ثقافة ومنوعات

اللغة الأمازيغية أعادت فرض نفسها بعد كارثة زلزال المغرب

اللغة الأمازيغية أعادت فرض نفسها بعد كارثة زلزال المغرب

أيمن مرابط – الرباط

تعود الحياة شيئا فشيئا في المغرب وبالضبط في المناطق المنكوبة جرّاء الزلزال بعد مرور أسبوع على الفاجعة، يحاول الناجون في كل الأقاليم المتضررة ومدينة مراكش العتيقة لملمة الجراح والتعود على نمط حياة جديد عليهم.

مناطق جبلية متموقعة في قلب سلسلة جبال الأطلس الكبير يُعد الوصول إليها مغامرة حقيقية إن لم يكن مقامرة بالحياة، فالطريق إلى الدواوير والقرى البعيدة عن مراكز الجماعات غير آمن ولا يحتمل مرور سيارتين متعاكستين.

كان سكانها الذين يُتقنون الأمازيغية لغتهم المحلية العريقة، يعيشون ما يُشبه عزلة تامة عن العالم في صمت، حتى أتى الزلزال وبدأ الناس يسمعون أسماء دواوير وقرى بالأمازيغية يصعب نطقها، كما برزت إلى الواجهة مشكلة التواصل باللغة الأمازيغية بين السكان وطواقم الإنقاذ المغربية والدولية والمُتطوعين المغاربة.

سكان دواوير لا يتحدثون سوى الأمازيغية

في إحدى الدواوير القريبة من بلدة آسني، تعيش “فاضمة نايت علي” “60 سنة” مع زوجها وأبنائها، فقدت منزلها بالكامل ولكن العائلة نجت من الزلزال، تقول فاضمة “في الصباح الموالي لليلة الزلزال، جاءت فرق الإنقاذ لكنني لم أتمكن من التواصل معهم لأنني لا أتحدث سوى “تامازيغت” أي الأمازيغية المحلية، وتُضيف في حديث لموقع لعبة الأمم “تمكنت من فهم تعليمات فرق الإنقاذ بالإشارة فقط، والحمدلله لم يتركوننا لحظة واحدة”.

لم يكن التواصل مع “فاضمة” عبر الهاتف ممكنا، لولا وجود ابنها “أحمد آيت ايدر” جنبها، الذي ترجم لنا كل كلمة تقولها، فهو يستطيع التحدث باللغتين وأكثر بطلاقة نظرا لاشتغاله كمرشد سياحي محلي بين آسني وإمليل وتوبقال.

 يؤكد لنا أحمد أن “معظم سكان الدواوير الجبلية بالمنطقة خاصة كبار السن لا يتحدثون العربية بطلاقة، وكذلك الأطفال الصغار الذين لم يدخلوا المدرسة بعد، وهم بالمئات”، مُضيفا في حديثه معنا “أنه اضطر للتطوع منذ اليوم الأول بعد ليلة الزلزال هو وشباب آخرين في سنه للعمل كمُترجمين بين الساكنة المحلية وطواقم الإنقاذ والسلطات المحلية وحتى قوافل المُتبرعين القادمين من مختلف مدن المغرب”.

حال السيدة “فاضمة” لا يختلف عن أحوال معظم السكان المحليين في القرى والدواوير التابعة للأقاليم الخمس المُتضررة بشدة من الزلزال المدمر، حيث جل سُكانها ذووا الأصول الأمازيغية العريقة، لا يتحدثون سوى لغتهم الأصلية التي حافظوا عليها لقرون طويلة من الزمن.

أزمة تواصل بين الساكنة وفرق الإنقاذ

“هناك أزمة تواصل بين فرق الإنقاذ والساكنة المحلية والتي ستكون لها انعكاسات مهمة على سيرورة عمليات الإنقاذ والمواكبة والتحسيس والتوعية”، يقول الأكاديمي الناشط الجمعوي الأستاذ عبد الله بادو، مشيرا إلى “أن عدم التواصل أو ضعفه مع السكان بلغتهم الأم يشكل عامل مهم في تعثر وإبطاء سرعة سير عمليات الإنقاذ، وحرمانهم من الاستفادة من المجهودات والإجراءات المتخذة على مستوى التعبئة والتوعية الصحية والمواكبة النفسية للمتضررين الذين هم بحاجة ماسة إليها في هذا الظرف العصيب”.

يُضيف بادو في تصريح لموقع لعبة الأمم أنه “من خلال مواكبتنا لعمليات الإنقاذ في والتدخل وقوافل الدعم النفسي في مناطق الحوز وتارودانت وورزازات وشيشاوة تبين انها تواجه صعوبة كبيرة في التواصل مع السكان المحليين الذين لا يتحدثون إلا اللغة الأمازيغية”، متسائلا في الوقت نفسه “لماذا لم يتم الانتباه إلى هذا الإشكال ويتم إرسال الفرق أو على الأقل تعبئة أفراد يقومون بالترجمة لتيسير التواصل بين الفرق والساكنة المحلية، كما أن فرق الدعم النفسي لن تؤتي أكلها في غياب أطر تتقن الحديث والتواصل باللغة الأمازيغية.”

اللغة الأمازيغية..لغة بوظائف حيوية

ويُلفت الأكاديمي المهتم باللغة الأمازيغية إلى أن ” الوضع الحالي بالمناطق المنكوبة يبرز مدى أهمية استعمال اللغة الأمازيغية ويدحض الادعاءات القائلة بان الأمازيغية لا أهمية لها ولا حاجة لنا بها”، مؤكدا بأن ” هذا مؤشر قوي على مدى حيوية اللغة الأمازيغية ووظيفيتها في العديد من مناطق المغرب”.

وتُعد الأمازيغية اللغة الرسمية إلى جانب العربية في الدستور المغربي الحالي، وتعمل الدولة المغربية جاهدة منذ سنوات إلى تفعيل هذا الطابع الرسمي لها وتنزيله على أرض الواقع من خلال فرض تدريس اللغة الأمازيغية في البرامج والمقررات التعليمية لكل التلاميذ، وكذا فرضها في كل الإدارات والمؤسسات الحكومية.

كما تساهم المؤسسة الملكية أعلى سلطة في البلاد في مأسسة اللغة والثقافة الأمازيغية من خلال “المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية”، والحرص على جعلها مكونا ثقافيا مغربيا رئيسيا يهم كل المغاربة بمختلف أصولهم من خلال إقرارها قبل أشهر 14 يناير من كل سنة يوم عطلة للاحتفال برأس السنة الأمازيغية.

ويُشدد المتحدث ذاته على أن “الوضعية الحالية تبين اننا اليوم مطالبون بتسريع وتيرة تفعيل الطابع الرسمي للغة الامازيغية”، مُوضحا في حديثه كما أن الدولة مطالبة لتطوير اللغة الأمازيغية والحرص على استغلال التطور التكنولوجي من خلال التطبيقات الرقمية والمواقع المتخصصة التي تسهل عملية الترجمة من العربية إلى اللغة الأمازيغية أو العكس.”

ضعف استعمال الأمازيغية في الإعلام

يرصد لنا عبد الله بادو ” ضعف استعمال الأمازيغية في أغلب القنوات العمومية في تغطيتها لهذه الأحداث الأليمة واكتفاؤها باستعمال العربية او الفرنسية دون الأمازيغية الا في لحظات نادرة”، ويٌشير إلى أنه ” كان عليها ان تأخذ هذا المعطى بعين الاعتبار في انتقاء واختيار الأطقم الصحفية التي يحب ارسالها للمنطقة لإجراء التغطيات الصحفية بما يضمن للمواطن الحق في الإعلام والإخبار”، مُنوها في ذلك “بالمجهودات التي قامت بها القناة الأمازيغية  الرسمية في تغطيتها لهذا الحدث رغم قلة الموارد البشرية ومحدودية وقلة الوسائل اللوجستيكية التي تتوفر عليها.”

ويُوفر الإعلام الحكومي المغربي للمغاربة القناة الأمازيغية التي تبث كل برامجها وأعمالها ونشرات الأخبار بالأمازيغية، كما تبث القناة الأولى والثانية نشرة أخبار بالأمازيغية، فيما تعمل بعض الإذاعات الخاصة والمواقع الإلكترونية على تخصيص مساحة مهمة من البرامج باللغة نفسها على اختلاف لهجاتها.

العدالة المجالية والتنموية..ضرورة محقة

تُعد مناطق سلسلة جبال الأطلس الكبير والمتوسط والصغير إضافة إلى جبال الريف في الشمال الشرقي للمغرب، عُمق الثقافة والهوية الأمازيغية المغربية، وهي مناطق شاسعة أمازيغية بامتياز، وتختلف اللهجات الأمازيغية المحلية بين الشمال والجنوب والوسط، وتفرض شساعة مساحات أقاليمها والكثافة السكانية الممتدة على طول الجبال الشاهقة ذات التضاريس الصعبة تحديات مرتبطة بالتنمية والعدالة المجالية بينها وبين باقي مناطق المغرب والمدن الكبرى.

“اليوم يتأكد أن المغرب يسير بسرعات مختلفة وهناك تفاوتات مجالية كبيرة بين مختلف الجهات، مما خلق هوة تنموية وتواصلية بين هذه الجهات”، يتابع الباحث المغربي بادو، وحسب وجهة نظره “الجميع مطالبون اليوم بتقليص هذه الهوة التنموية والتواصلية عن طريق تعبئة موارد بشرية تُتقن اللغة الأمازيغية واللهجات المحلية، لتجويد تدخلاتها وضمان نجاعتها، والأخذ بعين الاعتبار هذا المكون اللغوي والثقافي في عملية التعبئة المجتمعية والمواكبة النفسية للمتضررين من فاجعة الزلزال.”

واختتم الفاعل الجمعوي الأمازيغي حديثه بالقول أن “هذه الكارثة الإنسانية يجب أن تشكل فرصة لرفع التهميش عن هذا الجزء من المغرب، من خلال إعادة النظر في السياسات التنموية والترابية الموجهة لهذه المناطق”، مؤكدا بشدة على أن هذه الأزمة “كشفت أن البلاد تسير بسرعتين متمايزتين، واتضح بذلك أن اللغة الأمازيغية شرط من شروط تحقيق التنمية.”

lo3bat elomam

Recent Posts

غيمةَ العطر..اسكبيها

مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…

4 days ago

Et si le maquillage n’était pas seulement une affaire de femmes !

Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…

5 days ago

هآرتس: لم نحقق شيئًا، ولم نهزم أحدًا، واقتصادُنا منهار وشبابُنا يهاجرون

ترجمة عن صحيفة هآرتس  لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…

5 days ago

ملتقى أبو ظبي: وهم الاستقرار في عالم مضطرب ولكن….

 ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…

6 days ago

Quand changer l’heure devient une affaire d’état !

Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…

2 weeks ago

ماذا سيفعل ترامب في فلسطين واوكرانيا

  Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…

2 weeks ago