حراك السويداء بين المطالب الشعبية والشعارات السياسيّة
حراك السويداء بين المطالب الشعبية والشعارات السياسيّة
د.نجاح زيدان
دخل الحراك الذي تشهده مدينة السويداء اسبوعه الثالث ، عقب القرارات الاقتصادية الأخيرة التي أقرتها الحكومة السورية وخاصة رفع الدعم عن الخبز والوقود.
تعاني سورية بأكملها من أزمة اقتصادية حادة نتيجة الحرب التي اندلعت عام ٢٠١١م تلتها عقوبات اقتصادية أثقلت كاهل الدولة وألقت بكل مآسيها على الشعب السوري. فبعد حرمان سورية من موارد النفط والغاز والمناطق المنتجة للحبوب عقب استيلاء القوات الامريكية وقوات قسد عليها، حصل نقص كبير في مخزون القمح واضطرت الدولة السورية لاستيراد مليون ونصف مليون طن سنويا من عدة دول ( روسيا، بيلاروسيا والقرم). مع العلم أن سورية قبل الحرب كانت تنتج اكثر من مليونين ونصف مليون طن من القمح سنويا” ما يكفي حاجتها وتصدّر الفائض.
كذلك الامر بما يتعلق بالنفط ومشتقاته. ففي عام ٢٠٢١وقّعت الدولة السورية عقودًا مع روسيا لاستيراد النفط ولكن الكمية لم تسد إلا ٣٥٪ من حاجات سورية. وكان وزير النفط السوري قد صرح في عام ٢٠٢٠ بأن السلطة لا تنتج سوى ٩ آلاف برميل يوميًا من النفط بينما تنتج المناطق التي تحتلها قسد بحماية امريكية ٨٠ ألف برميل يوميا.
قالت ألينا دوهان، المقررة الخاصة للأمم المتحدة في تقريرها عن الوضع في سورية إنّ :” مع تدمير أكثر من نصف البنية التحتية الحيوية بالكامل أو تضررها بشدة، أدّى فرض عقوبات أحادية الجانب على القطاعات الاقتصادية الرئيسية، بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء والتجارة والبناء والهندسة، إلى القضاء على الدخل الوطني وتقويض الجهود نحو التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار”.
وإلى كل هذه المآسي التي تسبّبت بها الحروب والاحتلالات، انخفضت قيمة العملة السورية في الشهر الماضي الى مستوى قياسي بلغ ١٥٥٠٠ ليرة مقابل الدولار.
اتخذت الدولة عددًا من الاجراءات لزيادة قدراتها المالية بغية تمويل الآلة العسكرية والأمنيّة وأيضا توفير الحد الأدنى من السلع الأساسية. كان من ضمنها زيادة الإيرادات الضريبية وخفض الإنفاق العام وخاصة رفع دعم أسعار السلع والخدمات الأساسية.
الازمة الاقتصادية الخانقة انعكست على السوريين بكل المناطق، وصار ٩٠٪ من الشعب السوري تحت خط الفقر. فلماذا الحراك في السويداء؟ وهل تزامن هذا الحراك مع ما يحدث في شرق الفرات، مجرّد صدفة؟
السويداء بين الجغرافيا وفقر الثروات
تقع محافظة السويداء في جنوب غرب سورية على الحدود السورية-الأردنية. عرفت بتاريخها الوطني العريق، حيث انطلقت منها الثورة السورية الكبرى في عام ١٩٢٥ بقيادة سلطان باشا الاطرش. وهي تعتبر محافظة ضعيفة صناعيا وتجاريا لذلك فإن اقتصادها يعتمد بشكل رئيسي على الزراعة وما يرسله المغتربون. خلال سنوات الحرب عانت محافظة السويداء كباقي محافظات ومدن سورية من براثن الازمة الاقتصادية وغلاء الاسعار الفاحش. وهكذا، فغداة زيادة الرواتب مؤخرا ارتفعت أسعار المواد الاساسية وغير الاساسية بشكل جنوني مما أدى الى عجز جديد يواجه الناس بتأمين حاجاتهم اليومية.
بالإضافة للوضع الاقتصادي فإن سلوك بعض عناصر الفصائل المسلحة والتي تشكّلت في بداية الأزمة السورية لتكون رديفة للجيش السوري زاد الطين بلة وزاد من تأجيج مشاعر الغضب لدى الناس. استغلت بعض العناصر نفوذها باسم الدولة للحصول على المكاسب المادية وذلك بشتى الطرق من تضييق على الناس والاعتداء عليهم.
في البدء انطلقت الاحتجاجات رافعةً مطالب معيشية ولكن سرعان ما تحولت إلى مطالب سياسية. وغزا المشهد علم الطائفة وإغلاق مؤسسات الدولة والمطالبة باللامركزية وتطبيق القرار ٢٢٥٤.
بدأ الناس بالاحتجاج بعد أن ضاقت عليهم سبل العيش ولكن هناك من يريد أن يستغل الوضع وأخذهم إلى منحى آخر يتماشى مع سياسة الولايات المتحدة. فلا يخفى على أحد بأن الموقع الجغرافي لمحافظة السويداء ( المثلث الجنوبي السوري- الاردني- العراقي) ومن جهة ثانية منطقة غالبية سكانها من الطائفة الدرزية عاملان مهمان بالنسبة للمخططات الامريكية والتي تعمل على تنفيذ ما جاء في كتاب الرئيس الامريكي السابق “فرصة سانحة” الصادر عام ١٩٩٦ بنظرية تفتيت الدول العربية وان تكون تحت الحماية الأمريكية.
على الصعيد الميداني أرسلت أمريكا مؤخرا تعزيزات عسكرية لقواعدها المتواجدة في شرقي سورية وأجرت مناورات عسكرية مع كل من قسد في الشرق و”جيش سورية الحرة” في الجنوب. بالإضافة الى تدريب مقاتلين لتهيئتهم للقتال على الحدود السورية العراقية، فهدف أمريكا هو السيطرة على البادية السورية وتطويق قوات الجيش السوري.
الازمة السورية معقدة وشائكة تتداخل فيها قوى محلية وإقليمية وعالمية وأصبح من الواضح أن أمريكا تزداد تعنتا في الشأن السوري والحصار الاقتصادي يزداد شدة ولن تسمح بكسر هذا الحصار.ولذلك ففي كلّ مرة تهدأ الاوضاع ويتأمل الناس فرجا إقتصاديًا ومعيشيًا تعود الولايات المتحدة للتأزيم من جديد تحت مسميات وأهداف مستهلكة ,
ليس خافيًا على أحد،أن الشعارات التي رُفعت تذكرنا بشعارات عام ٢٠١١ببداية الأزمة وخاصة الضخ الإعلامي لما يحصل.
لا شكّ في أنّ جزءًا من المسؤولية يقع على الفساد السائد وسوء الإدارة والقرارات الاقتصادية والتي شرحناها سابقًا ولكن الشعارات المرفوعة ليست الحل وانما حسب المثل الشعبي ستقودنا ” من تحت الدلفة لتحت المزراب”.