّة الكبرى التي يحققها بينما الشّعب الكردي “يسمع جعجعة ولا يرى طحنًا”
أحد المواطنين الكرد، في مناطق الجزيرة السوريّة، وفي فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، علّق ساخرًا، منتقدًا “الإدارة الذاتية”: “وارد انقطاع الوقود في أيّة منطقة في سورية، باستثناء محافظة الجزيرة السوريّة. لأنّها أرض البترول. يمكن أن يتراجع الخبز ومستوى صناعته وجودته في أيّة بقعة سوريّة، إلا مناطقنا، لأنّها عاصمة القمح”. ذلك التعليق، على بساطته، يلخّص بؤس الأحوال، في ظلّ سلطة “الكردستاني”، التي كثيرًا ما تتحدّث عن العدالة، الحريّة، الشّفافيّة والديمقراطيّة!
الحقّ أنّ أبرز إنجازات هذه السلطة، كثرةُ اهتمامها بالمقابر[5]، مقابر الشهداء[6]، المقاتلين والمقاتلات الذين سقطوا في الحرب ضدّ تنظيم داعش الإرهابي. الاهتمام الشديد ببناء المقابر، وتزيينها[7]، وكثرة الأغاني والأهازيج الحماسيّة، والعزف على المشاعر في الإعلام، من شأن ذلك كله التغرير بمزيد من الشباب والصبايا الكرد، ودفعهم نحو الموت، بدلاً من تأمين مستقبل مناسب لهم.
نفي هشّ
طبيعة علاقة الحزب الأوجلاني مع النّظامين السوري والإيراني، قديمًا وبعد سنة 2011، لا تخطئها عين أيّ متابع حصيف للملفّ الكردي في سورية. وكلّما حاول حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) نفي الارتباط العضوي والتبعيّة التنظيميّة لـ”العمّال الكردستاني”، يسعى الأخير، بشتّى الوسائل والطّرق، إلى التأكيد على حضوره ودوره وتأثيره الاستراتيجي في “الإدارة الذاتيّة”، عبر تفاهمات سابقة بين الحزب الأوجلاني والنظام السوري، بوساطة وتغطية مباشرة من طهران، وعبر تصريحاتٍ يطلقها قادة “الكردستاني” أنفسهم.
الحجّة الاستراتيجيّة الذّهبيّة الكبرى لتركيا، كي تواصل احتلالها مناطق في الشّمالين السّوري والعراقي، هي وجود “العمّال الكردستاني”
ليست صور عبدالله أوجلان التي تملأ مداخل المدن، وشوارعها، وفي المدارس، المرافق الخدمية، والأماكن والمقار الأمنيّة، والثكنات العسكريّة حتّى، أكثر بكثير من صور حافظ الأسد، باسل الأسد، بشّار الأسد، التي كانت منشورة هناك، قبل 2011، ليست تلك الصور الدليل الوحيد على تبعية تلك السّلطة لحزب العمّال الكردستاني. كذلك عمليّات الاغتيال التي تقوم بها الاستخبارات التركيّة هناك، وأودت بحياة قيادات كرديّة تركيّة، أتت من جبال قنديل، لإدارة المنطقة من خلف الكواليس، ومنها، ما أعلنت عنه وكالة الأناضول عن استهداف القيادي عبدالرحمن جادرجي (الاسم الحركي: أسعد فراشين) في القامشلي[8]، يوم 23/6/2023. لم يعترف الحزب باغتيال جادرجي، لكن مصادر موثوقة مقربّة من السلطة، ذكرت أنّه تمّ دفنه سرًّا في منطقة المالكية (ديريك). وقبله، في 28/9/2021، اغتالت الاستخبارات التركيّة القيادي التركي البارز، أنغين قره أصلان (الاسم الحركي: حيدر) أيضًا في القامشلي[9]. ومن طبائع الأمور في هكذا حالات، وجود النفي، مع الدليل الذي يفنّد الرواية التركيّة. وهذا ما لم يحدُث. ناهيكم عن كثير من حالات هروب كوادر قيادية تركيّة من الشّمال السوري إلى الجهة الأخرى للحدود وتسليم نفسها للجيش التركي، عبر التنسيق مع السلطات التركيّة. كل ذلك، وأطنان من الأدلّة الدامغة الأخرى، وحزب الاتحاد الديمقراطي، يودّ أن نصدّق مرويته بعدم ارتهان قراره للعمّال الكردستاني، وعدم تبعيته العمياء لحزب كردي تركي، يدير شؤون كرد سورية، من وراء الحدود، ومن داخلها أيضًا!
زد على هذا وذاك، حزب الاتحاد الديمقراطي نفسه، في نظامه الداخلي الذي صادق عليه في مؤتمره الثامن (24 – 25/2/2020) يقول في بند “مهام العضو الحزبي”: “النضال من أجل حرية القائد عبدالله أوجلان وجميع المعتقلين السياسيين كواجب وطني وأخلاقي وإنساني”. وفي برنامجه السياسي، المنشور على موقعه الرسمي، يذكر الحزب: (ثمة حقيقة واقعة تشير إلى أنّ منطقة الشرق الأوسط تشهد حرباً عالمية ثالثة على نحو خاص بها. لكن هذه الحرب تتميز بخاصيات مختلفة عن الأبعاد العسكرية والسياسية الكلاسيكية …) ويختتم كلامه: (فالأسرة هنا أبعد من أن تكون مؤسسة اجتماعية، وأدنى إلى أن تكون “الثقب الأسود” للمجتمعات في الشرق الأوسط[10]). الفقرات الواردة بين المقتبسين، ويصل عدد كلماتها إلى 900 كلمة، مقتبسة بالحرف والنصّ (نسخ – لصق)، من الفصل الثالث “الفوضى في حضارة الشرق الأوسط والحلول المحتملة” في كتاب “الدفاع عن شعب” لعبدالله أوجلان[11]! أمّا بخصوص مبدأ “الأمّة الديمقراطيّة”، “الجمهوريّة الديمقراطيّة”، “الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة” فهي نفسها، الأطروحات التي صار أوجلان ينادي بها، عقب طرده من دمشق، واعتقاله ومحاكمته سنة 2000 في تركيا.
اللافت أنه كلّما كتب أحدهم نقدًا لأوجلان في الإعلام العربي، أو ما يشبه النقد، نجد قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي (السوري)، تتنطّع للدفاع عن أوجلان، وتلمّع صورته. على سبيل الذكر لا الحصر، الردّ الذي قام به صالح مسلم، على ما ذكره عبد الحليم خدّام في مذكّراته من محاولة أوجلان تقبيل يد خدّام، في آخر اجتماع لهما. ونشرت مجلّة المجلّة السّعوديّة ردّ مسلم على خدّام[12]، تحت عنوان ” صالح مسلم رداً على خدّام: ليس من مزايا أوجلان تقبيل يد أحد”.
الراهن الموجود لا يبشّر إلاّ بمزيد من البؤس السّياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، والكوابيس والهزائم العسكريّة
تتابع قيادة “العمّال الكردستاني” الإعلام العربي، وتصل إليها تقارير حيال ما يُنشرُ فيه. وكان في إمكانها الردّ، سواء باللغة الإنكليزيّة أو التركيّة أو الكرديّة، أو العربيّة. لكن، صالح مسلم الذي لم يحضر أصلاً ذلك الاجتماع الذي جمع خدّام وأوجلان واللواء عدنان بدر حسن، مساء 6/10/1998، يأتي وينفي كلام خدّام! والأخير، ليس على قيد الحياة كي يردّ على مسلّم. ومن تصريحات صالح مسلم دعمًا لأوجلان المعتقل في سجن جزيرة إيمرالي، ما قاله يوم 8/6/2023، ودعا فيه “كل شعوب المنطقة لتصعيد النضال وعدم ترك القائد عبدالله أوجلان وحده”، جاء ذلك تعقيبًا على ما صرّح به صبري أوك، مسؤول الأمن والاستخبارات في العمال الكردستاني، عن مزاعم تهديدات تعرّض لها أوجلان[13]! كل ذلك، وعلى العالم تصديق خرافة عدم تبعيّة حزب الاتحاد الديمقراطي وسلطة الإدارة الذاتيّة” لإرادة “العمّال الكردستاني” وقراره وسطوته!
الهاجس الأمني
الحقّ أنّ الحجّة الاستراتيجيّة الذّهبيّة الكبرى لتركيا، كي تواصل احتلالها مناطق في الشّمالين السّوري والعراقي، هي وجود “العمّال الكردستاني”. فإذا استيقظ العالم يوم غد، وتبخّرت هذه الجماعة ــ الحجّة، فبماذا ستبرّر تركيا احتلالها أجزاء مهمّة وواسعة من أراضي دولتين جارتين؟
حزب العمال الكردستاني، منذ 1984 وهو يتحدّث عن الانتصارات التاريخيّة الكبرى التي يحققها، والهزائم التاريخيّة الكبرى التي يلحقها بالدولة التركيّة! بينما الشّعب الكردي “يسمع جعجعة ولا يرى طحنًا”، ويدفعُ فواتير حروب “الكردستاني” العبثيّة، من دماء أبنائه وبناته الشّباب والصّبايا المبهورين بشعارات وأهازيج اللعبة الإعلاميّة والأيديولوجيّة التي يحترفها الحزب الأوجلاني منذ أربعة عقود ونيّف.
ضمن الخطط التي يتبنّاها “الكردستاني” للدفاع عن وجوده في مناطق سلطة الإدارة الذاتية، بناؤهُ شبكة أخطبوطيّة من الأنفاق العسكريّة تحت الأرض، بحيث وصلت منافذها إلى داخل المدارس الابتدائيّة، المستشفيات والمستوصفات…، جاعلاً من المرافق المدنيّة العامّة أهدافًا عسكريّة لهجمات الطّيران التركي. تلك الأنفاق، التي كشف وثائقي قناة الجزيرة “المسافة صفر” عن جزء منها في 4/7/2021[14]، تواصل سلطة الإدارة الذاتيّة حفرها تحت المدن والقرى، شرق الفرات، بأمر ومتابعة من “الكردستاني”، بحجّة حماية المنطقة، ومقاومة أيّ عدوان أو غزو تركي. وباتت الأنفاق تهدّد المدن والمدنيين، بحيث حوّلهم الكردستاني إلى دروع بشريّة، ما جعل الكرد في تلك المناطق يترحّمون على أيّام نظام الأسدين، الأب والابن. ذلك النظام الذي كان يمارس القهر والظلم، وإنكار وجود الكرد، وينهب ثروات المنطقة، لكن لم تكن هناك أنفاق عسكريّة تحت المدن والقرى والمرافق المدنيّة، ولم تكن هناك غارات جويّة تركيّة تستهدف المدنيين.
من ضمن الخطط التي يتبنّاها “الكردستاني” للدفاع عن وجوده في مناطق سلطة الإدارة الذاتية، بناؤهُ شبكة أخطبوطيّة من الأنفاق العسكريّة تحت الأرض
ذلك كله، يمارسه الحزب الأوجلاني وفرعه السّوري، المغلوب على أمره، تحت مسمّى “الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة”، بحجّة حماية الشعب الكردي في سورية، وضمان حقوقه. ومع ذلك، نجد من يحاول تبييض وجه هذه السلطة في الإعلام العربي، بطرائق متهافتة
وجوه غائبة
وسط إنكار تلك السلطة أيّة علاقة تبعيّة تنظيميّة لها مع “العمّال الكردستاني”، ورفض الاتحاد الديمقراطي فكّ ارتباطه التنظيمي معه، غابت عن الواجهة السياسيّة والإعلاميّة وجوه بارزة، كانت معروفة بدورها ووزنها في “الإدارة الذاتيّة” كقائد قوى الأمن الداخلي، الجنرال جوان إبراهيم (شاعت أنباء عن تصفية “الكردستاني” له في جبال قنديل)، وغياب آلدار خليل، عضو هيئة الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي، بحسب حسابه على “تويتر”. وآخر تغريده له نشرها في 8/10/2021، وكانت تضامنًا مع أوجلان. وبحسب مصادر خاصّة؛ آلدار خليل موجود حاليًا في جبال قنديل، بعد تعرّضه للتحقيق، وتلقّيه دورة تدريبيّة، يخضع لها كوادر العمّال الكردستاني، لتثبيت الولاء الأيديولوجي الحزبي وتعزيزه لديهم.
أيًّا يكن من أمر، هذه السلطة التي تسمّي نفسها الإدارة الذاتية الديمقراطيّة، لم تقدّم أيّة إنجازات طيلة العقد المنصرم (2012 – 2023) باستثناء توسيع المقابر والاهتمام بها، وحفر مزيد من الأنفاق تحت المدن والقرى، وتجنيد الأطفال، وزيادة نسب الفقر والبطالة وعمالة الأطفال، والهجرة – الهرب، والتهديدات التركيّة. ولو أن العمّال الكردستاني حاول تقديم نموذج سياسي ديمقراطي، اقتصادي، نهضوي، حقيقي، واضح وصريح ومكرّس، بالضدّ ممّا هو موجود حاليًا، لارتضى النّاس استمرار إمساك الكردستاني بخناق القرار السياسي، العسكري، الإداري في تلك المناطق، بل لدافع المواطنون عن ذلك النموذج. وبعيدًا من الصّورة الورديّة المُصدّرة هذه “الإدارة”، الحقُّ أنّ الراهن الموجود لا يبشّر إلا بمزيد من البؤس السّياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، والكوابيس والهزائم العسكريّة.
هوشنك أوسي: كاتب كُردي سوري مقيم في بلجيكا، ومقالتُه هذه نُشرت في الشروق الجزائريّة.
مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…
Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…
ترجمة عن صحيفة هآرتس لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…
ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…
Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…
Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…