ثقافة ومنوعات

كيف نواجه نفسيًّا آثار الحروب كتلك التي تواجهها غزّة اليوم

كيف نواجه نفسيًّا آثار الحروب كتلك التي تواجهها غزّة اليوم 

روزيت الفار-عمّان 

كيف نتعامل مع مشاعرنا أثناء الحروب والكوارث ونحن نتعرّض في كلّ لحظة من يومنا لمشاهدة صور صادمة تظهر فظائع الحرب وسماع أخبار مروّعة تصلنا عبر وسائل الإعلام المختلفة ومنصّات التّواصل الاجتماعي حول ما يجري حولنا؛ ونبقى صامدين ومسيطرين على الأمور؟

  • “إنّ تجنّب مواجهة ما يخيفك؛ يحرمك من تعلّم أيّ من مهارات التّعامل معه”.
  • “التّعبير عن المشاعر وإيجاد مَن يتعاطف معك؛ يخفّف من وطأة حملها. وإنكارها أو تسخيفها من قِبَل الغير يزيدنا ألماً”.

يعرّف علم النّفس المرونة أو قدرة التّعافي؛ بأنّها عمليّة التّكيّف الذّاتي بشكل جيّد عند مواجهة الشّدائد والصّدمات والتّهديدات وحالات الإرتباك وعدم اليقين؛ بما يمكّننا من السّيطرة عليها والنّهوض مجدّداً ومتابعة السّير بالحياة. ويقول علماء النّفس بأنّ أحد مظاهر هذا التّكيّف هو تبلّد المشاعر عند تكرار المشاهد السّلبيّة المريعة. حيث لا يمكن للدّماغ أن يبقى بحالة استنفار قصوى بشكل مستمر. ولهذا نرى بأنّ درجة تأثّرنا بالمشاهد المؤلمة تنخفض مع تكرار مشاهدة تلك الصّور وسماع أصوات الحرب؛ فلا يعود لها ذات التّأثير الّذي بدأت به.

أظهر تقرير صدر عن منظّمة الصّحّة العالميّة WHO بأنّ 10% ممّن يواجهون الأحداث الكارثيّة والحروب؛ يطوّرون مشاكل ذهنيّة ونفسيّة حقيقيّة. وأنّ 10% آخرين يصبح لديهم خلل سيكلوجي وسلوكي يؤخّر من فعاليّة قدرتهم الوظيفيّة بشكل كبير؛ كظهور حالات الاكتئاب والقلق والتّوتّر وعدم القدرة على النّوم وغيرها.

وأهمّ الفئات المتضرّرة ثلاثة:

  1. المدنيّون داخل الوطن المستهدف.
  2. الجنود والمقاتلونعلى جانبي الصّراع
  3. والمتابعون الّذين يتعرّضونلمشاهدة الصّور ومقاطع الفيديو والأصوات الخاصّة بالحرب بشكل مفرط.

يقول ستيف سوغدين Steve Sugden؛ دكتوراة في الطّب النّفسي والعسكري وطب الكوارث والصّحّة العقليّة، “إنّ للصّدمة تأثير كبير على المدى الطّويل.” والمثير للدّهشة؛ أنّ الأشخاص الّذين يشاهدوها على الشّاشات؛ هم على الأرجح الأكثر عرضة لتداعياتها. بمعنى أنّهم مرشّحون للتّأثّر بها بدرجة لا تقلّ عن وأحياناً تزيد عن الّذين يواجهونها فعليّاً على الأرض بالرّغم من فظاعة المشاهد الّتي تراها هذه الفئة أمام أعينها، لربما يعود السّبب -كما يفسّره- لعدم تمكّن هؤلاء من مشاركة ما يحدث لهم مع الآخرين والتّحدّث مباشرة مع شبكتهم الاجتماعيّة ومعالجة مشاعرهم؛ ممّا يساعدهم في بناء القدرة على التّحمّل والصّمود. أمّا التّأثيرات طويلة المدى فتأتي مختلفة بالطّبع تصل حدّ الإدمان على المخدّرات والانتحار وخصوصاً بين الجنود والمقاتلين. حيث سجّلت هذه الفئة أعلى مستويات تلك الحالات بالعالم.

إنّ الاستخدام المفرط للوصول للمعلومة والتّعرّض لمشاهدة الصّور ومشاركة التّعليقات؛ من شأنه أن يؤثّرعلى المزاج العام للمستهلكين؛ ما ينعكس على علاقاتهم مع الآخرين وعلى مستوى انتاجيّتهم وعملهم.

نعم؛ إنّ ما يجري حولنا في هذه الأيّام أمور مغرية لتأخذنا لمرحلة فقد الثّقة تماماً بجميع ما كنّا قد اعتبرناه مسلّمات وحقائق انهارت وانكشف زيفها جميعها أمام أعيننا وبتنا نشعر باليأس والعجز أمام هول ما نشاهده ونسمعه. فقدنا الثّقة بما يسمّى بالقيَم الإنسانيّة وبقوانين حقوق الإنسان وبالمنظّمات والمؤسّسات الّتي تعطي ذاتها تلك الصّفة، وفي مؤسّسات الإعلام وحتّى فقدان الثّقة بالحياة ذاتها. لكنّنا لسنا الوحيدين في هذا. فما علينا بهذه الحالة إلّا الوعي بما هو أهمّ من ذلك وهو الاستيقاظ والتّعامل مع الواقع المؤلم بعمق وموضوعيّة وبشكل يخفّف عنّا ويفيد مَن هم بحاجة.

إنّ ما نمرّ به من أحداث مأساويّة الآن يعمل كسيف ذو حدّين. فإمّا نستخدمه لخدمتنا وبناء مستقبلنا، أو لتدميرنا. فكيف يمكننا التّعامل معه بالطّريقة الصّحيحة؟

هناك العديد من التّطبيقات الّتي يمكنها مساعدتنا في التّخطّي وإستعادة توازننا الطّبيعي. منها:

  • تعلّم بأنّ مشاعر العجز والاحباط والاستسلام تجد قوّتها في ضعفنا الدّاخلي. فاعمل أوّلاً على استعادة قوّتك وتقوّى بالإيمان.
  • التّحرّي والبحث الدّقيق عن المعلومة واعتماد مصادر محدّدة موثوقة للمعلومات؛ حسب تقييمك. فهذا من شأنه أن يعمل على طمأنتك ويخفّف من قلقك. كذلك تقليص فترة تعرّضك للمحتوى المشوّش وخصوصاً قبل النّوم وبعد الاستيقاظ.
  • تقييم مشاعرك ومعرفة إذا ما كنت تحتاج لمساعدة أصدقاء أو معالجة مهنيّة متخصّصة.
  • وتجنّب التّمرير المدمِّر للأخبار المظلّلة وعدم نشر الإشاعات وركّز على المفيد وغير المستفِز.
  • حاول تطوير الشّعور بالرّحمة تجاه الآخرين. فكّر كيف يمكنك مساعدة المتضرّرين، وهناك العديد من الطّرق الّتي يمكن من خلالها القيام بذلك وِفق قدراتك ومهاراتك، كالأعمال التّطوّعيّة في الخدمة الميدانيّة أو التّبرّع أو دعم الجهود المتعلّقة بالأزمة أو تنظيم جهد جماعي للمساعدة أو جمع معلومات مطلوبة لتسهيل تقديم الخدمات، فهذا من شأنه أن يوفّر دفعة داعمة لصحّتك العقليّة والنّفسيّة ويفيد بالوقت ذاته مَن هم بحاجة اليه.
  • الشّعور بالمسؤوليّة وخصوصاً من قبل المؤثّرين والمثقّفين. إذ أصبحنا نعيش في زمن فيه “للكلمة” قوّة تأثير كبيرة وقدرة هائلة على إحداث التّغيير. فهناك أمثلة كثيرة تتحدّث عن كيف لهؤلاء الأشخاص أن يكونوا مصدر نفع وإلهام وقيادة ونشر للطّمأنينة. فإن كنت لا تستطيع رفع الظّلم فعلى الأقل؛ ساهم في تخفيفه وأخبر عنه.
  • واجه الأحداث بحكمة واندمج معها، فتجنّبها لا يمكّنك من تعلّم أيٍّ من مهارات التّعامل معها واحتوائها. واترك ما تبقّى وسر قُدماً فالحياة لا تتوقّف عند حدث.
  • جعل هذه الأحداث الأليمة بمثابة دعوة لاسترجاع قوّتنا ونُصرة الظّلم والضّعف من داخلنا، وللإقرار بأنّنا نحن مَن يقود ويتحكّم بكيفيّة التّفاعل مع جميع ما يدور حولنا. واعلم بأنَّ الأمور سوف تتحسّن ولن تبقى على حالها فمهما بدت اليوم مُؤلمة وعنيفة؛ فلن تبقى هكذا الى الأبد.
lo3bat elomam

Recent Posts

غيمةَ العطر..اسكبيها

مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…

4 days ago

Et si le maquillage n’était pas seulement une affaire de femmes !

Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…

5 days ago

هآرتس: لم نحقق شيئًا، ولم نهزم أحدًا، واقتصادُنا منهار وشبابُنا يهاجرون

ترجمة عن صحيفة هآرتس  لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…

5 days ago

ملتقى أبو ظبي: وهم الاستقرار في عالم مضطرب ولكن….

 ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…

6 days ago

Quand changer l’heure devient une affaire d’état !

Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…

2 weeks ago

ماذا سيفعل ترامب في فلسطين واوكرانيا

  Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…

2 weeks ago