تبّون لولاية ثانية، فلسطين في القلب، والرهان نسبة المشاركة

تبّون لولاية ثانية، فلسطين في القلب، والرهان نسبة المشاركة
حيدر حيدورة-الجزائر
استبق عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني حلفاءه في التحالف الرباعي المشكل من حركته و حزب جبهة التحرير الوطني و حركة المستقبل منذ ايام قليلة فقط، و اعلن تأييده للرئيس عبد المجيد تبون لولاية ثانية في رئاسة الجمهوريّة الجزائريّة، وبذلك احتكر نكهة المفاجئة المتوقعة و المنتظرة من الرئيس تبون بترشيح نفسه لعهدة ثانية في الاسبوعين المقبلين و قبل دعوة الشعب الجزائري للتوجه الى صناديق الاقتراع يوم 7 أيلول/ سبتمبر المقبل بناء على قراره اجراء انتخابات رئاسية مسبقة قبل موعدها الرسمي مع نهاية العام الجاري.
تربط عبد القادر بن قرينة علاقاتٌ خاصة بالرئيس تبون الذي استقبله مرّات عديدة اكثر من غيره خلال عهدته الرئاسي والذي له ايضا علاقات عربية واسعة و خاصة خليجية، وهو قال بعد اجتماعٍ لقياداتِ حزبه منذ ايام ان سياسة الرئيس تبون اعادت للمجتمع الجزائري توازنه الذي كاد يفقده بعد ما تعرضت البلاد في العشرية السوداء( أي سنوات الحرب العشر) و ما حملته فترة رئاسة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة من تجاوزات اقتصادية هامة استفادت منها مجموعة من الشركات الخاصة على حساب الدولة الجزائرية و المواطن الجزائري.
قرار غير مفاجيء ولكن
قرار حزب بن قرينة لم يكن مفاجئا لمتابعي الشأن السياسي الجزائري حتى لو كان هو شخصيا قد حصل على نحو 1.7 مليون صوت في الانتخابات الرئاسية السابقة و التي نافس فيها الرئيس تبون نفسه و حلَّ في المرتبة الثانية، لكنّه يعرف جيدا الآن ان لا حظوظ اكيدة له في المرحلة الحالية و يمكن له الانتظار للانتخابات القادمة في عام 2029 و بالتالي يمكن لحزبه ان يفاوض خلال تشكيل الحكومة الجديدة مع بداية العهدة الثانية للرئيس تبون من اجل الحصول على بعض الحقائب الوزارية.
نظريا وبعد قرارات مجموعة الاحزاب ذات التمثيل الواسع، وهي حزب جبهة التحرير الوطني و التجمع الوطني الديمقراطي و حزب جبهة المستقبل، بات الرئيس تبون وبما يتمتع به أيضًا من شعبيّة قادرًا على ضمان فوزه بعهدة ثانية يكمل فيها ما بداه من اصلاحات سياسية واقتصادية داعما الانتاج الوطني من اجل تحسين الصناعات المحلية و جعلها مادة اضافية للتصدير الى جانب البترول، وذلك بغية تحسّن خزينة الدولة. فكل المؤشرات تؤكد ان الاحتياطي في الخزينة تخطى 80 مليار دولار في السنة الحالية و الذي كان قد تراجع الى اقل من خمسين مليار دولار مع وصول تبون الى الرئاسة.
5 مرشّحين حتّى الان
حتى الان اعلنت خمس شخصيات سياسية ترشحها لهذه الانتخابات الرئاسية، اوّلها كانت السيدة زبيدة عسول زعيمة حزب الاتحاد من اجل التغيير و الرقي و المعارضة الشرسة للسلطة الحالية، وهي تعتمد على التيار الديمقراطي العلماني وشاركت بقوة بالحراك الذي ادى الى استقالة الرئيس الراحل بوتفليقة. زبيدة عسول محامية دافعت عن العديد من الشخصيات المعارضة التي كانت تعارض بوتفليقة مثل كريم طابو و لخضر بورقعة و علي الغديري و احسان القاضي و ربما هي تحاول استثمار هذا الرصيد من اجل الحصول على دعم انتخابي و لكن من الصعب عليها الحصول على 75 الف توقيع مطلوب من اجل اكتمال ملفها للترشيح.
المرأة الثانية المرشحة للانتخابات هي زعيمة حزب العمال لويزة حنون و التي استعادت نشاطها السياسي بعد خروجها من السجن الذي دخلته في المرحلة الانتقالية بعد استقالة الرئيس الراحل بوتفليقة و استلام رئيس مجلس الامة عبد القادربن صالح ادارة الدولة حتى اجراء الانتخابات الرئاسية، و قد براتها المحكمة من تهمة المساس بسلطة الجيش و المؤامرة ضد سلطة الدولة بعد الاجتماع الشهير الذي حضرته الى جانب شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة و مدير المخابرات السابق الجنرال توفيق، بينما رفض حضوره الرئيس اليمين زروال و هذا ما اعتبره قائد الجيش السابق قايد صالح محاولة لزعزعة استقرار الدولة و التآمر ضد موقف الجيش.
و في بيان لحزب العمال اعتبر المشاركة في هذه الانتخابات انتصارا للديمقراطية. و كانت حنون قد غابت عن الساحة السياسية لفترة من الزمن و من بعدها استقبلها الرئيس تبون في قصر المرادية حيث طرحت عدة قضايا وطنية و دولية يدافع عنها حزب العمال خاصة موقفه الحازم لصالح القضية الفلسطينية.
المرشح الثالث للرئاسة هو بلقاسم ساحلي الامين العام للتحالف الوطني الجمهوري و الذي خلف رئيس الحزب و رئيس الحكومة السابق الشخصية الجزائرية المعروفة رضا مالك ، و قد رشحته سبعة احزاب صغيرة غير ممثلة في البرلمان الحالي. و قال ساحلي ان الانتخابات القادمة هي موعد تاريخي تتنافس فيها مختلف برامج الأحزاب، مبرزا ان ترشحه تم في اطار رؤية معتدلة مراحل اعادة الاعتبار للبناء الديمقراطي الجمهوري، و تحقيق اصلاح سياسي، ومن اجل بناء اقتصاد قوي و متنوع.
يُشار إلى أنَّ بلقاسم ساحلي كان زميلا للرئيس تبون في حكومة عبد المالك سلال الاولى خلال عهدة الرئيس الراحل بوتفليقة و كان تبون وزيرا للسكن و العمران.
المرشح الرابع و الذي يعتبر الاقوى عمليا الى جانب الرئيس تبون هو عبد العالي حساني رئيس حركة مجتمع السلم و ذات التوجه الإسلامي، الذي يؤكد انصاره ان مشاركة الحركة بالانتخابات من شانه منح مصداقية اكبر للعملية الانتخابية. وقد شدّد حساني عند ترشحه على أهمية ان تكون هذه الانتخابات تعددية و تنافسية و شفافة حتى نثبت للعالم ان الجزائر تمثل الاستثناء في العالم العربي في مجال الديمقراطية، وفرصة لتنافس البرامج الاقتصادية و السياسية مؤكدا ان حركته تمتلك رؤية اقتصادية و سياسية و اجتماعية كاملة و متوازنة، و تعزز الوحدة الوطنية في ظل ما تواجه الجزائر من اكراهات اجنبية بحكم دورها الاقليمي و موقفها الرافض و الحاسم ضد التطبيع و دعمها اللامشروط للقضية الفلسطينية.
أما حزب جبهة القوى الاشتراكية ذو الاغلبية القبائلية، فقد اكد انه سيشارك في هذه الانتخابات بمرشح عن الحزب للمرة الثانية بعد ترشح رئيسه الاول ومؤسسه حسين ايت احمد في العام 1999 منافسا للرئيس عبد العزيز بوتفليقة في عهدته الأولى، و قال امينه العام السيد يوسف اوشيش ان قيادة الحزب ستعلن في الايام المقبلة اسم مرشحها، مؤكدا ان هذا الترشح يستجيب الى ثلاث متطلبات سياسية: اولها الحفاظ على الدولة الوطنية، وتعزيز مؤسسات الجمهورية، والوقوف في وجه من يحاولون الاضرار بسيادة و وحدة البلاد في ظرف عالمي و اقليمي غير معروف الاتجاهات، مضيفاً ان الحزب يريد اعادة الاعتبار للسياسة الداخلية من خلال النقاش العام و مشاركة كل القوى الحية في بناء البلاد و مؤسساتها.
فلسطين في القلب والوجدان
وأما المرشح غير المعلن حتى الان، فهو الرئيس عبد المجيد تبون نفسه. وهو وإن لم يعلن ترشّحه رسميا بعد فقد ألمح الى ذلك في أكثر من مناسبة مؤكدا ضرورة استكمال برنامجه الانتخابي حتى النهاية. وهو أعلن قبل ايام ان العام المقبل سيكون محطة وانطلاقة جديدة للاقتصاد الوطني. وخلال لقائه مع مجموعة كبيرة من قيادات الاحزاب الممثلة في المجالس المنتخبة والذي دام نحو ثماني ساعات استمع الى جانب رئيس الحكومة و رئيس ديوانه الى انشغالات و اراء كافة الاحزاب بما يجري داخل و خارج الوطن. وإنْ طالب البعض بالمزيد من الشفافية و الانفتاح للسلطة اتجاه الاحزاب السياسية و خاصة المعارضة منها، فان الجميع بارك و ايد مواقف الديبلوماسية الجزائرية في المحافل الدولية و دعمها غير المشروط للقضية الفلسطينية حتى استرجاع كامل حقوقها و قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، مؤكدين مساندتهم نشاط الديبلوماسيين الجزائريين في مجلس الامن و التي اصبحت الجزائر عضوا غير دائم فيه من اجل فضح الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، و كذلك دعموا الموقف الرسمي الجزائري بما يخص العلاقة مع دول الجوار و فضح النشاط الصهيوني المتصاعد في الجوار والذي يهدف الى زعزعة استقرار الجزائر و النيل من سيادتها .
بعد كل هذه التفاصيل الجميع يسعى الان الى العمل من اجل استقرار البلاد وتطورها و لكن الاكيد ان الشغل الشاغل للرئيس عبد المجيد تبون و مساعديه هو العمل لزيادة نسبة المشاركة في الانتخابات و التي من المتوقع ان تتجاوز نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة و التي قاربت 40 بالمائة فقط. و حتى الان كل المؤشرات تؤكد ذلك من خلال الراغبين لترشيح الرئيس تبون إضافة الى المرشحين المحتملين و خاصة مرشح حزب جبهة القوى الاشتراكية و اعلان حزب التجمع من اجل الثقافة و الديمقراطية ذي الاغلبية القبائلية ايضا عدم مقاطعته و يطالب فقط بان تكون نزيهة و شفافة.
كل هذه المؤشرات تؤكد ان نسبة المشاركة سترتفع و سيعود الرئيس تبون رئيسا لعهدة ثانية من اجل استكمال برنامجه الانتخابي ، والمزيد من الاستقرار، ولصالح الشعب الجزائري بكل فئاته و ايضا للمزيد من النجاحات الديبلوماسية الخارجية و خاصة بعد انتخاب الجزائر كعضو غير دائم في مجلس الامن و الدور الكبير الذي تقوم به من اجل الدفاع عن القضية الفلسطينية و حقها في اقامة دولتها الوطنية المستقلة و محاولتها الحثيثة لحشر و فضح العدو الصهيوني في المحافل الدولية و التي تعتبرها بداية نهاية حقبة الافلات من العقاب التي استفاد منها الاحتلال الاسرائيلي بمساعدة الولايات المتحدة الامريكية و العديد من الدول الغربية و يقوم اثرها بحرب الابادة التي تطال الشعب الفلسطيني دون رادع اضافة الى سياسة التمييز العنصري و الحقوق للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف او التقادم.
إنجازات عديدة
لا ينكر عاقل مهما كانت الانتقادات الموجهة للأداء احيانا ان اشياء كثيرة قد تغيرت في الجزائر بصورة ايجابية مع وصول الرئيس تبون خاصة ما تعلق بفرض منطق المحاسبة و التوجه نحو تفعيل الاقتصاد المبني على التنوع و التوازن للتخفيف من قبضة الريع النفطي و هذا ما برز في الدفع بالصادرات خارج المحروقات و تشجيع الزراعات الاستراتيجية
أمّا على الصعيد المغارب، فتحاول الجزائر إقامة تكتّل يواجه مخططات إسرائيل وحلفائها، ويساهم في تعزيز العلاقات البينية، وهذا ما كان في جوهر القمّة التي جمعت الجزائر وتونس و ليبيا على امل انخراط موريتانيا فيه ايضا.
يبقى الاساس ان الشروط الاساسية لتقوية شرعية الفائز في الانتخابات المقبلة، تكمن في ان تجري في ظروف نظيفة و شفافة و بعيدة عن التلاعب بالأصوات و حياد السلطة و فتح المجال العام بلا تمييز لوسائل الاعلام العمومية و الخاصة و عدم استعمال وسائل الدولة في الحملة الانتخابية لصالح اي مرشح لمنصب الرئيس بمن فيهم الرئيس تبون.