الغضب وحده لا يكفي
د. كريم أبو حلاوة*
ما يجري في المنطقة من سورية إلى غزة إلى لبنان إلى الأرض المحتلة أكبر مما رأيناه حتى الآن وأبعد، وهو مفتوح على كل الاحتمالات ومنها تدحرج الأوضاع باتجاه انفجار إقليمي واسع وعلى مدى زمني غير قصير، محفوف بالمخاطر والمفاجآت، وقد يخرج عن السيطرة بعد عتبة يصعب تحديدها الآن، إنه تهديد وفرصة ومناسبة للتأكيد على مسائل يجب ألا تغيب عن بال وعين الإنسان العربي أينما كان.
أولى هذه المسائل أن الغضب وحده لا يكفي، على أهميته، سواء تعلق الأمر بما حدث في حفل تخرج طلاب ضباط الكلية الحربية في حمص على يد قوى الإرهاب والتطرف وكان يستهدف جميع المدنيين والأطفال والنساء وأهل الخريجين فضلاً عن الضباط أنفسهم وهذا مصاب أليم يثير الرفض والاستنكار ويؤجج الغضب، لكن الغضب وحده لا يكفي، فاستهداف الجيش العربي السوري ومحاولات إضعافه مقدمة لاستهداف كامل الوطن ومقدمة لتمرير مشاريع التقسيم والانفصال والتطبيع مع العدو الصهيوني وكسر لشوكة المقاومة. فالتاريخ يعلمنا أن زوال وتفكيك بلد ما يبدأ بتفكيك جيشه على ما حدث في العراق وليبيا والسودان وسواها.
المسألة الثانية تتعلق بفضح تعرية الوهم القائل أن السلام والاستقرار يمكن أن يتحقق مع وجود الاحتلال، فهذه معادلة مستحيلة وغير عقلانية ولا يقبلها المنطق ولا الوجدان الجمعي للشعوب والأمم. فكيف إذا كان هذا المحتل استيطاني وعنصري على ما يحدث في فلسطين المحتلة، وفوق ذلك كيان يحكمه اليمين اليهودي المتطرف بزعامة نتنياهو بكل عدوانيته وصلفه وعنصريته المباشرة ضد الفلسطينيين وإهانته للمقدسات المسيحية والإسلامية من قبل عصابات المتطرفين وعلى مرأى ومسمع العالم الذي يدعي بأنه متحضر ويحترم المقدسات وحريات التعبير والاعتقاد؟
ألم يدفع التطرف والعنصرية حكومات “إسرائيل” إلى ممارسات قمعية وجماعية ضد كل المدن والبلدات والمقدسات بما فيها المساجد والكنائس، فضلاً عن التضييق على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وعرب 1948؟ فالعرب الفلسطينيون منذ انتفاضة الأقصى وممارسة كل أنواع المقاومة ورفض الاحتلال، وهذا أمر بديهي وطبيعي، فكل احتلال وعدوان سيولد رفضاً ومقاومة ونزوعاً للاستقلال والتحرر. وهذا قانون يتكرر في كل الحالات المماثلة. وعليه فإن الخلاصة المؤكدة هي أنه لا سلام ولا استقرار ولا ازدهار مع وجود واستمرار الاحتلال الاستيطاني الذي انتهى في كل أنحاء العالم إلا في فلسطين.
المسألة الثالثة: وتتصل بالمواقف الغربية المنحازة والمخجلة للغرب الأوروبي والأمريكي تجاه ما يجري في غزة. فهذا العالم “المتحضر” والديمقراطي والمدافع عن حقوق الإنسان والشعوب بالشعارات فقط فاجأ الجميع بانحيازه الأعمى “لإسرائيل” وبالاستمرار بسياسة الكيل بمكيالين وبالدعاية الإعلامية التي تفوح منها روائح العنصرية الكريهة وهذه مجرد مقتطفات من ذلك:
وفوق كل ما سبق لم تتورع الولايات المتحدة الأمريكية في الموافقة على خنق غزة وحصارها وقصفها ليل نهار وقطع الماء والكهرباء والغذاء والدواء والاحتياجات الطبية عن أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع حوالي نصفهم من الأطفال!!!
لا بد أخيراً من التحذير من خطورة التهجير القسري لسكان غزة من بيوتهم، وبذلك تتجدد النكبة الأولى بعد أكثر من سبعين عاماً. ذك لأن هذا الملف له تداعيات خطيرة على مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وقد يفضي بسبب التخاذل الرسمي العربي إلى نقل الفلسطينيين إلى سيناء كما تخطط إسرائيل مع كل التبعات السياسية والإنسانية المترتبة على هذا التطور الخطير سواء على القضية الفلسطينية أو على الأمن القومي المصري والعربي أو على المستقبل السياسي لدولة فلسطين برمتها.
والخلاصة، تتساقط الأقنعة والأوهام عند كل ذي بصر وبصيرة، فالعالم يجنح نحو مزيد من التطرف والعنف، من النازيين الجدد في ألمانيا وأوكرانيا إلى اليمين المتطرف في فرنسا إلى معاداة الملونين واللاجئين في كل أوروبا إلى التطرف اليهودي العنصري في فلسطين، إلى التطرف الإسلامي القاعدي والجهادي والداعشي في دائرة تغذي بعضها بعضاً ولم تنتج إلا مزيداً من الدمار والقتل وثقافة الكراهية والانتقام التي تغذي دورة العنف الجهنمية في العالم المعاصر.
نعم الغضب وحده لا يكفي!!!!!
د. كريم أبو حلاوة : استاذ جامعي وباحث في علم الاجتماع
سامي كليب: كتب عالِم النفس الشهير سيغموند فرويد منذ عقودٍ طويلة : " إن الإنسانَ…
Le système métrique et le pied du roi ! Nadine Sayegh-Paris Combien de mesures, de…
Et si le cœur n’était pas vraiment un cœur ! Nadine Sayegh-Paris Comme tout le monde…
ديانا غرز الدين سؤال غريب ، من يصنع من؟ هل الواقع يصنعنا ام نحن نصنعه؟…
روزيت الفار-عمّان أنطونيو غرامشي الذي تأثر به كثيرون ومنهم المفكّر إدوارد سعيد؟ كيف يمكننا إسقاط…
حيدر حيدورة-الجزائر في ظل ازمة حادة تعرفها العلاقات الجزائرية الفرنسية لم تشهدها منذ الاستقلال حتى…