فلسطينيّو أميركا من 25 ملياردرًا وكبار العُلماء إلى العربوفوبيا
فلسطينيّو أميركا من 25 ملياردرًا وكبار العُلماء إلى العربوفوبيا
روزيت الفار-عمّان
كان استخدام التّضليل الإعلامي الأمريكي والغربي المُتعمّد في تشويه صورة العرب المسلمين ووصفهم بالمتعطّشين للعنف والدّماء وبالمعاديين للسّاميّة سبباً لتبرير وتشريع وتصعيد مشاعر الكراهيّة والتّحيّز ضدَّهم ولبروز ما يُسمّى بظاهرة (الإسلاموفوبيا والعربوفوبيا)، وذلك على مدى العقود الأخيرة الماضية وخاصّة بعد هجمات 11/9/2001 . تمثّلت هذه الممارسات العنصريّة بأقصاها بغزوٍ لدول عربيّة وإسلاميّة وتدميرها وتغييرأنظمتها، وبالقتل وتدنيس لأماكن العبادة وحرق الكتب السّماويّة والكتابة المسيئة لديانتهم والتّظاهر ضدّهم وغير ذلك.
ومع بداية واستمرار الحرب الجارية في غزّة بين المقاومة الفلسطينيّة والإسرائيليين؛ يستمر منحى هذه الظّاهرة بالتّصاعد بصورة ملحوظة تزايدت فيها ردود الفعل المُعادية ومشاعر الكراهيّة كمّاً ونوع،ا وتمّ تسجيل الكثير من أحداث العنف والدّعوات لقتل العرب وخصوصاً الفلسطينيين، بلغ الارتفاع بتلك الممارسات في أمريكا لوحدها نسبة تزيد عن الأربعة أضعاف عمّا كانت عليه قبل 7 اكتوبر2023، تاريخ اندلاع الحرب.
ساهم الكثير من الإعلام الأمريكي ومواقف كبار السّياسيّين، وعلى رأسهم الرّئيس جو بايدن، في تبنّي الادّعاءات الإسرائيليّة بشأن هذه الحرب الّتي تنتزع الصّراع من سياقه من خلال عدم نقل الصّورة الحقيقيّة والكاملة لما يدور فعلاً على الأرض وتقديم إسرائيل على أنّها الضّحيّة الّتي تعرّضت لهجوم أفراد من حماس قاموا بقتل وقطع رؤوس 40 طفلاً من الاسرائيليّين. وبالطّبع تمَّ بعدها كشف هذه الأكاذيب وظهرت براهين وأدلّة تدحض زيف روايتهم وكذبهم.
نبذة سريعة عن تطوّر الوجود الفلسطيني في الولايات المتّحدة الأمريكيّة:
لم يُعرف بالتّحديد متى كان أّوّل وجود للفلسطينيّين في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، لكنَّ المُؤكّد أنّهم كانوا من المسيحيّين الّذين هاجروا إليها من المناطق الفلسطينيّة القريبة من جنوب سوريا زمن الحكم العثماني والّذي كان يفرض عليهم الخدمة العسكريّة الإجباريّة لإشراكهم بالحرب. ثمّ الهجرة الّتي تلت حرب 1948. غير أنَّ أكبر موجة هجرة جاءت بعد حرب 1967 واستمرّت للآن وبلغت ذروتها 1980 نتيجة ارتفاع الضّغوطات الاقتصاديّة والسّياسيّة الإسرائيليّة على الفلسطينيّين. كذلك شكّل سفر الشّباب الفلسطيني للدّراسة بالجامعات الأمريكيّة وبقاؤهم هناك سبباً مهمّاً آخرَ لهذا الوجود.
يعود أصول 85% من الجالية الفلسطينيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة؛ إلى مدن الضّفّة الغربيّة وغزّة، و15% لمدن الأراضي المحتلّة 1948 وخصوصاً يافا والنّاصرة. ويبلغ إجمالي عددهم 236,000 أي بنسبة ضئيلة جدّاً تكاد تشكّل 0.07% فقط من عدد السّكان البالغ 300 مليون، يتوزّعون مع بقيّة إخوتهم من الجاليات العربيّة في ولايات أهمّها كاليفورنيا وميشيغان ونيوجيرزي. وبالتّالي تواضع عددهم يتبعه تواضع بالتّأثير.
بالمقابل هناك حوالي 10 ملايين يهودي و7 ملايين بفلسطين وهو بمجموعه يشكّل 90% من مجموع اليهود في العالم بمعنى أنّ حوالي نصف يهود العالم يعيش بأمريكا. إضافة لعددهم غير القليل؛ فإنّ اليهود ينعمون أيضاً بدعم لا متناهي وغير مشروط من الإدارة الأمريكيّة وجماعة الإنجيليّين الجُدد المتجذّرة والفاعلة في أمريكا والمسيطرة على مراكز القرارات العليا والسّياسات الخارجيّة هناك بما فيها تحديد شخصيّة الرّئيس.
واجه أبناء الجالية الفلسطينيّة في البداية صعوبات في عمليّة اندماجهم بالمجتمع الأمريكي غير أنّهم ما لبثوا أن تعايشو وأقاموا مشاريعهم الّتي تركّزت على الأعمال التّجاريّة والّتي كانوا قد بدأوها بتجارة بسيطة وانتهوا بأصحاب أموال وثروات يمتلكون متاجر كبيرة ذات سلاسل وفروع منتشرة بالعديد من الأماكن.
وفي عام 2005 وحسب مجلّة Fortune الأمريكيّة المتخصّصة بالاقتصاد، فإنّ 25 مليارديراً أمريكيّاً من أصول فلسطينيّة. وقد زاد العدد بالتّاكيد خلال العقدين الماضيين. كما أبدع فلسطينيّو أمريكا بالمجال الأكاديمي إذ يمارس عدد كبير منهم مهنة التّدريس بالجامعات ويعملون بمؤسّسات البحث العلمي والتّكنولوجي. وفي مجال الفضاء؛ تمّ في آب 2022 تكليف عالمة الفضاء الفلسطينيّة نجود الفاهوم لقيادة مشروع “أرتيموس1” الّذي يهدف إلى هبوط أوّل إمرأة وأوّل شخص ملوّن على سطح القمر. احتلَّ الفلسطينيّون كذلك وظائف عامّة عليا وصل بعضهم فيها الى مجلس النّوّاب مثل إيمان ابنة المهاجر الفلسطيني محمد قدّورة عن ولاية كولورادو 6 نوفمبر 2020 ورشيدة طليب كأوّل فلسطينيّة في مجلس النّواب الأمريكي في ميشيغان عام 2022 لثلاثة مرّات متتالية والّتي تعرّضت قبل أسابيع للإدانة والتّوبيخ بسبب موقفها الدّاعم للمقاومة الفلسطينيّة واستخدامها لتعبير “من النّهر إلى البحر” واعتبار ذلك معاداة للسّاميّة. وكذلك رؤى رمّان وعبد النّاصر رشيد في برلمانات ولايات مختلفة. ويجب ألّا ننسى المفكّر والأديب وأيقونة المغتربين الصّادح بإسم فلسطين؛ إدوارد سعيد؛ والّذي كانت تربطه صداقة واتّحاد فكري مع الشّخصيّة اليهوديّة اليساريّة، نعوم تشومسكي، المؤيّد للحق الفلسطيني والمناهض للصّهيونيّة حتّى وفاته عام ٢٠٠٣. أجاد العربيّة والإنجليزيّة والفرنسيّة غير أنّه آثر بألّا تكون كتاباته وأعماله الأدبيّة والعلميّة إلّا باللّغة العربيّة.
وفي دنيا الموضة والأناقة،عارضة الأزياء جيجي حديد صاحبة اليد الطّولى بالعمل الخيري والّتي تمَّ استبعادها مؤخّراً من شركة الأزياء العالميّة ديور Dior لكونها من أصلٍ فلسطينيّ، كأحد أوجه العنصريّة ضدَّ الفلسطينيّين، وكثيرين غيرهم من الأطبّاء والمهندسين والمحامين والعلماء اللّامعين. ويذكر بأنّ 46% (تقريباً نصف الفلسطينيّين) حاصلون على شهادات جامعيّة وبمختلف الدّرجات.
من أهم مؤسّسات الجالية العربيّة والفلسطينيّة في أمريكا:
- الاتّحاد العام للطّلبة الفلسطينيّين.
- اتّحاد المرأة الفلسطينيّة.
- الّلجنة العربيّة الأمريكيّة لمكافحة التّمييز.
- المنتدى العربي الأمريكي.
- التّحالف من أجل حقوق الفلسطينيّين.
- مؤسّسة الأرض المقدّسة المسكونيّة HCEF.
- شبكة المهنيّين العرب الأمريكيّين NAAP
وكثير غيرها…
غير أنّ قلّة عددهم؛ لا تعيق الجالية الفلسطينيّة عن التّميّز والإبداع بالمجتمع الأمريكي. فالمؤسّسات الّتي أنشأوها ومساهماتهم وأنشطتهم على مختلف الصّعُد، تساهم في دعم الاقتصاد والمجتمع الأمريكي. لكن ذلك وللأسف، لم يشفع لهم بالتّمتّع بعنصري الأمن والسّلامة الّلذين يتمتّع بهما غيرهم من الأمريكيّين وخصوصاً بعد الحرب الّتي لا تزال قائمة بين حركة المقاومة حماس وإسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023. حيث تعرّض عدد كبير منهم إلى أحداث عنف واضطّهاد طالت أرواحهم ومقتنياتهم. فحادثة طعن الطّفل الفلسطيني وديع الفيّومي ب26 طعنة بجسده الرّقيق أدّت لاستشهاده، وإصابة والدته، من قبل مالك المنزل الأمريكي ذي 71عاماً، مثّلت أقبح وأشرس وجوه تلك الكراهيّة والعدائيّة.
وكذلك لم يسلم الشّبّان الفلسطينيّون ذوو ال20 عاماً والّذين يدرسون بولاية فيرمونت الأمريكيّة، وهم هشام عورتاني من جامعة براون، وكنان عبد الحميد من جامعة هارفرد وتحسين أحمد من جامعة ترينيتي، من التّعرّض لمحاولة القتل في إجازة عيد الشّكر، الّذي كان الأمريكيّون يحتفلون به الشّهر الماضي، بسبب هويّتهم الفلسطينيّة الّتي عبّروا عنها بالكوفيّة الفلسطينيّة. حيث أصيب جميعهم وتُرك أحدهم بحالة إعاقة حركيّة كاملة. يذكر أنّ الطّلّاب الثّلاثة كانوا قد أنهوا تعليمهم الثّانوي من مدرسة الفريندز في رام الله بالضّفّة الغربيّة وشهد لهم بأنّهم لا علاقة لهم ولا بأيّ شكل بالأمور السّياسيّة.
تمّ تسجيل 2000 حالة مضايقات وصلت حدّ الفصل من العمل لفلسطينيّين مؤيّدين للمقاومة ومعارضين لما تفعله إسرائيل بغزّة. كذلك وضع قيود ضدَّ أيٍّ من مظاهر التّأييد للفلسطينيّين من احتجاجات ومظاهرات ومنشورات على مواقع التّواصل الاجتماعي. ووصل الأمر لتهديدات بطرد الطّلّاب وسحب منحهم الماليّة والامتناع عن توظيفهم بعد تخرّجهم وحظر تجمّعاتهم الطّلابيّة، في خرقٍ واضح لدستور البلاد الّذي ينصّ على كفالة حرّيّة التّعبير للجميع. علماً بأنّ هناك أعداداً كبيرة من طلاّب الجامعات وعلى رأسهم جامعة هارفرد، ينظّمون باستمرار؛ مظاهرات داعمة لحقوق الفلسطينيّين ومعارضة لسياسة بلادهم الدّاعمة لإسرائيل والمطالبة بوقفها.
يبقى أن نقول بأنّ الدّعم الأمريكي المتواصل وتبنّي الإدارة الأمريكيّة لإسرائيل وتعهّدها بمساندتها إلى ما لا نهاية، هم أخطر وأقوى أشكال العنصريّة الّتي عرفتها البشريّة. فلم تكتفي أمريكا بعدم أصدار ولو حتّى قرار واحد يدين ممارسات اسرائيل البربريّة على شعب سُلِبت منه أرضه وبات أعزلاً مقهوراً ومحاصراً، بل تقوم برفض أيِّ من القرارات الّتي لا تصبُّ في مصلحة هذا الكيان، والّتي هي بالنّهاية مصلحتها، كان آخرها رفض قرار لمجلس الأمن يهدف لوقف الحرب على غزّة.