مبادرة ” الحزام والطريق”: أمل الاقتصاد والبنى التحتية والترابط
مبادرة ” الحزام والطريق”: أمل الاقتصاد والبنى التحتية والترابط
لُجين سليمان-الصين
كان “طريقا” حريريا وأصبح “حزاما” دوليا بمبادرة صينية أطلقها الرئيس الصيني “شي جينغ بينغ” في أيلول عام 2013، إذ قارن “شي جي بينغ “الحزام” بـ”طريق الحرير” التاريخي، الذي كان قد عزز قبل أكثر من 2000 عام العلاقات الاقتصادية والسياسية التي قاربت مسافات طويلة بين الحضارات الشرقية والوسطى والغربية. وأما اليوم فقد مرّ عشر سنوات على إطلاق مبادرة الحزام والطريق ، ولاقت تلك المبادرة عند إطلاقها لأول مرة شكوكا كثيرة حول واقعيتها، فقد رأى كثيرون حينها أنها مبادرة أقرب إلى الخيال نظرا لصعوبة بناء هذا الكم الضخم من البنى التحتية لتحقيق تواصل فعّال في العالم، فلماذا انطلقت الصين من البنى التحتية تمهيدا لتلك المبادرة؟
الترابط حجر الزاوية
في منتدى قمة التعاون الدولي الثاني الذي عُقد في ابريل من عام 2019 قال الرئيس الصيني “شي جينغ بينغ” أنّ: “مفتاح بناء الحزام والطريق هو الترابط، و البنية التحتية هي حجر الزاوية في الترابط “. هذا بالإضافة إلى أن الرئيس الصيني كان قد أعلن مرارا في مناسبات عديدة أن لمشاريع البنى التحتية أهمية خاصة في مبادرة الحزام والطريق. وهو ما كان موضع تساؤل، فلماذا تنطلق مبادرة الحزام والطريق من البنى التحتية؟
عالميا، ظهر مفهوم “البنى التحتية” لأول مرة في كتاب “تصنيع دول شرق وجنوب شرق أوروبا” لمؤلفه “بول رودان”، واقترح أن المجتمع يحتاج إلى تراكم في تشييد البنية التحتية قبل القيام بالاستثمار الصناعي ، لأنها رأس المال الأول للتنمية الاجتماعية. وهو ما يتفق إلى حد ما مع ما توجّه إليه “آدم سميث” في كتابه “ثروة الأمم” إذ كتب: “أن البنية التحتية العامة مثل الطرق والقنوات والموانئ والجسور تؤثر على حجم السوق وتطوير الأعمال ، ولها تأثير لا حصر له على التنمية الاقتصادية ، والتي تحتاج إلى تقدير كبير من قبل الحكومة”.
وقد خلص تقرير “البنك الدولي” الصادر عام 1994 تحت عنوان “توفير البنية التحتية للتنمية” إلى ما يلي: “إن مستوى تطور البنية التحتية يحدد إلى درجة كبيرة نجاح أو فشل البلدان النامية في تنويع الإنتاج ، أو تسهيل التجارة ، أو تقليل تكاليف المعاملات ، أو التعامل مع النمو السكاني ، أو الحد من الفقر ، أو تحسين الظروف البيئية” وقد أشارت إحصائيات بأنه مقابل كل زيادة بنسبة 1٪ في الاستثمار في تشييد البنية التحتية في البلدان النامية ، سيزداد ناتجها المحلي الإجمالي أيضًا بنسبة 1٪. وهذا يدل على أن مرونة إنتاج استثمارات البنية التحتية أعلى من مرونة أي رأس المال الآخر.
وهو بالضبط ما اعتمدته الصين في البداية على المستوى الداخلي، عندما تمّ تشييد بنى تحتية ضخمة في معظم المدن، ومن ثم في القرى النائية. واليوم تعمل على مشاركته مع العالم أجمع من خلال مبادرة الحزام والطريق، إذ يعد الداخل الصيني بمثابة مثال قوي على هذا الأمر، فبعد تأسيس الصين الجديدة ، وخاصة منذ الإصلاح والانفتاح عام 1978، عملت الصين على إعطاء الأولوية لتطوير البنية التحتية ، واستمرت في الاستثمار بكثافة في إدارات وصناعات البنى التحتية الرئيسية ، وخاصة ما يتعلق منها في مجال النقل. لقد أدى ذلك إلى تحسين بيئة الاستثمار بشكل كبير ، وفي الوقت نفسه شجع ودفع التطور السريع للصناعات التحويلية والتجارة والعقارات في الصين، وهو ما عزّز التحديث الصيني.
تقوم فكرة الترابط الأساسية التي يقوم عليها طريق الحرير، وفقا لمبدأ أن المناطق النائية البعيدة غالبا ما تُحرم من التنمية الحقيقية، نتيجة لوجود نقل غير ملائم، ولذلك لا بد من تحقيق الربط أولا عبر إقامة بنى تحتية، هذا بالإضافة إلى أنّ هذا الطريق أصلا يقوم على الترابط بين الماضي والذي هو طريق الحرير القديم والحاضر المتمثّل في هذه المبادرة، وبذلك فإنّ فكرة الربط تتألف من عدة أبعاد منها: الربط الزمني والجغرافي والاقتصادي والثقافي.
التنمية المستدامة
أصبحت التنمية المستدامة مطلبا ملحّا في عالم اليوم، وهي أيضا من العوامل التي تحقق ترابطا ما بين الحاضر والمستقبل بطريقة سليمة، خاصة وأن آثار التغير المناخي في عالم اليوم تشكّل خطرا لا يمكن إهماله.
تتضمن أحد أهداف مبادرة الحزام والطريق تحقيق تنمية مستدامة وخضراء، إذ أظهرت دراسة حديثة أجراها مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع وجامعة أكسفورد أن حالة البنية التحتية تؤثر على 92٪ من أهداف التنمية المستدامة. وخلصت الدراسة إلى دعوة لتحقيق نقلة نوعية في تخطيط البنية التحتية لأنها أكثر من مجرد مبانٍ ، فهي: ملاذ للناس ، ربط للمجتمعات ، إزالة للحواجز ، تزويد الأطفال بفرص تعليمية ، تأمين سبل عيش الأسرة ، تمكين الناس من تبني أنماط حياة صحية ، الحد من عدم المساواة ومعالجة أسباب النزوح ، هذا بالإضافة إلى أنها يمكن أن تخلق شعورًا بالانتماء والحفاظ على السلام العالمي. وبشكل عام ، يمكن القول أنّ البنية التحتية في العالم ليست مجهزة بعد للتعامل مع أزمة عالمية. إذ يحتاج عالم اليوم إلى بنى أكثر مرونة يمكنها التكيف ومقاومة البيئات المتغيرة ، سواء كانت وباءً أو عواقب تغير المناخ. وهو ما يعني الحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية المستدامة. ولذلك فإنّ فكرة الاستدامة في تشييد بنى تحتية ضمن مبادرة الحزام والطريق هي فرصة مهمة لدعم البلدان النامية في الخروج من واقعها الصعب وتحقيق الاستدامة. إن البنية التحتية المستدامة تحتوي على إمكانات هائلة للتغيير وفرص التنمية، فمن ناحية الفوائد البيئية ، يمكن للبنية التحتية المستدامة أن تساعد في تقليل آثار الكربون وتعزيز تطوير الطاقة المتجددة ، مما يؤدي إلى تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والوصول إلى اتفاق باريس. كما أنه سيكون لتشييد البنية التحتية المستدامة أيضًا فوائد اجتماعية كبيرة ، مثل خلق وظائف خضراء ، وتعزيز النمو الاقتصادي الأخضر ، والقضاء على عدم المساواة الطبقية.
وفقًا لإحصاءات البنك الدولي ، تستثمر البلدان النامية حاليًا حوالي تريليون دولار أمريكي في البنى التحتية كل عام. ومع ذلك ، من أجل الحفاظ على معدل النمو الاقتصادي الحالي وتلبية الاحتياجات المستقبلية ، تشير التقديرات إلى أنه من المتوقع أن يحتاج العالم 57 تريليون دولار في استثمارات البنى التحتية بحلول عام 2030، ولذلك ظهرت إحصائيات ترجح أنه إذا تم تنفيذ مشاريع البنى التحتية والطاقة الخضراء المخطط لها ضمن المبادرة، فإنه سيلبي حاجة البنى النامية ليس فقط في البنى التحتية من أجل إنشاء صناعات قوية، وإنما في مجال الطاقة النظيفة والاستدامة.
خاتمة
بناء على ما سبق تشكّل مبادرة الحزام والطريق فرصة لمختلف دول العالم لا سيما النامية منها من أجل تحقيق تنميتها، من خلال النهوض الاقتصادي المترافق مع نهوض بنى الاجتماعية أيضا، وبالتالي هي فسحة للنهوض المشترك لجميع الدول المنضمة إلى المبادرة، كي تحقق ترابطها مع الدول الأخرى بناء على أسس مستدامة.